في السنوات القليلة الماضية، شهدت الولايات المتحدة طفرة هائلة في بناء المصانع، لكن هذا قد يكون في خطر، وفق خبراء اقتصاد، والسبب في ذلك هو معارضة المرشح الجمهوري دونالد ترامب للقوانين التي ساعدت في تحقيق ذلك، معتبراً أنها أفادت الشركات الأجنبية أكثر من الشركات الأميركية، عبر حصولها على قروض وتسهيلات ضريبية من خلال قانونين أقرتها إدارة الرئيس الديمقراطي جو بايدن.
ينتقد ترامب "قانون الرقائق والعلوم" الذي أقره الكونغرس الأول ووقّعه بايدن في التاسع من أغسطس/آب 2022، حيث تم بموجبه تخصيص مبلغ 280 مليار دولار، لدعم انتقال مصانع الرقائق العالمية إلى الأراضي الأميركية، وتصنيع أشباه الموصلات في الولايات المتحدة على مدى عشر سنوات.
وبموجب "قانون الرقائق والعلوم" تم تخصيص نحو 200 مليار دولار لدعم عمليات البحث والتطوير العلمي والتسويق، ونحو 52 مليار دولار لدعم عمليات تصنيع أشباه الموصلات، وإعفاءات ضريبية بقيمة 24 مليار دولار لعمليات إنتاج الرقائق، و3 مليارات دولار للبرامج التي تدعم تطوير التكنولوجيا وسلاسل التوريد اللاسلكية.
وفي 16 أغسطس/آب 2022، وقّع بايدن "قانون خفض التضخم"، والذي بمقتضاه تقرر تخصيص 370 مليار دولار على مدى 10 سنوات لدعم الكهرباء النظيفة والسيارات الكهربائية، حيث يشجع الاستثمار في كفاءة الطاقة والطاقة الشمسية وتخزين البطاريات.
وفق تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، فإن البعض يخشى من أن تتأثر طفرة المصانع في عهد ترامب في حال فوزه بالانتخابات الرئاسية المرتقبة، غدا الثلاثاء. مشيرة إلى أن الاستثمار في هياكل التصنيع بلغ في الأشهر الاثني عشر المنتهية في الربع الثالث من العام الجاري 236 مليار دولار، وهو أكثر من ضعف المعدل في ذروة رئاسة ترامب خلال الفترة من 2017 إلى 2021 بعد احتساب التضخم. ولفتت الصحيفة إلى أن آخر فترة نما فيها الاستثمار في المصانع بهذه السرعة كان في ذروة سباق الفضاء في الستينيات.
ويبدو أن هذه الطفرة مرتبطة بقانوني "الرقائق والعلوم" و"خفض التضخم". وهاجم ترامب "قانون الرقائق والعلوم" خلال مقابلة أجريت معه في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي مع برنامج بودكاست "جو روغان"، حيث اتهم تايوان بسرقة "أعمال الرقائق الخاصة بنا"، ودعا إلى فرض رسوم جمركية على أشباه الموصلات المستوردة. ورأى ترامب أن "صفقة الرقائق هذه سيئة للغاية"، مضيفا "لقد وضعنا مليارات الدولارات للشركات الغنية، لتأتي وتقترض الأموال وتبني شركات الرقائق هنا، ولن يقدموا لنا الشركات الجيدة على أي حال".
وبعدها بأيام، قال رئيس مجلس النواب مايك جونسون، الجمهوري عن ولاية لوس أنجليس، خلال حدث انتخابي في نيويورك، يوم الجمعة الماضي، رداً على أحد المراسلين الذي سأل عما إذا كان الحزب الجمهوري سيحاول إلغاء القانون: "أتوقع أننا سنفعل ذلك على الأرجح، لكننا لم نطور هذا الجزء من جدول الأعمال بعد".
وأثارت هذه التصريحات ضجة في الأوساط الاقتصادية الأميركية، لتستغلها نائبة الرئيس بايدن، المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، وتوجه انتقادات إلى ترامب والجمهوريين خلال تصريحات للصحافيين يوم السبت الماضي، في مدينة ميلووكي بولاية تكساس.
وقال إيرني تيديشي، الخبير الاقتصادي والذي عمل كبير الاقتصاديين في مجلس بايدن للمستشارين الاقتصاديين: "لقد حقق قانون IRA (خفض التضخم) وقانون Chips (الرقائق) نجاحاً كبيراً، وأعتقد أنه تجاوز حتى التوقعات الأولية لإدارة بايدن".
ويهدف "قانون الرقائق" إلى توسيع القاعدة الأميركية لإنتاج أشباه الموصلات الحيوية لعدد لا يحصى من المنتجات من السيارات إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي والأجهزة العسكرية، مع تقليل الاعتماد على تايوان وكوريا الجنوبية والصين الحساسة "جيو سياسيا". كما يهدف القانون إلى الحد من التضخم إلى تسريع الانتقال إلى طاقة منخفضة الكربون، مع تعزيز التصنيع المحلي للمعدات الداعمة مثل المركبات الكهربائية والبطاريات.
