خفض البنك المركزي المصري الأسبوع الماضي سعر الجنيه مقابل الدولار بما يقرب من 15%، فأعلن صندوق أبوظبي السيادي في نفس اليوم شراء حصة الحكومة المصرية في بعض الشركات، جاء على رأسها البنك التجاري الدولي، أكبر بنك خاص في مصر، ويستحوذ وحده على أكثر من 34% من قيمة مؤشر البورصة المصرية.
أثارت الصفقة، التي نقلت نسبة 18% تقريباً من أحد أنجح البنوك المصرية وأكثرها ربحية من ملكية الحكومة المصرية إلى الصندوق التابع لإمارة أبوظبي، شجوناً وأفراحاً بين مختلف المواطنين، فدار حوارٌ عصيب بين الشقيقين زيد وعبيد.
كان زيد حزيناً لانخفاض قيمة الجنيه، وما يعنيه ذلك من تراجع القدرة الشرائية للمواطنين وضياع ثروات بعضهم، فقال له عبيد، محاولاً التخفيف من أحزانه، إن هذا الانخفاض سيزيد من فرص قدوم المستثمرين الأجانب، ويساعد على زيادة الصادرات، بما قد ينتج عنه مستقبلاً ارتفاع قيمة الجنيه مقابل الدولار.
لكن زيدا لم يقتنع بهذا الكلام، فهو يعرف جيداً أن ارتفاع سعر المنتج المصري بالنسبة للمستورد الخارجي لم يكن في أغلب الأحوال السبب في انخفاض حجم الصادرات المصرية.
وعلى الجانب الآخر، فقد سمع رئيس الجمهورية في أكثر من مناسبة ينتقد غياب الاستثمار الأجنبي المباشر، حتى عند تراجع قيمة الجنيه، وسمع أيضاً وزير المالية يتحدث عن قدوم الاستثمارات غير المباشرة في صورة أموال ساخنة، تستثمر في أدوات الدين الحكومية بالعملة المحلية، وتحصل على أعلى فائدة حقيقية في العالم، ثم تفر هاربة مع أول ارتفاع في مخاطر الديون المصرية، سواء كان ناتجاً عن ظهور وباء في كل دول العالم، أو رفع البنك الفيدرالي الأميركي للفائدة على الدولار، أو حتى نشوب حرب على بعد آلاف الأميال، لا ناقة لنا فيها أو جمل، مستفيدةً بتثبيت البنك المركزي لسعر الجنيه مقابل الدولار، رغم اعتبارات عجز الميزان التجاري والحساب الجاري اللذين كانا يفرضان تخفيض قيمة الجنيه المصري خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
قال عبيد لشقيقه وهو يحاوره إن قرار البنك المركزي شجع الاستثمار الأجنبي المباشر على دخول السوق المصرية، وضرب له مثلاً بصفقة شراء الصندوق الإماراتي لحصة الحكومة في البنك التجاري الدولي " مصر"، فقال زيد إن هذا ليس الاستثمار المباشر الذي نرغب فيه، لأننا كنا ننتظر من يفتح مصنعاً جديداً، بغرض التواجد الدائم، ينقل من خلاله التكنولوجيا الحديثة، ويزيد الإنتاج، ويوظف العمالة، فيكون لدينا ما يمكن أن نصَدِّرَه، لوقف اتساع عجز الميزان التجاري والحساب الجاري.
وسكت زيد للحظة، ثم أردف قائلاً، "فإذا اضطرت الحكومة لبيع حصة من البنك للحصول على العملة الأجنبية، فلم لا تعلن طرح الأسهم للبيع للمصريين في الخارج؟ فهؤلاء يمكنهم بسهولة تدبير مبلغ المليار دولار الذي ستحصل عليه الحكومة من صندوق أبوظبي، وربما المليار الأخرى التي يمكنها شراء حصة الحكومة في الشركات الأخرى المباعة للصندوق نفسه ضمن الصفقة". أكد زيد أنه ليحزنه أن يذهب الإماراتيون بكل الشركات الرابحة، ويخاف أن يأكلها الذئب الذي وطد علاقته بالدولة الخليجية في الفترة الأخيرة.
لم يعرض زيد فكرة طرح البنك للبيع للمصريين في الداخل لأنه يعلم أن الحكومة تحتاج الدولارات لتعويض الأموال الساخنة التي هربت خلال الشهور الأخيرة، ويعلم أن طرحه للبيع بالدولار للمواطنين المقيمين في مصر سيتسبب في التكالب على شراء العملة الأجنبية مسبباً أزمة جديدة، فكان المصريون في الخارج هم أفضل جهة يمكن البيع لها في رأيه.
لكن عبيدا دُهش مما يقوله زيد، مشيراً إلى أن أسهم البنك والشركات الأخرى كانت ومازالت متاحة في البورصة المصرية، ويمكن لمن يرغب في شرائها أن يفعل في أي وقت.
لم يدرك عبيد أن زيدا لا يرغب في الشراء للاستثمار وتحقيق الأرباح، وإنما الدافع وراء فكرته كان توفير السيولة المطلوبة بالعملة الأجنبية من خارج البلاد للحكومة، وإعفاءها من بيع المضطر، الذي قد يلجأ لتخفيض السعر للحصول على الأموال في أقرب فرصة، وفي نفس الوقت إبقاء الأصول المصرية في أيدي المصريين، خاصة وأن بلد المشتري تمتلك بالفعل العديد من البنوك العاملة في مصر، ولها حصص مؤثرة في العديد من الشركات التي يتكون منها مؤشر البورصة المصرية.
لم ترق الفكرة لعبيد، فقال إن هذا ليس زمن العواطف، وأن هذه الشعارات كلفتنا ضياع العديد من الفرص خلال العقود السابقة، وأن الوقت الحالي لا يسمح بتلك "الرفاهيات" الفارغة.
لكن زيداً ذكَّر أخاه بأن السنوات الأخيرة شهدت تدفق مليارات الدولارات على البلاد، في صورة قروض من منظمات دولية وبلدان حليفة، كان من أهم نتائج الحصول عليها اضطرار الحكومة لإلغاء الدعم على العديد من السلع والخدمات الأساسية، وتسريح أعداد غير قليلة من الموظفين، وفرض ضرائب ورسوم جديدة على كثير من الأنشطة والخدمات.
هنا تساءل الشقيقان: أين ذهبت تلك المليارات من الدولارات، ولماذا لم تستخدم في تحقيق تنمية حقيقية ترفع مستوى معيشة المواطن الآخذ في الانحدار، أو تحقق له أبسط حقوق الإنسان التي أكد الرئيس المصري عدم توفرها، والمرتبطة بتوفير تعليم جيد وعلاج سليم وتأمينات اجتماعية؟
اعترف الثنائي بحدوث طفرة على مستوى الطرق والكباري (الجسور) وبعض المدن الجديدة، إلا أنهما اتفقا على أولوية الإنسان وحقوقه مقارنة بالبنيان، وعلى أن ضيق ذات اليد من العملة الأجنبية يفرض ترتيب الأولويات بحكمة، وأن هذا لا يحدث إلا بوضع نظام صارم، يتم من خلاله التنسيق بين كافة الجهات المعنية، للحد من الاستيراد وزيادة الصادرات، مع التسليم بأن كل قرار وكل سياسة يمكن أن يكون له ولها ضحايا، لكن الأولوية في الوقت الحالي ينبغي أن تكون لحماية العملة من الانهيار، وهو ما يضع علاج العجز في الحساب الجاري على رأس أولويات المواطن المصري. هنا انصرف الشقيقان وهما يرددان "احذروا الذئب .. احذروا الذئب".