رحب النظام السوري، السبت، بـ"طلب" لبنان تمرير الغاز والطاقة الكهربائية من مصر والأردن عبر الأراضي السورية، وأبدى استعداداً "لتلبيته" للتخفيف من وطأة أزمة طاقة يعاني منها لبنان منذ أشهر، وذلك في أول زيارة لوفد وزاري لبناني رفيع المستوى إلى سورية منذ عشر سنوات، وفق "فرانس برس".
ويأتي هذا الاجتماع في ظل شكاوى واسعة النطاق من تهريب المحروقات المدعومة في لبنان إلى سورية، وبالتزامن مع إعلان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مراراً أن حجم تمويل الوقود المدعوم يفوق حاجات لبنان.
وسبق أن أكد سلامة، الذي يواجه هو الآخر ملاحقات قضائية بتهم فساد، أنه تم دفع حوالي 820 مليون دولار لقاء دعم الوقود في يوليو/ تموز الماضي وحده. ولم يصدر أي نفي رسمي آخر لهذا التصريح، فيما تنشط مافيات التهريب على الحدود المشتركة على أعين المواطنين الذين يواجهون شح الوقود وارتفاع أسعارها في السوق السوداء.
ويشهد لبنان منذ أشهر شحاً في المحروقات، ينعكس على مختلف القطاعات، من مستشفيات وأفران واتصالات ومواد غذائية، وذلك على وقع أزمة اقتصادية تتفاقم منذ عامين، وصنّفها البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850.
والشهر الماضي، أعلنت الرئاسة اللبنانية تبلغها موافقة واشنطن على مساعدة لبنان لاستجرار الطاقة الكهربائية والغاز من مصر والأردن مروراً بسورية فلبنان. ويعني التعهد الأميركي عملياً موافقة واشنطن على استثناء لبنان من العقوبات المفروضة على سورية، والتي تحظر إجراء أي تعاملات مالية أو تجارية معها.
ووصل الوفد اللبناني المؤلف من نائبة رئيس حكومة تصريف الأعمال وزيرة الدفاع والخارجية زينة عكر ووزير المال غازي وزني ووزير الطاقة ريمون غجر والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، صباحاً إلى سورية. وعقد لقاء في مقر الخارجية السورية بحضور وزيري الخارجية والنفط، فيصل المقداد وبسام طعمة.
وخلال مؤتمر صحافي بحضور المجتمعين، قال أمين عام المجلس الأعلى اللبناني-السوري، الذي يضم ممثلين عن البلدين، نصري خوري: "طالب الجانب اللبناني بإمكانية مساعدة سورية للبنان في تمرير الغاز المصري والكهرباء الأردنية عبر الأراضي السورية، ورحب الجانب السوري بالطلب، وأكد استعداد سورية لتلبية ذلك". واتفق الجانبان على متابعة الأمور الفنية عبر فريق فني مشترك.
ويتفاوض لبنان منذ أكثر من سنة مع القاهرة لاستجرار الغاز عبر الأردن وسورية، وفق ما كان مصدر مطلع على الملف أفاد به "فرانس برس"، لكن العقوبات الأميركية على سورية، وآخرها قانون قيصر، شكلت على الدوام عقبة أمام الاتفاق.
ويقضي الاتفاق، وفق المصدر، باستجرار الغاز المصري لتشغيل معامل لإنتاج الكهرباء في لبنان، وبإمداده بالطاقة الكهربائية من الأردن، الذي يستورد أيضاً الغاز المصري لإنتاج الطاقة التي كان يزود بها سورية كذلك في الماضي.
وتُعد هذه الزيارة الحكومية اللبنانية الرسمية الأولى إلى سورية منذ اندلاع النزاع، إذ اتبع لبنان رسمياً مبدأ "النأي بالنفس" عن الحرب، وسط انقسامات كبرى بين القوى السياسية إزاء العلاقة مع النظام السوري، ومن ثمّ مشاركة "حزب الله" في القتال إلى جانب قوات النظام.
