يأتي الكشف عن تفكيك عدد من شبكات تهريب المشتقات النفطية في العراق، خلال الفترة الأخيرة، ليفتح ملف مافيا الذهب الأسود التي انتشرت في البلاد تحت رعاية عدد من كبار المسؤولين وقيادات بالشرطة، ما ألحق أضراراً بالغة باقتصاد العراق الغني بالنفط وانعكس سلباً على معيشة المواطنين.
وأعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، أول من أمس، عن تفكيك أكبر شبكة لتهريب النفط في محافظة البصرة جنوبي البلاد، فيما كشف جهاز أمني عراقي أن الشبكة تضم ضباطاً وموظفين كباراً.
وقال السوداني: "وجهنا بتعقب شبكات تهريب النفط وتنفيذ أوامر القبض بحق العصابات التي تجرأت وتغولت في سرقة حق العراقيين، وقد تمكنت قوات جهاز الأمن الوطني، بالتعاون مع الأجهزة الأخرى، من تفكيك أكبر شبكة لتهريب النفط في البصرة".
وتجرى عمليات التهريب النفطي عبر إحداث ثقوب في الأنابيب الوطنية الناقلة وربط أنابيب أو خراطيم بنواظم سيطرة عليها لسحب الكميات المستهدف تهريبها.
والثلاثاء الماضي، نقلت وسائل إعلام محلية، عن مصادر أمنية وحكومية رفيعة، تنفيذ قوة من جهاز الأمن الوطني واحدة من أكبر عمليات إلقاء القبض على شبكة لتهريب المشتقات النفطية في مناطق بمحافظة البصرة جنوبي العراق.
وفي هذا الصدد، اعتُقلت شبكة كبيرة متورطة في تهريب الوقود بمحافظة البصرة، بينهم مدير عام شرطة الطاقة في وزارة الداخلية اللواء غانم الحسيني، ومدير شرطة الطاقة في محافظة البصرة وعدد من الضباط والمنتسبين.
وصادرت الأجهزة الأمنية 49 خزاناً وعجلة شحن كانت معدة للتهريب، وضبط 93 وكرًا و496 خزانًا كانت تستخدم لتخزين المشتقات النفطية خلافًا للضوابط الأصولية، إضافة إلى إغلاق 11 محطة مخالفة للضوابط.
تحديات تواجه الحكومة
يرى الباحث في اقتصاد الطاقة، أحمد صدام، أن قدرة حكومة السوداني في مواجهة التهريب مشروطة بمدى قدرة الجهات الأمنية على مواجهة الجماعات الخارجة عن القانون والمافيات.
وشدد صدام، في حديثه لـ"العربي الجديد"، على أهمية تطبيق القانون بشكل صارم بحق المهربين والجهات المتنفذة التي تعمل على تسهيل تهريب المشتقات النفطية في جميع المناطق، مبيناً أن هذا الأمر يتطلب وضع معايير النزاهة والكفاءة في سلم الأولويات، خاصة مع اختيار القيادات الأمنية.
وأوضح أن عملية السيطرة على التهريب يجب أن تبدأ أولا من السيطرة على بعض الخروقات التي تصدر من بعض الجهات الأمنية، عدا ذلك، تبقى المشكلة قائمة ولا تُمكن السيطرة عليها.
وأشار صدام إلى أن هناك جماعات متنفذة أو وجهات مسنودة من قبل أحزاب ومسؤولين حكوميين تسهم في تسهيل عملية التهريب، بدليل أن بعض الشحنات المهربة تصدر فيها أوراق رسمية لتسهيل عملية المرور من نقاط التفتيش.
وأكد أن هذا دليل على أن التهريب يجرى بالتنسيق بين عدة أطراف مقابل الحصول على منافع مادية غير مشروعة، مستغلين بذلك ضعف الرقابة الحكومية وفروقات أسعار الوقود ما بين محافظات الإقليم والمحافظات الأخرى ودول الجوار.
من المستفيد؟
أكد جهاز الأمن الوطني، في بيان أول من أمس، أن "قوة من الجهاز أحبطت بمتابعتها لهذه الشبكة واحدة من أكبر عمليات تهريب النفط الخام في البصرة، والتي قادها أحد التجار وضمت ضباطاً برتب عالية وموظفين كبار".
وأشار الى أن "الكميات التي تهربها الشبكة يومياً تقدر بين 5-7 صهاريج بسعة 50 ألف ليتر، والكميات الشهرية وصلت إلى 75 مليون ليتر"، مؤكدا أنه "تم تدوين أقوال المتهمين والتحقيقات ما زالت مستمرة".
