تواصل السلطات اللبنانية مسار رفع الدولار الجمركي للمرة الرابعة، خلال فترة وجيزة، من خارج أي خطة إصلاحية إنقاذية شاملة قادرة على وقف النزيف المالي، وتأمين حدّ أدنى من الحماية للمواطنين المحاصرين بموجة غلاءٍ خانقة.
وتأتي الخطوة الحكومية برفع سعر الدولار الجمركي لتعزّز الاقتصاد الأسود على حساب نظيره الشرعي في ظل القفزة المرتقبة لعمليات التهريب وأسعار السلع، حسب مراقبين لـ"العربي الجديد".
وبعد رفع الدولار الجمركي من 1507 ليرات، إلى 15 ألف ليرة، ثم إلى 45 ألف ليرة، ثم 60 ألفا، دخل الدولار الجمركي الجديد بسعر 86 ألف ليرة لبنانية حيّز التنفيذ لغاية 31 مايو/أيار 2023، على أن يُعمَل به في احتساب الرسوم والضرائب على البضائع والسلع المستوردة، وهي خطوة حذّر خبراء في الاقتصاد من تداعياتها، ولا سيما في ضرب القدرة الشرائية عند المواطنين، زيادة التضخّم، وتعزيز الاقتصاد الأسود على حساب ذاك الشرعي.
ضرب القدرة الشرائية
يستغرب خبراء اقتصاد كيف أن السلطات في لبنان تواصل اتخاذ قرارات من خارج أي خطة إصلاحية، وبذريعة تأمين إيرادات إضافية للخزينة العامة، وأحياناً بحجج تمويل رواتب القطاع العام والمساعدات الاجتماعية التي تُقرّ، في حين أن الخطوات التي توصَف بالترقيعية تزيد من حدّة الأزمة.
في السياق، يقول عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي في لبنان، عدنان رمال، إن الدولار الجمركي ينعكس على كل ما له علاقة بالاستهلاك وتالياً بحياة اللبنانيين، لافتاً إلى أن رفعه إلى 86 ألف ليرة من دون مراعاة عدم قدرة الاقتصاد على تحمّله ومن دون دراسة الأثر الاقتصادي والاجتماعي، ما هو إلا ضرب للمؤسسات الاقتصادية الشرعية وزيادة في ضرب القدرة الشرائية للمواطنين، ولا سيما في ظل الإبقاء على سعر الدولار المصرفي 15 ألف ليرة، وهو أمرٌ غير منطقي وغير عادل وظالم بحق المواطنين والمودعين.
ويشير رمال في حديثه مع "العربي الجديد"، إلى أن هذه الخطوة ستكون لها ارتدادات قاسية على المواطنين خصوصاً أنها خارج أي مسار كامل وشامل يلحظ التداعيات ودراسة أثر الزيادة الاقتصادي والاجتماعي، مستغرباً كيف أن الدولة تلجأ إلى زيادة الضرائب والرسوم كما لو كنّا قبل الأزمة الاقتصادية، وكما لو كان الاقتصاد يعيش نموّاً وازدهاراً والقطاع المصرفي فعّالا، والرواتب بكامل قيمتها، والدعم على السلع الأساسية الحياتية موجودا.
ويرى رمال أنه لا يمكن زيادة الرسوم والضرائب في ظلّ تدهور القدرة الشرائية عند المواطنين وتآكل قيمة رواتبهم بالليرة اللبنانية وتراجع حجم الاقتصاد، بينما المودع غير قادر أيضاً على سحب ودائعه بقيمتها الحقيقية، باستثناء مبالغ ضئيلة جداً، ليست كافية أصلاً لتحمّل الغلاء وموجات الزيادات.
وأشار عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي إلى أن رفع الدولار الجمركي بمسار منفرد خاطئ جداً، وسيؤثر على قدرة المواطن الشرائية ويضرب الاقتصاد الشرعي بوجود التهريب والتهرّب الضريبي، ويقوّي المؤسسات غير الشرعية على حساب تلك الشرعية.
