فاقت مصاريف تعليم طفلين في سورية الدخل الشهري لموظف فئة أولى بقدم عشرين سنة، بحسب مدرس اللغة العربية، محمد الحسين، ليأتي رفع أسعار الكتب الرسمية للمرحلة الثانوية "ضربة إضافية" يخشى جراءها خروج أعداد أخرى عن مقاعد الدراسة، ليضافوا إلى أكثر من مليوني طفل سوري خارج المدارس.
ويلفت المعلم السوري، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ الكلام هنا هو عن المدارس الحكومية، لأنّ أقساط المدارس الخاصة ورياض الأطفال، تفوق قدرة أكثر من 80% من السوريين، لا سيما بعد الرفع الأخير، إذ يبلغ قسط التعليم في المدارس الخاصة، بين 2 و5 ملايين ليرة، على حسب المدينة ومستوى المدرسة، في حين ارتفع قسط رياض الأطفال من 600 ألف إلى أكثر من 1.5 مليون ليرة. (الدولار= 4500 ليرة سورية تقريباً)
ويشير الحسين إلى أنّ "سعر الحقيبة المدرسية لأطفال المرحلة الابتدائية لا يقل عن 60 ألف ليرة، ولباس القميص الإلزامي بين 30 و40 ألف ليرة، حسب النوع والقماش، وسعر الدفتر (كرّاس) لا يقل عن 20 ألف ليرة وسعر دزينة أقلام الرصاص 6 آلاف ليرة، وأقلام الألوان الخشبية نحو 12 ألف ليرة. في حين أنّ الدخل الشهري، لمن لديه دخل ثابت، لا يتجاوز 100 ألف ليرة، وللمفارقة راتب المعلم الشهري لا يتجاوز 100 ألف ليرة".
ويصف المعلم السوري العذر الذي قدمته المؤسسة العامة للطباعة، أمس الأربعاء، تبريراً لرفع أسعار الكتب، بأنه "أقبح من ذنب"، مشدداً على أنّ "الطالب لا يتحمّل وزر انقطاع التيار الكهربائي، أو غلاء مستلزمات طباعة الكتب، أو على الأقل فلترفع الحكومة الأجور قبل أن ترفع الأسعار وتفاقم معاناة الأهل وتدفعهم لإخراج أولادهم من المدرسة للمساعدة بتأمين المصاريف الأسرية".
وكانت المؤسسة العامة للطباعة في سورية، قد أعلنت، في قرار لها، أمس الأربعاء، رفع أسعار الكتب المدرسية لمرحلة التعليم الثانوي والمهني، ليزيد سعر الكتب للسنة الواحدة، عن 50 ألف ليرة سورية، بنسبة زيادة بين 50 و75% على حسب السنة الدراسية ونوع الكتب.
وبرر مدير مؤسسة المطبوعات الحكومية، علي عبود، في تصريح، أمس الأربعاء، رفع أسعار الكتب هذا العام، بأنّه جاء "لكي يحافظ الطالب عليها، ويكون لها قيمة علمية"، كما أنّ "قلة المحروقات وانقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة خلال اليوم، دفع أصحاب المطابع لشراء المازوت من السوق الحر"، بحسب عبود.
ويشير مدير مؤسسة المطبوعات إلى أنّ قلة الورق والكرتون اللازم لإنتاج الكتاب المدرسي، إضافة إلى ارتفاع أجور النقل والطباعة، كلها أسباب لرفع أسعار الكتب المدرسية للمرحلة الثانوية والمهنية (صناعة، زراعة
وتجارة).
ويرى مدير مجموعة عمل اقتصاد سورية أسامة قاضي، أنّ خطوة رفع الأقساط المدرسية وأسعار مستلزمات التعليم، "ستزيد من تهديم سورية" لأنّ جل الأسر ستختار إخراج أولادها من المدارس لزجّهم بسوق العمل "إن وجد عمل طبعاً" لأنّ دخول الأسر لا تكفي للطعام لعشرة أيام، ففي حين الأجر مئة ألف ليرة، يزيد الإنفاق عن مليوني ليرة، "فكيف ومن أين ستتدبر الأسر مصاريف التعليم؟".
ويتساءل قاضي، في حديثه لـ"العربي الجديد" عن مجانية التعليم التي "تتشدق بها حكومة الأسد" إلى جانب مجانية الصحة، وتبرر من خلالهما الإنفاق الجاري بالموازنة العامة، "فسورية اليوم تخلّت عن دعم قطاع الصحة، وها هي تنسحب من دعم التعليم بعد تردي مستواه وهجرة الكفاءات أو إقصائها عن المدارس"، كما يقول.
ويضيف أنّ الانسحاب التدريجي من دعم قطاعي الصحة والتعليم "خطة حكومة الأسد المقبلة" بعد "الانسحاب" من دعم المشتقات النفطية والمواد الغذائية، وذلك "ليس سراً" بل تم تداوله أخيراً في مجلس الوزراء وربما يتم على مراحل، سواء عبر إلزام التلاميذ دفع أقساط شهرية "بمسميات وطنية وشعارات عريضة كدعم الصمود"، أو رفع أسعار الكتب المدرسية، حتى للمرحلة الابتدائية "وهنا لم نتطرق للمدارس الخاصة ومن يستثمرها ومستقبل التعليم في سورية".
وكان مجلس الوزراء، حكومة بشار الأسد قد ناقش، في مايو/أيار الماضي، موضوع الدعم الحكومي لقطاع التربية، حيث بحث دعم الحكومة لقطاع التعليم والمليارات التي تتكبدها عليه، مشيراً إلى أنّ أكثر من 3.6 ملايين تلميذ وطالب يتلقون التعليم المجاني في مدارس ومعاهد وزارة التربية بمختلف المحافظات، موزعين على 13660 روضة ومدرسة ومعهداً.
وتتفاوت نسب وأرقام الأطفال السوريين بعمر التعليم خارج مقاعد الدراسة، ففي حين تقدر منظمات دولية العدد بنحو 2.5 مليون طفل بعموم سورية، ترفع منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" الرقم، مؤكدة، بحسب بيان لها في مايو/أيار الماضي، حاجة أكثر من 6.5 ملايين طفل في سورية إلى المساعدة، وهو أعلى رقم جرى تسجيله منذ بداية الثورة السورية في 2011.
وجددت " يونيسف" حينها مناشدتها "كافة أطراف النزاع ومن لهم تأثير عليهم، للتوصل إلى حل سياسي للأزمة من أجل أطفال سورية ومستقبلهم".