تزامناً مع تسجيل تراجع جديد في قيمة الدينار العراقي أمام الدولار، تصاعدت شكاوى المسافرين العراقيين خارج البلاد من صعوبة حصولهم على الدولار، وسط اتهامات لشركات صرافة وبنوك محلية بالتلاعب والتأخير المتعمد في تنفيذ التزاماتها أمام البنك المركزي.
وسجلت السوق الموازية أمس الخميس تراجعاً حاداً في قيمة الدينار بلغت 1570 ديناراً للدولار الواحد، بفارق كبير عن القيمة الرسمية المقررة والبالغة 1320 ديناراً للدولار.
وفيما أكد متداولون أنه رغم إغلاق البورصة اليوم الجمعة، من المتوقع أن يشهد الدينار انخفاضاً جديداً مع نهاية التداولات، بسبب استمرار الطلب على الدولار من التجار والمسافرين خارج البلاد.
واتهم مسافرون شركات الصرافة والبنوك الرسمية بالتلاعب على حساب المسافرين الراغبين في الحصول على الدولار عبر المنافذ الرسمية.
وبرر البنك المركزي العراقي ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي بزيادة الطلب عليه لأغراض الاستيراد مقابل قلة التحويلات الخارجية، بسبب تعليمات الخزانة الأميركية وفرضها العقوبات على عدد من المصارف العراقية، بحسب تصريح صحافي أدلى عضو مجلس إدارة البنك المركزي، أحمد بريهي، لوسائل إعلام محلية.
وفي بيان له قرر مصرف الرافدين الحكومي، بتاريخ 24 سبتمبر/ أيلول الماضي، التريث في بيع الدولار للمسافرين في عدد من فروعه، بسبب عدم تعزيز البنك المركزي العراقي حصته من العملة الأميركية.
ووفقاً لتعميم صادر من المصرف إلى فروعه بما يخص حصصها من الدولار، تقرر التريث في استقبال إيداعات المسافرين لقاء صرف الدولار النقدي إلى إشعار آخر.
شهادات مسافرين
في السياق، يقول العراقي، أحمد سلمان، 43 عاماً، إنه ذهب إلى أكثر من بنك عراقي كان مخولاً باستلام إيداعات المسافرين، إلا أن هذه البنوك أغلقت أبوابها أمامهم بسبب تعليمات إدارة مصرف الرافدين، بعدم اعتماد عدد من فروعه والاعتماد على فروع عدة، مما أحدث اكتظاظاً بالمسافرين في طابور منذ ساعات متأخرة من الليل وحتى الصباح.
وأضاف سلمان لـ"العربي الجديد" أنّه توجه إلى أحد فروع مصرف الرافدين في جانب الكرخ من العاصمة بغداد، لكن حماية المصرف لم يسمحوا له بالدخول لأن العدد المحدد لاستلام إيداعات المسافرين 25 مسافراً فقط، وأن هذا العدد قد اكتمل، مشيراً إلى أن إدارة البنك أبلغتهم بعدم إدخال أي مراجع يروم الإيداع لغرض السفر.
كذلك أشار إلى أن أحد عناصر حماية البنك أخذه إلى كابينة الحراسة وطلب منه مبلغاً مقداره 150 ألف دينار عراقي (115 دولاراً تقريباً)، لأحد الموظفين، من أجل إضافته ضمن قائمة اليوم التالي، والسماح له بدخول البنك لغرض الإيداع.
وقال سلمان إنه رفض الامتثال لهذا الإجراء بسبب مخالفته الشرعية والقانونية، مبيناً أنه ذهب إلى سوق بورصة الحارثية لتصريف الدينار إلى دولار، لأن موعد سفره قد أقترب ولا بد من الحصول على العملة الصعبة.
وفي المصرف ذاته، أكد المواطن عقيل الزوبعي أنه لم يتمكن من إيداع أمواله من أجل الحصول على الدولار لأغراض السفر لمرات عدة.
