أصبحت الحكومة الأردنية برئاسة عمر الرزاز، في مهب الريح نتيجة تصاعد غضب الشارع من الضائقة الاقتصادية والمعيشية التي يمر بها، في ظل تفاقم التداعيات السلبية لأزمة كورونا والتخبط في العديد من القرارات.
ويترقب الشارع الأردني صدور قرارات ملكية بإجراء تغييرات شاملة في كافة المواقع الرسمية، تزامنا مع استحقاقات دستورية تتعلق بانتهاء مدة مجلس النواب في السابع والعشرين من الشهر الجاري وإعادة تشكيل مجلس الأعيان الغرفة الثانية للبرلمان والذي يعين مباشرة من قبل الملك، وما يرافق ذلك من تغييرات تطاول عادة مواقع عليا في الدولة.
ونقلا عن مسؤول أردني رفيع المستوى لـ"العربي الجديد"، فإن التغييرات على مستوى الحكومة والبرلمان باتت وشيكة وستصدر قرارات ملكية بحسم التوقعات الراهنة حاليا حول بقاء الحكومة أو رحيلها، وكذلك موعد إجراء الانتخابات النيابية المقررة في العاشر من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، بيد أن خيار تأجيلها بسبب تفاقم أزمة كورونا بات مطروحا منذ أيام.
وحسب ذات المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، فإن إجراء الانتخابات في موعدها المقرر يوجب صدور قرار ملكي بحل مجلس النواب، ما يعني استقالة الحكومة وتشكيل أخرى حيث لا تجوز دستوريا إعادة تكليف رئيسها في هذه الحالة فيما التكهنات لا تزال قائمة بشأن احتمال تأجيل الانتخابات لعدة أشهر.
وينشغل المواطنون هذه الأيام وبشكل غير مسبوق بسيناريوهات بقاء الحكومة أو رحيلها انسجاما مع الاستحقاقات الدستورية، فيما يبدو على الشارع رغبة جامحة بإقالة الحكومة نظرا لتردي الأوضاع الاقتصادية وتراجع مستويات المعيشة والمخاوف المصاحبة للارتفاع المفاجئ لأعداد الإصابات بفيروس كورونا والذي يبلغ المئات يوميا وسط توقعات أن ترتفع كثيرا خلال الأيام القليلة المقبلة.
وتشكلت حكومة عمر الرزاز، في شهر يونيو/حزيران من العام 2018 خلفا لحكومة هاني الملقي، التي أقيلت على وقع الاحتجاجات الشعبية الواسعة التي شهدها الأردن بكافة مدنه احتجاجا على فشل السياسات الاقتصادية ورفع الضرائب والأسعار.
وفي هذا السياق، قال عضو مجلس النواب الحالي، من حزب جبهة العمل الإسلامي الذراع السياسية للإخوان المسلمين في الأردن، موسى هنطش، لـ"العربي الجديد" إن كافة السيناريوهات مطروحة لشكل المرحلة المقبلة على صعيد الحكومة ومجلس النواب والمواقع السيادية الأخرى في الدولة في ظل التطورات الخطيرة للحالة الوبائية الناتجة عن فيروس كورونا، ما يجعل خيار تأجيل الانتخابات متاحا وهذا ما سيتضح خلال الأيام القليلة المقبلة وقبل السابع والعشرين من شهر سبتمبر/ أيلول الجاري.
وفي تشخيصه لترقب الشارع الأردني لرحيل الحكومة، قال هنطش إن ذلك جاء نتاجا لإخفاق الحكومة في إدارة الشأن الاقتصادي فبدلا من أن تحسن المؤشرات للأسف فقد انخفض النمو وتباطأ حتى قبل أزمة كورونا، وبالتالي شهدت مستويات المعيشة انحدارا كبيرا وخطيرا للغاية حيث يتوقع وحسب تقديرات مؤسسات دولية ارتفاع نسبة الفقر إلى أكثر من 27%.
