بينما تتعثر المفاوضات بين واشنطن وطهران حول الملف النووي التي تجرى في فيينا عبر وساطة خمس دول، تتجه الولايات المتحدة لتشديد الحظر الاقتصادي على طهران. وحسب بيان لوزارة الخزانة الأميركية، فإن وفداً من مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة، سيتوجه إلى أبوظبي وعواصم أخرى من دول الشراكة التجارية مع إيران خلال الأسبوع المقبل لمراقبة مسار تطبيق العقوبات الأميركية المفروضة على حكومة طهران.
ومكتب مراقبة الأصول الأجنبية، هو الجهة الرسمية التي تدير وتفرض العقوبات الاقتصادية والتجارية التي تقرها الولايات المتحدة لأجل أهداف الأمن القومي والسياسة الخارجية.
وحسب تقرير في صحيفة "وول ستريت جورنال"، ستكون دولة الإمارات العربية المتحدة المحطة الأولى في الجولة التي تستهدف سدّ الثغرات التي تنفذ منها طهران في ممارسة التجارة الخارجية. وتُعَدّ دولة الإمارات العربية المتحدة، ثاني أكبر شريك تجاري لإيران، ويعتقد المسؤولون الأميركيون أن شركاتها تلعب دور الوسيط الرئيسي في تنفيذ الصفقات التجارية والتسويات المالية لطهران مع الأطراف الأجنبية.
وحسب تعليقات أدلى بها مسؤول أميركي كبير لصحيفة "وول ستريت جورنال"، فإن وفد وزارة الخزانة سيعقد اجتماعات مع شركات بتروكيماوية ومصارف تجارية وشركات خاصة نفذت صفقات تجارية بمليارات الدولارات للحكومة الإيرانية.
ومن بين هذه الصفقات التي أغضبت واشنطن صفقة نفذتها شركة "آي جي هولدينغ" التي يوجد مقرها في دبي لبناء محطة طاقة في إيران بسعة 300 ميغاوات. ونفذت الشركة الصفقة في إقليم خوزستان، وأظهرت وسائل إعلام محلية في الإقليم صورة للرئيس التنفيذ للشركة الإماراتية وهو يتبادل العقد مع مسؤول إيراني.
من جانبه، قال مركز "بورصة وبازار"، المتخصص في الاقتصاد الإيراني، إن صادرات النفط الإيراني إلى الصين التي نفذت عبر صفقات من الإمارات العربية المتحدة ارتفعت بنسبة 31% خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري، مقارنة بما كانت عليه في الفترة نفسها من عام 2019 الذي شددت فيه أميركا حظر تصدير الخامات الإيرانية.
ومن المتوقع أن يطلع الوفد الشركات الإماراتية التي سيجتمع معها على معلومات موثقة عن خرقها للحظر الاقتصادي الأميركي على إيران. وقال مسؤول أميركي، إن "الوفد لديه معلومات عن الصفقات التي نفذت ولا تتطابق مع الحظر الأميركي وسيعرضها على الشركات والمصارف الإماراتية".
ويرى مسؤولو وزارة الخزانة الأميركية "أن هذه البنوك والشركات الإماراتية ستواجه مخاطر العقوبات في حال استمرارها في خرق الحظر الأميركي على إيران". وفي ذات الصدد، ذكر مسؤولون أميركيون أن زيارة وفد وزارة الخزانة الأميركية للإمارات، قد تتلوها عقوبات على الشركات الإماراتية وشركات أخرى".
وفي الشأن نفسه، قال مسؤولون أميركيون، إنه إذا لم يحدث تقدم في المفاوضات النووية مع طهران، فإن زيارة الوفد الأميركي للإمارات ستتلوها زيارات لدول أخرى في إطار تشديد الحظر الاقتصادي والتجاري على طهران.
وتستهدف واشنطن سد ثغرات الحظر التي تستخدمها طهران لتفادي العقوبات وتعتقد أنها تقوي إيران في محادثات الملف النووي التي يفترض أن تصل إلى نهاية خلال العام الحالي.
وبعد زيارة الإمارات، من المتوقع أن يتوجه مكتب مراقبة الأصول الأجنبية لإجراء زيارات مماثلة لكل من ماليزيا والصين وتركيا، وهي الدول الكبيرة في الشراكة التجارية مع إيران.
وحسب وزارة الخزانة الأميركية، فإن واشنطن تعمل بشكل وثيق مع الشركات المالية والمصارف التجارية في اليابان وكوريا الجنوبية لتعقب مسارات التجارة الإيرانية غير المشروعة مع دول آسيوية.
على صعيد مفاوضات فيينا، حتى الآن يبدو أن فجوة الخلاف بين واشنطن وطهران كبيرة في مفاوضات الملف النووي التي تجرى بوساطة عبر أطراف ثالثة. إذ تطالب الحكومة الإيرانية برفع الحظر التجاري والاقتصادي الأميركي عنها، أي تطالب بالعودة إلى الاتفاق النووي الذي وُقِّع في عام 2015 ضمن مفاوضات "5 +1" التي ضمت بريطانيا وألمانيا وأميركا والصين وروسيا.
وبالتالي، تطالب طهران برفع جميع العقوبات الأميركية أولاً قبل البدء بالنقاش في بنود جديدة تطالب بها واشنطن.
في المقابل، تدعو الحكومة الأميركية إلى التفاوض مع إيران في اتفاق جديد يتناول إلى جانب البرنامج النووي، ملف الصواريخ البالستية الإيرانية وضرورة أن تتعهد إيران بأن لا تطور هذه الصواريخ لتصبح مؤهلة لحمل رؤوس نووية، وكذلك تدعو إيران إلى التعهد بعدم التدخل في سياسات دول المنطقة وعدم تسليح المليشيات الشيعية في الدول العربية. لكن طهران ترفض تدخل واشنطن في تقنياتها الصاروخية، على الرغم من أنها لا تمانع التعهد بعدم تطوير الصواريخ البالستية لحمل رؤوس نووية.
يذكر أن الاتفاق النووي الذي وُقِّع في عام 2015، والذي نص على تقييد البرنامج النووي لمدة عشر سنوات وانسحب منه الرئيس السابق دونالد ترامب، بات قديماً، وأن إيران طورت كثيراً من برنامجها النووي، حيث ورفعت نسبة التخصيب، وبالتالي ترى واشنطن ضرورة تجديد أو إصلاح الاتفاق النووي وموافقة طهران على شروطها الجديدة قبل رفع الحظر الاقتصادي.
وكانت الولايات المتحدة تعتقد أن الحظر الاقتصادي سيقود تلقائياً إلى تدهور مستوى المعيشة في إيران إلى درجة تحدث ثورة ضد النظام، وهو ما ثبت فشله، إذ إن الشعب الإيراني بعد سنوات طويلة من الحظر انتخب حكومة محافظة برئاسة إبراهيم رئيسي.
وعلى الصعيد العملي بالنسبة لواشنطن، فإن رفع العقوبات الاقتصادية سيعني رفع الضغوط المالية والتجارية على إيران، وبالتالي قد ترفض طهران تقديم تنازلات وتمدد مدة المفاوضات. ولا يستبعد محللون أن يكون هذا هو السر وراء مطالبة واشنطن والدول الغربية بضرورة الإسراع في المفاوضات واختتامها خلال ما بقي من العام.