ربما ستضطر الحكومة الصينية في النهاية لإنقاذ كبرى شركات التطوير العقاري في الصين "إيفرغراند"، خوفاً من تداعيات إفلاس الشركة السلبية على سوق العقارات الصيني الضخم الذي يقدر حجمه بأكثر من 50 تريليون دولار في العام 2020 وبات من "خزائن الثروة" الرئيسية للمواطنين وسوقا مربحا للمضاربات السعرية خلال السنوات الخمس الأخيرة.
وشهدت الصين فورة عقارية غير مسبوقة منذ عام 2017 وحتى منتصف العام الماضي 2020، حيث بلغ حجم الاستثمار في العقارات السكنية بين يونيو/ حزيران من العام 2019 ويونيو من العام الماضي 2020 نحو 1.4 تريليون دولار، حسب بيانات صينية. وهذه الفورة العقارية الصينية فاقت بمعدل ضخم فورة العقارات الأميركية التي حدثت في بداية الألفية الثانية وارتفعت فيها الاستثمارات السنوية إلى 900 مليار دولار.
وحسب بيانات مجموعة "غولدمان ساكس" المصرفية الأميركية، رفعت هذه الفورة المصحوبة بموجة مضاربات جنونية حجم سوق الإسكان في الصين إلى نحو 52 تريليون دولار، أي أكثر من ثلاثة أضعاف حجم الاقتصاد الصيني المقدر بنحو 13.5 تريليون دولار.
والسوق الصيني بهذا الحجم بات يساوي ضعفي سوق الإسكان الأميركي وأكبر من سوق السندات الأميركية المقدرة بنحو 40 تريليون دولار. وحتى تفشي جائحة كورونا في العام الماضي لم يوقف نمو سوق العقارات بالصين.
ويعود السبب الرئيسي في هذا التضخم بسوق العقارات الصينية إلى إحساس المواطنين بأن السوق سيواصل الصعود تبعاً لارتفاع النمو الاقتصادي الصيني وزيادة الصادرات وربحية الاستثمارات العقارية وفق مراقبين.
وبالتالي، رفع أصحاب الدخول المتوسطة من مشتريات الشقة والشقتين والثلاث عبر الاقتراض السهل من البنوك الباحثة عن العمولات من جهة والفائدة المصرفية من جهة أخرى، حيث إنها تستطيع الاقتراض بفوائد منخفضة من المصارف التجارية الغربية، خاصة المصارف الأميركية التي تتوفر لها نسبة فائدة شبه صفرية منذ أزمة المال العالمية في العام 2008، وتبحث عن عوائد مرتفعة في الأسواق النامية.
وبلغت نسبة الشقق الشاغرة 39.4% في المتوسط بالصين في العام 2020، ولكن نسبة الشقق الشاغرة ارتفعت في المناطق التي يملك فيها المواطنون أكثر من ثلاثة مساكن إلى 48.2%.
وتشير بيانات بنك التسويات الدولية في سويسرا في دراسة بهذا الخصوص، إلى أن حصة الصين من إجمالي الزيادة العالمية في القروض العائلية البالغة 11.6 تريليون دولار ارتفعت إلى 57% في العام 2019، مقارنة بحصة 19% بالنسبة لمواطني الولايات المتحدة.
وحتى في العام الماضي 2020 الذي شهد جائحة كورونا، لم يتوقف نمو سوق العقارات الصيني، حيث ارتفعت أسعار العقارات السكنية من شقق ومساكن بنسبة 4.9% في يونيو/ حزيران الماضي مقارنة بمستوياتها في نفس الشهر من العام 2019. ورفعت شركة "إيفرغراند"، كبرى شركات التطوير العقاري حجم مبيعاتها المستهدفة بنحو 23% في يونيو/ حزيران من العام 2020 مقارنة بما كانت عليه في يناير/ كانون الثاني من العام نفسه.
وعلى الرغم من أن ارتفاع أسعار ومبيعات العقارات يعد من الأخبار السارة للنمو الاقتصادي في أي بلد في العالم، لأنه يرفع حجم الاستهلاك المحلي بالعديد من القطاعات مثل قطاعات الأثاث والمواد الأولية والبناء والتشييد، كما يرفع من مستوى التوظيف وخلق فرص عمل، إلا أن الحكومة الصينية كانت حذرة من الارتفاع الجنوني في المبيعات والأسعار، خاصة وأن العديد من موظفي الدولة والشركات بالمدن الصينية باتوا يضاربون على القطاع ويتملّكون أكثر من منزل وشقة بهدف التربح الاستثماري. وباتت هنالك أحياء مبنية ولكنها خالية من السكان في الريف الصيني، لأن أصحابها اشتروها عبر الاقتراض وبغرض الاستثمار وليس بغرض الإيجار.
وتشير بيانات لدراسة مشتركة لجامعة "ساوث ويسترن يونيفرستي" الأميركية ومصرف "تشاينا غوانغفا بانك" الصيني، إلى أن نحو 78% من ثروات سكان المدن الصينية أصبحت موضوعة في العقارات السكنية مقارنة بثروات 35% من سكان المدن في الولايات المتحدة.
ودعت هذه المخاوف الرئيس الصيني، شي جين بينغ، لإطلاق تصريحات تنتقد فورة الإسكان، حيث قال: "المنازل تُبنى للسكن وليس للمضاربة". لكن المضاربين على شراء الشقق الجديدة والمساكن في الصين ظلوا يعتقدون أن الحكومة لن تترك سوق الإسكان للانهيار لأن انهياره سيكون مكلفاً من النواحي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للحزب الشيوعي الحاكم.
ويرى خبراء أن من بين العوامل الأخرى التي رفعت من ديون شركات التطوير العقاري في الصين الحوافز التي قدمتها سلطات الأقاليم الصينية، وتشجيعها على الإنشاءات العقارية ضمن السباق الجاري بين المسؤولين لإظهار تفوق أقاليمهم المعماري في مؤتمرات الحزب الشيوعي.
وحصلت الأقاليم الصينية خلال العقد الماضي على تمويلات ضخمة من بيع الأراضي لشركات التطوير العقاري، كما كسبت من الضرائب المفروضة على مبيعات المساكن والشقق، حيث قدرت تقارير صينية أن مداخيل الأراضي وضرائب قطاع الإسكان تجاوزت نسبة 50% من ميزانية بعض المدن والأقاليم في العام 2019.
ولا تقتصر تداعيات انفجار "قنبلة إيفرغراند" على قطاع الإسكان فحسب ولكنها ستمتد إلى قطاع البنوك، حيث إن بعض البنوك لديها قروض كبيرة على الشركة مثل مصرف "أتش أس بي سي" البريطاني، كما أن انهيارها سيعني كذلك هزة زلزالية في قطاع الإنشاءات وبالتالي سيؤثر على مستوى البطالة في الصين وارتفاع نسبة الفقر بالبلاد.