وأوضح لـ"العربي الجديد" أنه اضطر لدفع مبلغ من المال مقداره 125 ألف دينار عن كل مسافر لأحد موظفي المصرف، من أجل إدخال أسمائهم ضمن قائمة المسموح لهم بالدخول إلى البنك من أجل الحصول على الدولار.
وأشار إلى أن الحال لدى شركات الصرافة لا يختلف عن إجراءات البنوك في استحصال أموال غير قانونية من المسافرين، وأن هذه الشركات لا تعطي المسافرين حقوقهم في التصريف، إنما تبيعها بأسعار مرتفعة قياساً بالسعر المحدد من قبل الحكومة العراقية.
احتكار الدولار
من جهته، أكد الباحث الاقتصادي عمر الحلبوسي أن مجموعة من المصارف تحتكر الجزء الأكبر من نافذة بيع العملة، مبيناً أن هذه المصارف تمتلك نفوذاً داخل البنك المركزي من خلال اللوبي الفاعل بالبنك المركزي وهو ما مكنهم من فرض نفوذهم في السوق.
وخلال حديثه لـ"العربي الجديد"، قال إن "احتكار القلة للدولار جعل هذه المصارف تضارب في السوق السوداء، لتحقيق أكبر قدر من الأرباح على حساب انخفاض قيمة الدينار العراقي".
وأضاف أن إجراءات البنك المركزي لم تقدم حلولاً لمشكلة الدولار، إنما فاقمت المشكلة بعد إغلاقها لعدد من منافذ الإيداع للمسافرين، مما فرض الاحتكار في السوق الموازي.
وأكد الحلبوسي أن حالة الفساد في البنوك ومنافذ تسليم الدولار الرسمية منتشرة في المصارف منذ بدء بيع دولار المسافرين، ووصل سعر المسافر الواحد إلى أكثر من 250 ألف دينار مقابل السماح بدخول المسافر للإيداع.
وأشار إلى أن هناك مصارف قامت بإدخال المسافرين واستلمت أوراقهم لغرض البدء بتسليمهم الدولار وبعد إدخال معلوماتهم للمنصة تم إبلاغ المسافرين بنفاد الدولار، وتبين فيما بعد أن المصرف قد اشترى الدولار باسم المسافر دون علمه.
وأضاف أن هناك معلومات أثبتت قيام المصارف بشراء الدولار بأوراق عملائهم بالتعاون مع شركات السفر دون علم العملاء.
وانتقد الحلبوسي سياسة البنك المركزي في الحد من عمليات الفساد، ومحاسبة هذه المصارف، إنما تغاضى عنها لأنها تمتلك نفوذاً داخل البنك المركزي مما يجعلها فوق سلطة القانون، على حد وصفه.
تواطؤ وفساد
من جانب آخر، انتقد الخبير الاقتصادي ضياء المحسن سياسة البنك المركزي العراقي في مواجهة الأزمة النقدية التي تشهدها السوق العراقية، مع استمرار تذبذب سعر صرف الدولار وعدم السيطرة على الارتفاع الحاصل في قيمته بالسوق الموازي.
وأكد المحسن لـ"العربي الجديد" أن هناك تواطؤاً من قبل بعض الأطراف داخل البنك المركزي في ملف الدولار، لأن إدارة البنك المركزي على علم بما تقوم به شركات الصيرفة من بيع للدولار واستغلال لجوازات السفر، متهماً بعض الشخصيات داخل البنك المركزي بالتواطؤ في هذا الجانب.
وأضاف أن هناك جهات في إدارة البنك المركزي العراقي تعمل لحساب بعض الكتل السياسية والمصارف الخاصة، تتدخل لمنع رئيس الحكومة، محمد السوداني، من العمل على الحد من أنشطتهم، وتضغط من أجل استمرار فوضى الدولار أطول فترة ممكنة.