تواجه حكومة تونس مأزق البحث عن التمويلات بسبب حاجتها إلى 10 مليارات دينار (نحو 3.6 مليارات دينار) يفترض توفيرها قبل نهاية العام الحالي من أجل سداد عجز موازنة 2020، في ظل انحسار مصادر التمويل ورفض مجلس نواب الشعب (البرلمان) لمشروع الموازنة التعديلي اضطرت الحكومة إلى سحبه خوفا من إسقاطه برلمانيا. والجمعة الماضية أعلنت لجنة المالية والتخطيط في البرلمان سحب الحكومة لمشروع قانون المالية التعديلي بغاية إعادة النظر في حلول تمويل الموازنة بناء على طلب النواب لملابسات في سياسة الاقتراض التي تنوي الحكومة اعتمادها.
وتحتاج تونس وفق مشروع قانون المالية التعديلي إلى جمع 10 مليارات دينار قبل نهاية العام الحالي وطلبت الحكومة الترخيص باستخلاص موارد الخزينة من السوق المحلية وتوفير الموارد اللازمة لإغلاق موازنة العام الحالي وسداد عجز السنة المقبلة، عبر إصدار أذون خزينة يمكن للبنوك وشركات التأمين وكبار المدخرين الاكتتاب فيها. ذكر مشروع قانون الموازنة أنه يتعيّن على الحكومة سد فجوتين ماليتين بقيمة 30 مليار دينار (الدولار = 2.75 دينار)، من بينها 10 مليارات دينار لإكمال السنة المالية 2020 و20 مليار دينار للعام المقبل. وتواجه الحكومة رفض البرلمان خياراتها لتمويل الموازنة، فضلا عن رفض البنك المركزي المشاركة في التمويل المباشر عبر شراء أذون الخزينة أو طبع الأموال خوفا من انفلات التضخم وانهيار سعر الدينار.
وقال رئيس لجنة المالية والتخطيط في البرلمان، هيكل المكي، إن البرلمان اتخذ قرار رفض المشروع الحكومي عقب جلسة استماع لمحافظ البنك المركزي حول وضعية المالية العمومية واختيارات الحكومة لتعبئة الموارد بهدف سداد نفقات العام الجاري.
وأكد المكّي في تصريح لـ"العربي الجديد" أن الخيارات الحكومية يكتنفها الكثير من الغموض وتزيد من تعقيد الوضعية الاقتصادية في البلاد فضلا عن تداعياتها المباشرة على معيشة التونسيين. وأفاد أن الحكومة قادرة على البحث عن حلول أخرى لتمويل الموازنة دون المخاطرة بجر الاقتصاد إلى الانهيار والمساس بمكتسبات التونسيين.
وتقدر القروض المزمع تعبئتها لتمويل الموازنة بنحو 59% من موارد الدولة المقدرة بـ33 مليار دينار، فيما سيكون العجز في حدود 8 مليارات دينار، أي 14% من الناتج المحلي الإجمالي، بتضاعف عجز الموازنة إلى مثليه مقارنة بتوقّع سابق كان عند 7% من الناتج المحلي الإجمالي، ليكون أكبر عجز تسجله البلاد في ما يناهز 4 عقود. وتزداد خيارات الحكومة انحسارا بسبب موقف البنك المركزي التونسي الرافض للمشاركة في التمويل المباشر للموازنة وشراء أذون الخزينة
وأعلن البنك المركزي في بلاغ له الثلاثاء الماضي، تمسكه باستقلالية قراره وفقا لقانونه الأساسي، مؤكدا أن "البنك المركزي سيظل ملتزماً بالمهمة التي كرسها له المشرع وهي الحفاظ على استقرار الأسعار والإسهام في تحقيق الاستقرار المالي طبقا للقانون المتعلق بضبط النظام الأساسي للبنك المركزي التونسي".
ولا يمسح قانون الأساسي البنك المركزي الذي أقره البرلمان عام 2016 للبنك أن يمنح لفائدة الخزينة العامة للدولة تسهيلات في شكل كشوفات أو قروض أو أن يقتني بصفة مباشرة سندات تصدرها الدولة.
لكن محافظ البنك المركزي، مروان العباسي، قال في جلسة الاستماع له أمام البرلمان إن البنك المركزي يحتاج إلى ترخيص استثنائي من البرلمان للمشاركة في التمويل المباشر من الموازنة على ألا يتجاوز التمويل 3 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي و12 بالمائة من الموارد الذاتية للخزينة، ويتم تحديد تدخلات البنك المركزي وفق روزنامة زمنية محددة.
وطالب المحافظ حكومة هشام المشيشي، بمراجعة مشروع قانون الموازنة في اتجاه تخفيض النفقات وتأجيل النفقات غير الضرورية أو تكثيف عملية استرداد المبالغ المستحقة لفائدة الدولة.
ويرى الخبير المالي، محسن حسن، أن تدخّل البنك المركزي من أجل إسعاف الموازنة وتسهيل تعبئة الموارد أمر ضروري في هذا الظرف الاقتصادي الصعب. وقال حسن في تصريح لـ"العربي الجديد" إن البنك المركزي رغم الممانعة لن يتخلّى عن دوره الوطني في ما يتعلق بعجز الموازنة، مضيفاً أن المهمة الأساسية للبنك المركزي هي تحقيق استقرار الأسعار، لكن هذا لا يمنعه من الاضطلاع بدوره الوطني لتخفيض الضغوط على المالية العمومية وفق ضوابط محددة خاصة في ظل ضعف هامش تحرك السياسات الحكومية. وحول تداعيات هذا القرار على معيشة التونسيين وانفلات التضخم، أكد حسن أن التضخم في تونس ليس نقديا فحسب، معتبرا أن مكافحته تتطلب جهدا مضاعفا في السيطرة على الأسعار وتفعيل أجهزة المراقبة الاقتصادية لمنع انفلات الأسعار وعودة التضخم إلى معدلات قياسية. لكن الخبير الاقتصادي وليد بن صالح، قال إن الحكومة ذهبت إلى الحلول السهلة ومنها طباعة الأوراق المالية لتوفير السيولة اللازمة لخلاص الأجور وسداد النفقات.
وأكد بن صالح في تصريح لـ"العربي الجديد" أن الحكومة قادرة على تعبئة 10 مليارات دينار من الموارد الجبائية غير المستخلصة، مشيرا إلى أن حجم هذه الديون الضريبية يبلغ حسب إحصائيات وزارة المالية 10.7 مليارات دينار، من بينها 5.2 مليارات دينار ديون صعبة الاستخلاص ومليارا دينار من الديون التي لم تحن آجال استخلاصها بعد، إلى جانب 3.1 مليارات دينار قابلة للاستخلاص.