العالم مليء بالتفكير التآمري، وكأنه من أحد أفلام المخرج البريطاني ألفريد هتشكوك Alfred Joseph Hitchcock
(13 أغسطس 1899- 29 أبريل 1980).
أحيطت جائحة كورونا بشبكة عنكبوتية من قصص المؤامرات، بدءاً من اتهام الصين بالسكوت عنها، إلى القول إنها من صنع المختبرات البيولوجية المدعومة من مؤسس شركة مايكروسوفت العالمية، بيل غيتس، حتى يروج للمطعوم الذي كان يعمل عليه، ووصل الأمر إلى التشكيك في وجود فيروس كورونا من أساسه.
والرئيس الأميركي المغادر البيت الأبيض بعد أسابيع، دونالد ترامب، يدّعي وجود مؤامرة ظلامية بسلبه نجاحه في الانتخابات الأميركية الأخيرة. ومن كثرة حرصه على أن يفوز بالرئاسة الثانية، اتهم كل من له علاقة بالانتخابات بأنه متآمر مع وكالات الأنباء ووسائل الإعلام الكاذبة، والديمقراطيين، وينتقد جمهوريين مِن حزبه، بأنهم يتقصّدونه لإسقاطه عن طريق العبث بنتائج الانتخابات، كما يحصل في دول العالم الثالث، حسب قوله.
ولأنه متحالف مع رئيس الوزراء الاسرائيلي، بنيامين نتنياهو، فإن مقتل العالم النووي الإيراني البارز، محسن فخري زاده، على يد عصابة رُجِحَ أن تكون إسرائيلية، هو مؤامرة.
والمقصود من وراء اغتيال هذا العالِم الفذ مؤامرة أكبر من أجل إشعال فتيل الحرب ضد إيران. وقد تحرّكت ناقلة الطائرات الأميركية "نيميتز" إلى المنطقة، بحجّة التغطية على انسحاب الجنود الأميركيين من العراق، ولكنها بالفعل تحرّكت من أجل الحشد لحربٍ ضد إيران.
إفشال جو بايدن
وبالطبع، فإن أحداً في الولايات المتحدة أو إسرائيل لا يتحسّر على مقتل فخري زاده، ولكن الكل يبذل جهداً كبيراً لمعرفة الدافع وراء قتله في أواخر أيام إدارة الرئيس ترامب. وبغض النظر عن ترتيبات قتل العالم النووي الإيراني، فلربما يكون دونالد ترامب ضالعاً فيها من أخمص قدميه حتى رقبته. فماذا سيكون تأثير ذلك على مستقبل الرئيس ترامب السياسي، وعلى مستقبل نتنياهو الذي يواجه احتمالات الذهاب، بعد نهاية العام الحالي، إلى انتخابات رابعة جديدة، يكون فيها حزب أزرق/ أبيض أقوى منافسيه، وإذا جرت هذه الانتخابات فإنها ستكون الرابعة خلال سنة ونصف.
وبالطبع، يأمل نتنياهو أن يتملص من ارتباطه بتسليم رئاسة الوزراء إلى نائبه رئيس تكتل أبيض/ أزرق، بيني غانتس، ويأمل في تفادي مواجهة المحاكمة التي تنتظره في أواخر العام الحالي بتهم الفساد المالي.
أما ترامب فيتأمل أن يُعقّد حياة الرئيس الأميركي المنتخب، جو بايدن، بقصد إفشاله وحزبه الديمقراطي، وتمهيد الطريق لإعادة ترشيح نفسه عام 2024. ولكن هذا مستبعد، وفِي ظني أن أقصى ما يمكنه الحصول عليه هو وعدٌ من الرئيس المنتخب بالعفو عنه عفواً كاملاً شاملاً لكل الجنح التي قد تثار ضده. وهذا أمرٌ يرفضه عُتاة الحزب الديمقراطي رفضاً باتاً.
وإذا كان البرافادو (Bravado) نتنياهو قادراً وحده على شَنِّ حرب ضد إيران لَفَعَل. ولكنه يريد تجنيد الولايات المتحدة إلى جانبه، وقد يستهدف حزب الله في جنوب لبنان وضواحي بيروت، حيث يسكن كثيرون من الطائفة الشيعية المناصرين لحسن نصرالله وحزبه. وأستبعد حتى أن يفعل ذلك، لأنه سيُعرِّض جنودا إسرائيليين كثيرين لاحتمالات القتل أو الأسر أحياء أو أمواتاً، ما سينتقص من سمعته، ويعرّضه للمساءلة عن كل ما هو متهم به من فساد ورشوة وسوء استغلال للمنصب.
ولكن لو افترضنا أن الجيش الأميركي وافق، والأرجح أنه لن يفعل، على شن حربٍ ولو صاعقة سريعة ضد أهداف إيرانية، فإن كلفتها لن تكون قليلة، فالإيرانيون الذين يستطيعون تحمّل الصدمة والضربة سيردّون على أهدافٍ عسكرية أميركية داخل دول الخليج العربية، وقد يقوم حزب الله كذلك، أو أنصار إيران من الذئاب الفردية (lone wolves) بضرب أهداف عسكرية أميركية، أو ضرب مصالح أميركية وإسرائيلية داخل إسرائيل وخارجها.
أزمة اقتصادية خانقة
وإذا تقرّر أن تكون الحرب شاملةً صاعقةً تستخدم الولايات المتحدة فيها أسلحة فتاكة، وبدعم جوي إسرائيلي، مستخدمين الأراضي العربية للوصول إلى أهدافٍ داخل إيران، فإن هذا سيعني إما استسلام إيران، أو الاضطرار الأميركي مع بعض حلفائه إلى وضع جنودٍ على الأراضي الإيرانية. وهذا يعني أفغانستان جديدة، ونفوذاً صينياً متزايداً، ونفوذاً روسياً أقوى.
وإذا ضربت المنشآت والمنصات النفطية في الخليج، وتعطلت الملاحة في مضيق هرمز وفِي جنوب البحر الأحمر حتى باب المندب، فإن سعر النفط سيرتفع في الأسواق الدولية، وسيشهد العالم أزمة اقتصادية خانقة، تقودها تراجعاتٌ في أسواق المال والبورصات، وارتفاعاتٌ في أسعار السلع والخدمات، وسيكون لهذا الأمر آثار اقتصادية فادحة، تتراكم فوق الخسائر التي تسبب فيها الانكماش الاقتصادي الناتج عن جائحة كورونا.
وقد يكون هذا الحال مفيداً في المدى القصير في إنهاء الصراع في اليمن، ولكنه سوف يكرّس فترة استعمارية جديدة، وسيخلق عداوة بين العرب والفرس، لا يمكن نسيانها قبل عقود طويلة.
والأرجح أن القضية الفلسطينية في ظل تنامي الدور الاسرائيلي سوف تتعقّد، ويصبح الوصول إلى حل بعيد أمراً بعيد المنال. ولكن الأهم أن دولا عربية كثيرة سوف تشهد تغييراتٍ جذرية في بناها السياسية والجغرافية.
وإذا كانت الضربة ضد إيران موجعة أكثر من مدمرة، وأبدت إيران استعدادها للتفاوض مع الأميركان، فإنها ستسعى إلى استعادة الدور الذي تمتعت به في المنطقة أيام الشاهنشاه محمد رضا بهلوي، وهو أمر سيكون وباله أكثر على دول الخليج من غيرها.