كشف مصدر مطلع على ملف الدعم في تونس، أن الحكومة وضعت خطة لبدء إلغاء دعم الخبز تدريجياً على مدار السنوات الأربع المقبلة، ليجري في المرحلة الأولى تقليص عدد المخابز التي تعمل في إنتاج الخبز المدعم، بالتوازي مع زيادة أسعار هذه السلعة تدريجياً على غرار تعديل الأسعار المعمول به في المحروقات (المنتجات البترولية).
وقال المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته في تصريح لـ"العربي الجديد" إن زيادة الأسعار ستشمل صنفي "الخبز الكبير" و"الباقات"، مضيفا أن عملية توريد الدقيق غير المدعم ستحال إلى المطاحن الخاصة، بينما ستكتفي الدولة بتوريد الدقيق الخاص بالمخابز المدعمة إلى غاية انتهاء خطة رفع الدعم نهائياً.
ويبلغ السعر الحقيقي للخبز الكبير من دون دعم 465 مليما (0.15 دولار) للخبزة الواحدة، بينما يباع للعموم بسعر 230 مليماً، ليجري دعمه بـ 235 مليماً، وفق البيانات الحكومية، فيما يبلغ السعر الحقيقي لخبز الباقات (الصغير) 274 مليماً، بينما يباع للعموم بـ 190 مليماً بدعم في حدود 84 مليماً (الدينار يحوي ألف مليم).
وحسب المصدر، فإن الزيادة السنوية المخطط لها في سعر "الباقات" الأكثر رواجاً تتراوح بين 70 و120 مليماً، لافتا إلى إمكانية إلغاء إنتاج الخبز الكبير.
ويتخوف الكثير من التونسيين من تداعيات إقدام الحكومة على إلغاء دعم السلع الأساسية في ظل ظروف الغلاء التي تشهدها البلاد، بينما يؤكد محللون أن التخلص من الدعم يأتي في إطار خطة اقتصادية جرى الاتفاق عليها مع صندوق النقد الدولي من أجل منح تونس قرضا جديدا بقيمة 1.9 مليار دولار.
وفي الأثناء، تواجه أفران الخبز المدعم مصيراً غامضاً مع اعتزام الحكومة بدء خطة إلغاء الدعم تدريجياً العام المقبل، ما يهدد آلاف العمال في الأفران بالبطالة نتيجة صعوبات مرتقبة في عملية تحوّل الأفران التي تعيش من الدعم منذ أكثر من 6 عقود إلى مرحلة التحرير الشامل للأسعار.
ويُقدر عدد الأفران المصنفة (التي تصنع الخبز المدعم) بنحو 3317 مخبزا تشغل في الحد الأدنى 4 عمال بحسب كراس الشروط المنظم لهذا الصنف من الأفران.
وتستفيد هذه الأفران من حصص شهرية تقدر بـ 118 قنطاراً (القنطار يعادل 100 كيلوغرام) من الدقيق المدعم لصناعة الخبز لفائدة شرائح واسعة من التونسيين إلى جانب تموين مؤسسات الدولة، ومنها المستشفيات والمبيتات الجامعية والسجون والثكنات.
ورغم أهمية دور المخابز المصنفة في النسيج الاجتماعي التونسي، إلا أن صمودها بات محفوفاً بالمخاطر مع الانتقال إلى مرحلة إلغاء الدعم بسبب غياب الخطط الرسمية لمساعدة هذه المؤسسات الصغرى على الانتقال السلس دون الوقوع في مطبات الإفلاس المالي وتسريح العمال.
ويشكك أمين مال غرفة المخابز، الصادق الحبوبي، في قدرة الأفران على الصمود إزاء تحديات المرحلة الجديدة التي تقدم عليها البلاد، مؤكدا أن الخبز المدعم مادة أساسية تؤمن جزءاً من الاستقرار الاجتماعي في البلاد.
وقال الحبوبي لـ"العربي الجديد" إن المهنة منقسمة بشأن خطة الانتقال إلى ما بعد الدعم، حيث تختلف التصورات سواء بالاستمرار في العمل وفقا لمقتضيات المرحلة الجديدة أو الإغلاق النهائي لهذا الصنف من المخابز، مرجحا ألا يتجاوز عدد المخابز القادرة على الصمود 500 مخبز من مجموع 3317 مخبزاً.
وأشار إلى أن السلطات لم تقدم للمهنيين أي خطة لمساعدتهم على الانتقال إلى منافسة المخابز غير المصنفة (التي تصنع الخبز الحر)، لافتا إلى أن التدرج نحو رفع الدعم عن الخبز يضع آلاف المخابز والعاملين فيها على أعتاب البطالة.
وتابع أن متوسط عدد عمال الفرن الواحد يتجاوز الخمسة عمال يتقاضون أجوراً شهرية تتراوح ما بين 790 و870 ديناراً للفرد.
وتصنع هذه الأفران صنفين من الخبز المدعم وهما الخبز الكبير (حجم عائلي بوزن 400 غرام) و"الباقات" بوزن 220 غراما وتباع هذه الأصناف وفق تسعيرة حكومية، بينما يباع في الأسواق صنف آخر من الخبز الحر غير المدعم. وتنتج الأفران التونسية يومياً 6.7 ملايين خبزة منها 3.9 ملايين خبزة كبيرة الحجم (مدعمة) و2.7 مليون خبزة "باقات". ومنذ عام 2012، جمّدت السلطات منح تراخيص العمل لأفران الخبز المدعم، لتفسح المجال لنشاط بيع الخبز بأسعار محررة.