وحافظ لبنان على علاقات دبلوماسية مع النظام السوري، لكن الزيارات الرسمية تراجعت إلى حدّ كبير، واقتصرت على مبادرات فردية من وزراء وشخصيات يمثلون أحزاباً حليفة لدمشق، على رأسها "حزب الله".
وخلال عامين، فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90 في المائة من قيمتها أمام الدولار. وقدرت الأمم المتحدة أن 78 في المائة من السكان باتوا يعيشون في الفقر، وفق تقرير "فرانس برس".
وجراء أزمة المحروقات الحادة والفساد الذي نهش في القطاع طوال السنوات الماضية، تراجعت قدرة مؤسسة الكهرباء على توفير التغذية لكافة المناطق، ما أدى إلى رفع ساعات التقنين لتتجاوز 22 ساعة يومياً. ولم تعد المولدات الخاصة قادرة على تأمين المازوت اللازم لتغطية ساعات انقطاع الكهرباء.
ويقف المواطنون يومياً لساعات طويلة أمام المحطات لتعبئة خزانات سياراتهم. وحذرت المستشفيات مراراً من نفاد المحروقات ومخاطره على حياة المرضى.
وتعاني سورية أيضاً من أزمة طاقة حادة. ومنذ سنوات تشهد مناطق سيطرة الحكومة ساعات تقنين طويلة بسبب عدم توفر الفيول والغاز اللازمين لتشغيل محطات التوليد. وتحول العقوبات الاقتصادية دون وصول باخرات النفط بشكل منتظم إليها.
وتفاقمت أزمة الكهرباء في الأشهر الماضية، مع وصول ساعات التقنين إلى نحو عشرين ساعة يومياً، بعدما استنزفت سنوات الحرب قطاعي الطاقة والكهرباء مع خروج أبرز حقول النفط والغاز عن سيطرة النظام السوري من جهة، وتضرّر محطات التوليد في المعارك من جهة أخرى.
وخلال زيارة إلى بيروت لوفد من مجلس الشيوخ الأميركي، قال السيناتور كريس مورفي إن أي وقود يمر عبر سورية قد يكون عرضة للعقوبات، "لذلك، فإننا نعمل على تحديد ما إذا كان بإمكاننا تسهيل النقل (إلى لبنان) من دون تطبيق العقوبات الأميركية". وأضاف: "لا نعتقد أن لبنان يحتاج للاعتماد على ناقلات الوقود الإيرانية من أجل حل الأزمة".
وتبلغ لبنان استعداد واشنطن لمساعدته لاستجرار الغاز المصري، بعد وقت قصير من إعلان الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله أن "سفينة أولى" محملة بمادة المازوت ستتوجه إلى لبنان من إيران، الداعمة الأولى لـ"حزب الله"، والتي تفرض عليها واشنطن عقوبات اقتصادية.
وأعلنت الرئاسة اللبنانية، الشهر الماضي، تبلغها موافقة واشنطن على مساعدة لبنان على استجرار الطاقة الكهربائية والغاز من مصر والأردن مروراً بسورية فلبنان، البلد الغارق منذ نحو عامين في انهيار اقتصادي غير مسبوق شلّ قدرته على استيراد سلع حيوية، على رأسها الوقود.
ووتبلّغ الرئيس اللبناني ميشال عون في 19 أغسطس/آب الماضي من السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا بمتابعة مساعدة لبنان لاستجرار الطاقة الكهربائية من الأردن عبر سورية وذلك عن طريق توفير كميات من الغاز المصري إلى الأردن تمكّنه من إنتاج كميات إضافية من الكهرباء.
وأشارت السفيرة الأميركية في لبنان، عند اتصالها بالرئيس عون، إلى أن "الجانب الأميركي يبذل جهداً كبيراً لإنجاز الإجراءات، وأن المفاوضات جارية مع البنك الدولي لتأمين تمويل ثمن الغاز المصري وإصلاح خطوط نقل الكهرباء وتقويتها والصيانة المطلوبة لأنابيب الغاز".