بات المتمرد السابق جبريل إبراهيم الذي قاتل ضد نظام الرئيس المخلوع عمر البشير وزيراً لمالية السودان، الذي تعصف به أزمات متتالية.
وقاد ابراهيم (66 عاماً) حركة العدل والمساواة، إحدى المجموعات المتمردة الرئيسية التي لعبت دوراً محورياً في الصراع بإقليم دارفور الذي اندلع عام 2003 واستمر حوالى عشر سنوات.
وتم الشهر الماضي تعيين إبراهيم، الحاصل على درجة دكتوراه في الاقتصاد من جامعة يابانية والذي يجيد التحدث بعدة لغات، وزيرا لمالية السودان ضمن الحكومة المكلفة قيادة البلاد في الفترة الانتقالية التي تعقب الإطاحة بالبشير في إبريل/نيسان 2019.
وكانت الأزمة الاقتصادية التي شكّلت زيادة أسعار الخبز محورها، سببا رئيسيا للاحتجاجات التي اندلعت في نهاية 2018 وأدت في النهاية إلى الإطاحة بالبشير بعدما حكم البلاد لثلاثين عاما.
وقال المحلل السياسي محمد لطيف إنّ "الخبرة السياسية لإبراهيم لعبت دورا في اختياره وزيرا للمالية".، مضيفا أن "تعيينه يعد ضمانة أنّ الحكومة ملتزمة باتفاق السلام مع المجموعات المتمردة".
وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وقعت الحكومة السودانية اتفاق سلام مع مجموعات متمردة في دارفور من ضمنها حركة العدل والمساواة. وبموجب هذا الاتفاق حصلت الحركات المتمردة على مواقع رئيسية في الحكومة الانتقالية والبرلمان الانتقالي الذي لم يتم تشكيله بعد.
ويأتي استلام خبير الاقتصاد الستيني لمنصبه فيما تواجه البلاد تحديات اقتصادية منها معدل التضخم الذي تجاوز 300 في المائة ونقص في مخزون العملات الأجنبية وشح في الخبز والمواد البترولية ما أدى لخروج بعض الاحتجاجات.
النزاع في دارفور
ولد إبراهيم عام 1955 لعائلة من قبيلة الزغاوة الأفريقية في بلدة الطينة على الحدود بين السودان وتشاد بولاية شمال دارفور.
ودرس إدارة الأعمال في جامعة الخرطوم قبل أن يحصل على منحة في اليابان حيث اتقن اليابانية وحصل على الماجستير ثم الدكتوراه في الاقتصاد، ثم عمل بالتدريس في جامعة بالسعودية قبل أنّ يؤسس عدة شركات خاصة في مجال خدمات النقل الجوي في السودان والإمارات وتشاد.
وفي شبابه، التحق بحركة الإخوان المسلمين التي تعرف في السودان بالحركة الإسلامية التي أوصلت البشير إلى الحكم في عام 1989 إثر انقلاب عسكري، لكنّ سرعان ما تحوّل إلى المعارضة والتحق بحركة التمرّد في دارفور التي قادتها أقليات أفريقية لقتال حكومة الخرطوم متهمة حكومة البشير بممارسة العنصرية.
ورغم تركيزه بدرجة كبيرة على عمله في مجال تخصصه في الإدارة والاقتصاد، إلا أنّه يؤكد أنّ اهتمامه بالعمل السياسي يعود إلى الفترة التي كان فيها "طالبا في المدرسة الثانوية".
وقال في مقابلة مع تلفزيون "فرانس 24" عام 2016 "إنني ترأست اتحاد الطلاب المسلمين عندما كنت أدرس في اليابان".
واشار الى أن التهميش في دارفور، والذي تسبّب في صراع خلف 300 ألف قتيل وشرد 2.5 مليون شخص، دفعه الى أن يصبح ناشطا سياسيا، وأكّد: "ليس من السهل على أيّ شخص أن يقف متفرجا وهو يشاهد كل هذا".
تركيز على السياسة
وانضم إبراهيم رسميا لحركة العدالة والمساواة في عام 2002 كمستشار اقتصادي للحركة التي أسسها شقيقه خليل.
وفي العام 2006، انتقل إلى لندن ليتولى منصب مسؤول العلاقات الخارجية بالحركة.
وأصبح رئيسا للحركة عقب مقتل شقيقه في ديسمبر/ كانون الأول 2011 في شمال كردفان وسط السودان.
وقال المحلل السياسي النور أحمد النور إنه "بعد وصول جبريل لقيادة الحركة تمدد دورها سياسيا وتقلص عسكريا".
وأرجع النور ذلك إلى أن "جبريل كان اهتمامه بالسياسة اكثر من شقيقه في ظل وجوده في لندن بعيدا عن المقاتلين ولذلك اهتم بالجانب السياسي وبناء تحالفات لها وتمددها خارج إطار دارفور فظهرت مكاتب الحركة في شمال ووسط السودان".
وفي 2015، تكبدت الحركة خسائر كبيرة في اشتباكات تعرف باسم "معركة قوز دنقو" في جنوب دارفور حيث قبضت قوات البشير على مئات من مقاتلي الحركة.
تغيير حقيقي
وعقب توقيع اتفاق السلام في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تخلّت العدل والمساواة عن السلاح وتحولت الى حركة سياسية.
وتعهّد إبراهيم لدى توليه منصب وزير المالية، بأنه "لن ينام" حتى تحلّ الأزمات الاقتصادية التي عصفت بالبلاد خلال السنوات الماضية، وبعد أسبوع من توليه منصبه، أعلن السودان توحيد سعر الصرف ما بين السوق السوداء والسعر الرسمي تنفيذا لتوصيات صندوق النقد الدولي.
وجاءت الخطوة التي توصف "بالجراحة المؤلمة" على أمل إصلاح اقتصاد البلاد ورغم المخاوف من أن تؤدي الى زيادة الأسعار وخروج احتجاجات شعبية.
وقال جبريل آدم بلال القيادي في حركة العدل والمساواة والذي عمل عن قرب مع إبراهيم إن "الوزارة مصيرية لنجاح الحكومة فصبر الشارع على هذه الحكومة يرتبط بنجاح وزارة المالية".، مضيفا أن إبراهيم يدرك أنّه عندما تم ترشيحه لوزارة المالية انه في طريقه إلى "عش الدبابير".
وحضّ إبراهيم الناس على تحمل انعكاسات تغيير السياسات، قائلاً إنّ ذلك "سيتطلب روحًا وطنية عالية" و"تعاونًا" شعبيا.
ولدى المتمرد المخضرم طموح كبير يتجاوز الفترة الانتقالية، حيث صرّح عند افتتاح مقر رئاسة الحركة في الخرطوم في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي: "نريد أن نكون أكبر حزب في السودان".
وتابع: "علينا الاستعداد للانتخابات القادمة نتطلع إلى أنّ يعطينا الناس تفويضا لحكم السودان... وصناعة تغيير حقيقي".
(فرانس برس)