وفي هذا السياق، أكد الباحث الاقتصادي، نبيل العلي، وجود تواطؤ أمني مساند لشبكات التهريب في البلاد، حيث لا يمكن مرور هذا الكم الكبير من شاحنات نقل وقود يوميا، من خلال الطرق البرية الرسمية من الجنوب إلى الشمال بتلك السهولة والمرونة، من دون وجود من يسهل تلك العمليات.
وأوضح العلي، لـ"العربي الجديد"، أن تهريب المشتقات النفطية تزايد منذ بداية سنة 2022، حينما بدأت الأسعار النفطية العالمية بالارتفاع، فارتفعت أسعار الوقود في مناطق إقليم كردستان التي تتبنى سياسة بيع منتجات نفطية مغايرة عن المركز في بغداد، وتتبع سياسة السوق الحر بالنسبة للمستوردين والبائعين، كذلك ارتفعت الأسعار للدول المجاورة كسورية ولبنان والأردن، فبات فرق سعر الوقود حافزا للكثير من المهربين.
وأشار العلي إلى أن أكثر عمليات التهريب قد ذهبت باتجاه إقليم كردستان لتعويض الطلب على الاستهلاك، إذ بلغت أسعار الوقود المباع في الإقليم 1700 دينار لليتر الواحد من البنزين، في حين ظل الفارق واسعا بسعر البيع الثابت في بقية المحافظات بسعر 450 دينارا للبنزين.
وبيّن أن فروقات الأسعار دفعت الكثير من الطامعين لتكوين شبكات لتهريب المنتجات النفطية، وعلى رأسها مادتا البنزين وزيت الغاز، باتجاه المحافظات في إقليم كردستان.
أثر التهريب على الاقتصاد
قال العلي إن العراق يستورد ما يقارب 15 مليون ليتر من البنزين يوميا، ثم يعيد طرحها للاستهلاك المحلي، فيما تسبب ارتفاع أسعار النفط العالمية في ارتفاع أسعار التوريد للبنزين المحسن الذي تستورده وزارة النفط، وبالتالي أدت عمليات البيع بالأسعار الثابتة إلى خسائر مادية كبيرة.
شوهدت طوابير طويلة من السيارات والمركبات على محطات البنزين في انتظار ملء خزاناتها
وأضاف أن عمليات التهريب ولدت نوعا من الأزمات المحلية في المحافظات العراقية، وشوهدت طوابير طويلة من السيارات والمركبات على محطات البنزين في انتظار ملء خزاناتها، فيما وقفت الوزارة عاجزة أمام حل تلك الأزمة المرتبطة أساسا بالجهات الأمنية، المقصرة في ضبط الحدود أو ضبط انتقال شاحنات نقل المنتجات إلى نقاط وصولها الصحيحة.
وعن الخسائر اليومية التي يتعرض لها الاقتصاد العراقي بسبب عمليات تهريب المشتقات النفطية، يرى العلي أن الكميات المهربة يومياً تُقدر بـ3 ملايين ليتر يوميا بتكلفة مالية تقدر بأكثر من 3 ملايين دولار.
خطط حكومية
تأتي العمليات الأمنية لمكافحة تهريب المشتقات بعد أيام على تسمية الحكومة الجديدة برئاسة محمد شياع السوداني، الذي تعهد في خطابه أمام البرلمان، الأسبوع الماضي، بأن يكافح الفساد بقوة في البلاد، والتي جاءت بعد نحو أسبوعين من تفجر ما عرف بـ(سرقة القرن)، وتورط بعض الشركات والمسؤولين في اختلاس ما يقارب مليارين ونصف مليار دولار من أمانات هيئة الضرائب في مصرف الرافدين الحكومي.
ومن جهته، كشف القيادي في الإطار التنسيقي، تركي العتبي، عن خطة لرئيس الوزراء للحرب على من وصفهم بـ"مافيات تهريب النفط في العراق" وستشمل عدة محافظات.
وقال العتبي، في بيان له الثلاثاء الماضي، إن "السوداني أعلن الحرب على مافيات تهريب النفط وهو من أعطى الضوء الأخضر لبدء الاعتقالات، وأن 7 محافظات ستكون في مرمى الحرب على هذه المافيات، ومنها ديالى التي يمر من خلالها 30% من المنتجات المهربة صوب كردستان".