لكن ترامب يرى أنه كان يمكن دعم صناعة الرقائق الأميركية بسلسلة من التعريفات الجمركية، بدلا من ضخ عشرات مليارات الدولارات في جيوب شركات أجنبية. وفي خطاب ألقاه في سبتمبر/أيلول الماضي أمام النادي الاقتصادي في نيويورك، تعهّد ترامب بـ"إلغاء جميع الأموال غير المنفقة بموجب قانون خفض التضخم". ووعد ترامب بتحقيق "نهضة التصنيع" الخاصة به، من خلال خفض الضرائب. والأهم من ذلك، التعريفات الجمركية بنسبة 60% على الواردات من الصين، وما بين 10% إلى 20% على الواردات من أي مكان آخر.
لكن خبراء الاقتصاد الذين استطلعت آراءهم "وول ستريت جورنال" فقد توقّعوا أنه إذا تم انتخابه، فإن سياسات ترامب ستؤدي إلى انخفاض فرص العمل في التصنيع، مقارنة بما كان سيتحقق من قانوني "الرقائق" و"خفض التضخم". ويقول الديمقراطيون إن ترامب يعرّض التصنيع للخطر. وبحسب مات كوريدوني، المتحدث باسم حملة هاريس: "يهدد دونالد ترامب بسحب التمويل وتفكيك آلاف الوظائف في التصنيع بجميع أنحاء البلاد"، بينما لم تردّ المتحدثة باسم حملة ترامب على طلب الصحيفة التعليق على هذه الانتقادات. ويحذّر بعض مسؤولي الإدارة الأميركية الحالية وحملة هاريس من أن ترامب قد يعطل مشاريع الشركات العالمية لإنتاج الرقائق في الولايات المتحدة.
ويشير البعض إلى أن ترامب قد يوقف أو يؤخر الأموال التي لم يتم صرفها للشركات. وتبدو الكثير من الشركات متخوفة من ذلك، لا سيما أن وتيرة صرف الأموال تبدو متباطئة بالأساس في الفترة السابقة للانتخابات. وأعرب الرئيس التنفيذي لشركة إنتل، بات جيلسنجر، يوم الخميس الماضي، عن خيبة أمله من وتيرة المفاوضات للحصول على مليارات الدولارات التي تعهدت بها وزارة التجارة لمصانع الرقائق. وقال: "لقد أخرجنا ذلك من بياناتنا المالية هذا العام" نتيجة لذلك.
ورغم الانتقادات التي يوجهها ترامب لـ"قانون الرقائق"، فإن البعض يقلل من إمكانية إلغائه. وقال جيمس لويس، خبير التكنولوجيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إن ترامب قد لا يكون قادرا على إلغاء "قانون الرقائق"، لكنه قد يوقف الجولة الثانية المأمولة من التمويل للشركات. وأشار لويس إلى أن الدول الأخرى المنافسة تقدم حوافز لمصانع أشباه الموصلات، لذلك فإن إيقاف التمويل "سيكون ضارا حقا".
كما قالت حاكمة نيويورك، الديمقراطية كاثي هوشول، إن "قانون الرقائق مهم لأمننا القومي، وخصومنا الأجانب يريدون ذلك.. لذا، أعتقد أنه (ترامب) سيقتنع بأن الشيء الصحيح الذي يجب فعله هو إبقاء هذا (القانون) في مكانه".
وفي حين أن التعريفات الجمركية التي يخطط لها ترامب قد تساعد بعض الشركات المصنّعة المحلية على التنافس مع الواردات، يقول خبراء الاقتصاد إنها ستؤدي أيضا إلى ارتفاع تكلفة المدخلات التي تحتاجها المصانع الأميركية لتصنيع المنتجات النهائية، وتثير ردود فعل انتقامية من الشركاء التجاريين.
أحد هذه المدخلات هو آلات تصنيع الرقائق المتقدمة التي تستوردها الولايات المتحدة من شركةASML القابضة الهولندية، والتي تعتبر ضرورية لصنع أكثر الرقائق تقدماً. وقال بيتر هاريل، زميل غير مقيم في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي والذي خدم في البيت الأبيض في عامي 2021 و2022: "من المؤكد أن فرض تعريفة بنسبة 20% على ذلك سيكون ملحوظاً لمصنع أشباه الموصلات الذي يريد النهوض والتشغيل".
كما ذكرت مجلة إيكونوميست البريطانية في تقرير لها، الخميس الماضي، أن سياسات ترامب بشأن فرض تعريفات جمركية بنسبة ما بين 10% و20% على جميع الواردات و60% على المنتجات الصينية، ونحو 200% أو حتى 500% على السيارات القادمة من المكسيك، فضلا عن مقترح ترحيل الملايين من المهاجرين غير الشرعيين، من شأنها أن تؤدي إلى التضخم، مما قد يؤدي إلى صراع مع بنك الاحتياطي الفيدرالي. كما أنها قد تخاطر بإشعال حرب تجارية قد تؤدي في نهاية المطاف إلى إفقار أميركا.