تخريب الاقتصاد الشرعي
بدوره، يقول الخبير الاقتصادي باسم البواب لـ"العربي الجديد"، إن رفع الدولار الجمركي له تداعيات كبيرة على المواطن من جهة والمؤسسات من ناحية ثانية، إذ من شأنه أن يخفّض القدرة الشرائية عند المواطنين التي شهدت تراجعاً منذ دخول أول زيادة حيز التنفيذ في ديسمبر/كانون الأول بحدود 25%، كما سيؤدي إلى تراجع الاستهلاك، والطلب على الكثير من المنتجات، وخصوصاً الكماليات، الأمر الذي سينعكس تلقائياً على مبيعات الشركات، التي ستعمد حكماً إلى تخفيض عدد موظفيها، ما يزيد البطالة والفقر، ويساهم بركود في الأسواق، عدا عن موجة الغلاء.
ويلفت البواب إلى أن رفع الدولار الجمركي منذ حوالي الستة أشهر لغاية اليوم أدى إلى زيادة بين 5 إلى 8% أقلّه على السلع التي نسبة الجمارك عليها صغيرة، أما الأخرى التي توضع في خانة الكماليات، مثل قطاع السيارات، المأكولات المستوردة الباهظة مثل الأجبان، والأسماك وغيرها، زادت بحدود 70%، مشيراً بالتالي إلى أن السلع الأقل تأثراً هي الأساسية مثل السكر، والحليب، والأرز وغيرها.
ويشير البواب أيضاً إلى أن المشكلة الكبرى تكمن في أن هذه الزيادات تحصل في ظل عدم قيام الدولة بضبط المعابر والحدود الشرعية وغير الشرعية، والمرافئ، أو ضبط الفواتير الجمركية، ما يزيد من تزوير الفواتير، والتهريب، ويجعل الاقتصاد الأسود أي غير الشرعي ينمو على حساب ذاك الشرعي، وذاك الذي يلتزم بدفع الضرائب والرسوم، وبهذه الحالة، لن تستفيد الدولة من أي مدخول حقيقي، الأمر الذي يضرب الهدف الذي تقف خلفه من رفع الدولار الجمركي.
أكد نقيب مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي في حديث إذاعي أن ارتفاع الرسوم والضرائب سينعكس ارتفاعاً في أسعار المواد الغذائية
ويستغرب البواب كيف أن الدولة تفرض رسومها وتقبض على نسبة 100% بينما الاقتصاد بالكاد يصل إلى نصفه أي 50%، وكيف أنها تدفع المواطنين هذه الضرائب والرسوم على 86 ألف ليرة بينما الدولار المصرفي لا يزال 15 ألفا.
الدولار في السوق السوداء
من جانبه، أكد نقيب مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي في حديث إذاعي أن ارتفاع الرسوم والضرائب سينعكس ارتفاعاً في أسعار المواد الغذائية، لكنه لن يطاول قسماً كبيراً من المواد الغذائية التي لا تدفع رسوماً جمركية، كغيرها من الأصناف التي تدفع الرسوم مثل المعلبات والأجبان والفواكه، بارتفاع يصل إلى 15% عمّا كانت عليه الأسعار مع الدولار الجمركي بقيمة 45 ألف ليرة.
تجدر الإشارة، إلى أن سعر صرف الدولار في السوق السوداء، لا يزال مستقراً منذ فترة على خطّ الـ90 ألف ليرة، ويتراوح بين 94 و95 ألف ليرة، في حين أن التسعيرة المعتمدة من قبل قطاع السوبرماركت والمطاعم والمؤسسات السياحية، تختلف بين مكان وآخر، وسط شكاوى كثيرة من الناس بوجود فوارق كبيرة احياناً.
كما يشكو الناس من أن الكثير من القطاعات تعمد إلى رفع تسعيرة بضائعها وفواتيرها، بالدولار، بعد "دولرة" السوق، في ظلّ انخفاض سعر الصرف، بينما كانت "أرخص" بالعملة الخضراء، عندما كان الدولار يتخطى 120 و130 ألف ليرة لبنانية، في خطوة يهدفون من خلالها إلى الحفاظ على هامش كبير من الربح، مستغلين الفوضى في السوق، والانفلات وغياب الأجهزة الرقابية.