تتأهب نقابات تونس للدخول في مواجهات جديدة مع السلطة بسبب تحجيم دورها الاجتماعي، وتعطل مسارات الحوار بشأن المطالب المهنية والمالية للموظفين، وذلك بعد فتور مطوّل ساد العلاقة بين الطرفين.
ودعا الاتحاد العام التونسي للشغل (النقابة الأكثر تمثيلية) منظوريه من العمال والموظفين إلى تجمّع كبير في ساحة القصبة بالعاصمة تونس في الثاني من مارس/آذار المقبل، للاحتجاج ضد "سياسات الحكومة بفرض الأمر الواقع" وعدم قبول أي مراجعات للاتفاقيات المبرمة بشأن الوضع المهني والمادي لنحو 800 ألف تونسي يعملون في القطاع الحكومي.
ويطالب الاتحاد باستئناف الحوار الاجتماعي بين النقابات وهياكل الدولة في إطار العقد الاجتماعي الذي يربط الطرفين والذي دأبت السلطات السابقة على اعتماده. ومنذ توقيع اتفاق زيادة أجور الموظفين في سبتمبر/أيلول 2022 أوصدت الحكومة باب المطالب أمام النقابات، كما جرى تعليق تنفيذ اتفاقيات ذات مفعول مالي، وفق الاتحاد.
وتوصلت الحكومة التونسية حينها إلى اتفاق مع الاتحاد العام للشغل لزيادة أجور القطاع العام بواقع 3.5%. يغطي سنوات 2023 و2024 و2025. وعوّلت الحكومة على إقناع النقابات العمالية بتجميد المفاوضات للسنوات الثلاث المقبلة بهدف السيطرة على كتلة الرواتب وتقليصها إلى نحو 12% من الناتج المحلي الإجمالي.
غير أنّ الاتحاد العام التونسي للشغل يرى أنّ الواقع المعيشي الصعب للموظفين بات يستدعي العودة الفورية إلى المفاوضات حول زيادات جديدة للرواتب، منتقداً تواصل ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة وتدنّي الخدمات الاجتماعية، ومنها التعليم والصّحة والنقل.
وقال الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل سامي الطاهي، إن هناك نية من السلطة للانفراد بالقرار في كل ما يتعلّق بالشأن الاجتماعي عبر إغلاق باب الحوار مع النقابات التي تتمسك بدورها في الدفاع عن حقوق الشغالين (العمال).
وأكد الطاهري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الحكومة تقدم على إجراء تعديلات قانونية في القطاع الوظيفي دون إشراك النقابات، معتبرا أن القوانين التي تنعكس على الحياة المهنية للموظفين لا يمكن أن تصاغ بشكل انفرادي. وأضاف أن الانفراد بالقرار لا يخدم السلم الاجتماعي وقد يؤدي إلى توتر المؤسسات الحكومية.
وانتقد الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل إحالة مشروع قانون يتعلق بتنقيح قانون الوظيفة العمومية وقانون الدواوين على البرلمان دون إشراك الاتحاد الذي سبق أن تقدم في مناقشة هذا المشروع بنسبة 80%، قبل أن يتوقف المسار بشأن تنقيحه بعد إجراءات 25 يوليو/تموز 2021، حيث انفردت السلطة بالقرار.
وأضاف الطاهري "بلغ للاتحاد إشارات تفيد باعتزام السلطة تغيير قانون الشغل"، مشيرا إلى أن هذه التنقيحات دون حوار مرفوضة. وانتقد تصحير السلطة للحياة السياسية وعمل المنظمات العمالية وتغييب كل القوى الفاعلة في البلاد. وأضاف "لا يمكن للسلطة أن تستأثر بكل المجالات، ولابد من تشاركية واسعة من أجل إيجاد حلول للأزمة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد".
وكان اتحاد الشغل الذي أيد في البداية إجراءات الرئيس قيس سعيد، لكن مع تصاعد حملة الاعتقالات بحق النقابيين وعدم قبول السلطة استئناف التفاوض مع النقابات انتقل الاتحاد من المراوحة بين التصعيد والمهادنة إلى التصعيد المباشر والتلويح باللجوء إلى الشوارع مجددا من أجل إثبات الوجود، وفق محللين.
وكشفت بيانات صادرة عن المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية حول الحركات الاجتماعية أن الاحتجاجات المؤطرة من قبل النقابات كانت في حدود 2478 احتجاجا عام 2023، ما يشكل 72% من مجموع الاحتجاجات التي جرى رصدها.
وقال المتحدث الرسمي باسم المنتدى رمضان بن عمر، إن سلطة سعيد تعتمد الاحتواء الناعم للحراك الاجتماعي، ما يؤدي إلى تراجع دور الوسائط التقليدية ومن بينها النقابات. وأشار بن عمر إلى أن الاحتواء الناعم هم من الآليات الجديدة لاحتواء الحركات الاحتجاجية، حيث توجه نحو قادة الاحتجاج أو العناصر الفاعلة في الاحتجاجات لنجدها أصبحت تحتل مناصب هامة مثل الوزراء، أو المستشارين أو الولاة أو المعتمدين وغيرها.
وأضاف "هناك هدف سياسي واضح بتحجيم أدوار الوسائط التقليدية وتنميط صورتها لدى الفاعلين بوصمهم بأنهم سبب الأزمة، فقد تراجع دور الوسائط التقليدية في مدى قدرتها على تأطير الاحتجاج وإيصال رسالته والتعامل معه بالتجاوب أو الصدّ"، كما فرض السياق على هذه الوسائط معارك أخرى مرتبطة بوجودها وآليات عملها وديمومتها وتراجع حزامها التعبوي.