وفقاً للنشرة الإحصائية "ماكرو تريندز (Macro-trends)" شهد سعر النفط في نهاية السنوات، من 2012 وحتى 2020، تقلبات واسعة. ففي 2012، وصل السعر الأدنى إلى 11.26 دولاراً للبرميل. بينما ارتفع السعر الأعلى عام 2013 إلى 86.65 دولاراً للبرميل الواحد، أما السعر الأعلى في تلك السنوات فقد سجل 110 دولارات تقريباً في عامي 2012 وَ2013، وكان أدنى سعر قد وصل إليه عام 2016 هو 54 دولاراً للبرميل. أما أعلى سعر وصل إليه في عام 2021 في معدله، فهو حوالي 78 دولاراً، بينما بلغ أدنى سعر في هذا العام 47.6 دولاراً.
تؤكد كلّ هذه المؤشّرات أنّ سعر النفط متقلب جداً. والملفت للنظر أنّ كثيرين من أهل الخبرة في تحليل أسواق النفط توقعوا في مايو/ أيار الماضي أن يبلغ معدل سعر خام برنت للعام كله حوالي 62.26 دولاراً للبرميل، و60.74 دولاراً للنفط نفسه خلال عام 2022.
أما توقعات يونيو/ حزيران الجاري فتقول إنّ سعر النفط الخام سوف يكون 71.88 دولاراً للبرميل الواحد، وإنّه ربما ينخفض إلى 71.54 في أغسطس/ آب، وإلى 70.64 في سبتمبر/ أيلول.
وعلى الرغم من أنّ أعلى الأسعار قد سجلت ارتفاعاً في مايو/ أيار حوالي 77 دولاراً، فإنّ المعدل العام للسعر لم يكن ليبلغ سقف الثمانين دولاراً، كما توقعت الجهات المختصة، ونحن نعيش في زمنٍ كثر فيه الحاسبون والمنجمون، والذين كُشِفَ الغطاء عنهم في زمن التقلبات في الأسعار.
عالم الكوانتوم كمبيوتر
هذا كله، وقد دخلنا الآن في عالم الكوانتوم كومبيوتر (Quantum Computer). ومع أنّ الولايات المتحدة قد أنفقت مبالغ طائلة لتطوير هذا النوع من الحواسيب التي تقوم بأعمالٍ لا يمكن للحاسوب العادي المعتمد على قاعدة 1.0، أو على اللوغاريتمات، إنجازه، فقد أعلنت الصين عن حاسوب جديد يستطيع إنجاز حساب واحد بسرعة تفوق 10 تريليونات مرة قدرة أسرع حاسوب موجود في العالم. وهذا يفوق ما ذكرته شركة "غوغل" عام 2019 بأنّها قد حقّقت التفوق في مجال الكوانتوم كومبيوتر. والحاسوب الصيني الجديد أسرع بكثير من أسرع كمبيوتر في العالم، وهو الحاسوب الياباني المسمّى Fugaku.
طبعاً معركة بناء أسرع وأدق كمبيوتر في العالم لم تنتهِ بعد، لكنّ هذا النوع الجديد من الكومبيوترات قادرٌ أيضاً على الدقة المتناهية في التنبؤات، وقادرٌ على إفراز نتائج تكاد لا تخطئ. وإن لم يحصل مثل هذا الأمر حالياً، فإنّه سيحصل قريباً. والحاجة لمثل هذا الحاسوب الخارق بدأت تظهر آثارها في مجالاتٍ كثيرة في المستقبل القريب، بل أقرب مما قد نتوقع.
صحيحٌ أنّ التقلبات في السياسات، وفي الظروف المؤثرة على العرض والطلب، صعبة المراس، وليس من السهل التنبؤ بها، لكنّ السلوكيات البشرية والأمزجة المتقلبة صارت موضوعاً متطوراً جداً في عالم التنبؤات.
ولقد جرّبت المعلومات المستقاة من أجهزة الهواتف والمواقع الإلكترونية باعتبارها مصدر معلومات خاماً يمكن صقله وتصنيفه إلى الحد الذي يمكّننا من قراءة السلوك البشري الجمعي، وتلقينه للحاسوب الخارق Quantum Computer (بحسب ترجمتي الخاصة)، فيكشف لنا بدقة متناهية عن ظروف العرض والطلب، ويحدّد لنا الكميات والأسعار للسلع، والخدمات الرئيسية، وأسعار الأوراق المالية، وأسعار صرف العملات، وأسعار الأسهم وغيرها.
الحوسبة الغمامية
ومما سيجعل هذا الأمر ممكناً مجموعة الاكتشافات المساندة، مثل "الحوسبة الغمامية"، والقدرة اللانهائية على تخزين المعلومات، وبناء بنوك المعلومات، والقدرة على تصنيفها وتسهيل الوصول إليها. وكذلك التطوّر في مجال تكنولوجيا الاتصال، والتنافس الكبير بين الولايات المتحدة والصين في هذا المجال سيجعل كلاً منهما قادراً، وبسرعة خارقة، على إجراء المعاملات المالية، والتبادلات النقدية في العالم، وإجراء المقاصّة عليها، وتحديد ما لدى كل فرد في العالم من مال إلكتروني مسجل باسمه في أي لحظة من اليوم.
ولو أضفنا إلى هذا كله التنافس الكبير في مجال العلوم الفضائية، والضرورة لمعرفة حركة الكواكب من حولنا، فإنّ التقدّم في هذه المجالات سينعكس أيضاً على القدرة التبادلية بين الحواسيب الخارقة الجديدة وتَطوّر حركة الإنسان وانتقاله إلى عوالم أخرى بعد عالمنا الدي نعيش فيه.
ماذا سيحدث لكلّ العلوم القائمة على التخمين والمضاربة والمقامرة، وتحليل المتغيرات في المستقبل، إن طورنا الحواسيب الخارقة إلى درجةٍ تصبح فيها القدرة على التنبؤ قريبةً من الكمال، وصارت هذه المعلومات متاحةً لكلّ الناس، فمن سيضارب على ماذا؟ وكيف سيتطوّر مفهوم قراءة المستقبل؟
الرياضيات الاكتوارية
التفاوت في الأعمار وعدد الأطفال هو الذي أوجد الرياضيات الاكتوارية في مجال التأمين والضمان الاجتماعي. والتفاوت في تقديرات الناس حول مستقبل أسعار الأراضي، والأوراق المالية، والأسهم، والسلع، هو الذي يجعلنا نضارب ونراهن، ونغامر في شراء هذه الأرصدة وبيعها، ونحقق الربح فيها. وهي تعطي من يخاطرون بهذه الأمور اللذة والمتعة. لقد كانت الهفوات في التوقع والناجمة عن عدم دقة قراءة التطورات في المستقبل مصدر متعةٍ ورزقٍ كبيرين.
أما الآن، وبعد اختراع الكمبيوتر الخارق، وتعميم استخداماته خلال عدد من السنوات حينما يصبح متاحاً في الأسواق، فمن الذي سيضارب، إذ عرف الجميع كل الحقائق والتوقعات الدقيقة من المصدر نفسه.
أم هل سيأتي زمان يصبح فيه الحاسوب الخارق هو المُسَيطر على كلّ هذه الأمور. وهكذا نعود إلى الحاسوب "هال" في فيلم ستانلي كوبرك "2001: Space Odyssey" والذي أُنتج عام 1968؟