وزادت البطالة إلى 23% وفقا لتقارير حكومية، فيما يرجّح تجاوزها هذه النسبة بكثير مع نهاية العام الحالي، كما تراجع النمو إلى 1.3% للربع الأول من العام الحالي، حسب بيانات رسمية.
ويرى هنطش أن المواطن الأردني يعاني حاليا من ظروف استثنائية وصعبة للغاية، وبالتالي فإن رحيل الحكومة قد يزيل إلى حد ما حالة القلق والاستياء التي تنتاب المواطنين على أمل أن تأتي حكومة جديدة تلامس همومهم وتعمل على تحسين الأوضاع المعيشية وتوفير فرص العمل وتحقيق العدالة الاجتماعية.
وحسب توقعات البنك الدولي، يرتقب انكماش الاقتصاد الأردني بنسبة 3.5% هذا العام، وأن يبلغ الدين العام ما نسبته حوالي 112% من الناتج المحلي الإجمالي حيث أظهرت بيانات البنك المركزي أن مديونية الأردن بلغت حوالي 45.12 مليار دولار في نهاية مايو/ أيار من العام الحالي.
الخبير الاقتصادي، حسام عايش، قال لـ"العربي الجديد" إن الرصد اليومي لتفاعلات المواطنين على مواقع التواصل الاجتماعي، وما ينشر ويبث في مختلف وسائل الإعلام، يعطي مؤشرا على تراجع شعبية حكومة الرزاز إلى مستويات متدنية عن الحكومات السابقة، ويرجع ذلك إلى تدهور الأحوال المعيشية وتفاقم مشكلتي الفقر والبطالة والتداعيات الناتجة عن أزمة كورونا على سوق العمل.
وأضاف عايش أن القطاعات الاقتصادية المتضررة من أزمة كورونا والإجراءات التي اتخذت للحد من انتشار الوباء كالحظر الشامل تحمل الحكومة مسؤولية الخسائر المترتبة عليها، وخاصة في ظل عدم وجود آليات ناجعة لإنقاذها طوال الفترات الماضية.
وكانت الحكومة قد أوقفت صرف زيادات رواتب الموظفين التي أقرتها بداية العام الحالي، وذلك لدعم المالية العامة في مواجهة آثار أزمة كورونا وتداعياتها الاقتصادية السلبية إلى جانب إجراءات مالية أخرى أثرت بشكل سلبي على القدرات الشرائية للمواطنين.
وحسب استطلاع أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية التابع للجامعة الأردنية نشر أخيرا، فقد شكل سوء الأوضاع الاقتصادية والتخبط في اتخاذ القرارات والفشل في محاربة الفساد أسبابا رئيسية في تقييم الأردنيين لأداء الحكومة بأنها لم تستطع القيام بمهامها على الإطلاق.
ورأى 76% من أفراد عينة قادة الرأي الذين شملهم الاستطلاع أن وضع الأردن الاقتصادي اليوم أسوأ مقارنة بالعام الماضي وبارتفاع مقداره 28 نقطة عن استطلاع شهر ديسمبر/ كانون الأول 2019، فيما يعتقد 43% من أفراد عينة قادة الرأي أن الوضع الاقتصادي سيكون خلال الاثني عشر شهراً المقبلة أسوأ مما هو عليه الآن.
ووفق رئيس مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية، أحمد عوض، لـ"العربي الجديد" فإن فيروس كورونا المستجد خلق تحديات جديدة تمثلت في خسارة سوق العمل لآلاف الوظائف القائمة بسبب حالة الانكماش التي دخلها الاقتصاد الأردني وتراجع مستويات الأجور بشكل ملموس، ما أدى بطبيعة الحال إلى ارتفاع معدلات البطالة بشكل كبير وخاصة بين فئة الشباب.
وأشار عوض إلى العراقيل التي تصطدم بخيارات الشباب؛ أهمها السياسات الاقتصادية وسياسات العمل التي طبقت في الأردن خلال العقود الماضية والسياسات المالية الانكماشية والسياسات الضريبية غير العادلة التي أضعفت قدرات الاقتصاد الأردني على توليد فرص عمل جديدة، الأمر الذي انعكس سلباً على حياة المواطنين.