أعترف دافيد سولومان، الرئيس التنفيذي لبنك غولدمان ساكس، خلال يوم المستثمرين أواخر فبراير/شباط، بسلسلة من العناوين السلبية أمام المساهمين، وهو الأمر الذي لم يتغير حتى الآن رغم مرور خمسة أشهر على الحدث.
لم يكن الربع المنتهي سهلاً على البنوك الأميركية، حيث جاءت بدايته بعد انهيار اثنين منها، بينما كانت البنوك الأخرى قريبة من الانهيار، لولا الدعم الذي قدمته المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع بالتنسيق مع بنك الاحتياط الفيدرالي ووزارة الخزانة. لكن الأمور كانت أكثر تعقيداً لدى بنك "غولدمان ساكس" الشهير.
وفي الوقت الذي يسعى فيه بنك الاستثمار العملاق جاهدًا للاحتفاظ بمكانته صانعاً للصفقات الرائد في العالم، يواجه الاسم الأكثر شهرة في وول ستريت صعوبات جمة، تشمل مجموعة من التحديات، بما في ذلك تخفيض الوظائف، والتراجع في الخدمات المصرفية الاستثمارية العالمية، واستياء الشركاء، والمخاوف بشأن استراتيجيته بصفة عامة.
وقال توني فراتو، المتحدث باسم غولدمان ساكس، لـ"ياهو فاينانس"، إنه "حتى الأنشطة الجانبية لسولومان، بصفته منسق موسيقى في الحفلات، أو ملكيته الجزئية لشركة عقارات، لم تفلت من الملاحظات، ولكن يظل سولومان وفريق القيادة ملتزمين بخدمة العملاء وتنفيذ استراتيجية البنك".
وفي محاولة لتخفيف التوتر، أكد فراتو أيضًا أن ممارسة سولومان نشاطَ الـ"دي جي" تقتصر على عدد قليل من الفعاليات في السنة، وأنه لم يقدم أي عروض منذ أكثر من عام.
وأعلن عدد كبير من المؤسسات المالية المقدمة لخدمات بنوك الاستثمار والبنوك التجارية عن تخفيضات في الوظائف لما يقرب من 12 ألف وظيفة منذ نهاية عام 2022، وتراجُع إبرام الصفقات في ظل معدلات الفائدة المرتفعة، وتزايد المخاوف الاقتصادية، سواء المتعلقة باستمرار التضخم المرتفع أو بتوقعات دخول الاقتصاد في ركود، بالإضافة إلى أزمة إخفاق العديد من البنوك الإقليمية الكبيرة، واقتراب بعضها من الانهيار.
ومن بين الشركات التي قامت بتخفيض الوظائف بنوك مورغان ستانلي وسيتي غروب وجي بي مورغان تشيس.
وانتشرت، خلال الأسابيع الأخيرة، أخبار تخطيط بنك "يو بي إس" السويسري لإلغاء 35 ألف وظيفة من فريق منافسه السابق "كريدي سويس"، الذي استحوذ عليه مارس/آذار الماضي بأوامر حكومية.
وتوضح قرارات تخفيض الوظائف في تلك المؤسسات عدم انتهاء أزمة المصارف، رغم مرور أكثر من ثلاثة أشهر على انهيار بنك "سيليكون فالي"، الذي اعتبر وقتها شرارة اندلاع الأزمة.
وتوقع العديد من محللي وول ستريت ظهور تبعات تلك الأزمة عند الإعلان عن نتائج أعمال المؤسسات المالية للربع الثاني من العام، والمتوقع ظهورها خلال أسابيع قليلة.وتُظهر البيانات الواردة من رفينيتيف (مزود البيانات الشهير) تراجع الإيرادات الإجمالية الناتجة عن عمليات الدمج والاستحواذ خلال النصف الأول من عام 2023 بنسبة 38% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، وهو أسوأ معدل تراجع لإتمام الصفقات في أول نصف من العام، منذ عام 2020.
ويأتي ذلك بعد أن سجلت البنوك الكبرى، خلال الربع الأول، انخفاضًا كبيرًا في إيرادات الرسوم المتعلقة بخدمات الاستشارات لعمليات الاندماج أو عمليات الطرح الأولي. وكان بنك غولدمان ساكس الأكثر تضررًا، حيث انخفضت إيراداته بنسبة 26%.
وتأكد هذا التراجع في الإيرادات الأسبوع الماضي، حيث أعلنت مجموعة "جيفريز المالية" الاستثمارية عن انخفاض إيراداتها من الخدمات المصرفية الاستثمارية خلال الربع الثاني من السنة المالية بنسبة 26%.
ومع ذلك، كان هناك جانب إيجابي في شكل زيادة بنسبة 30% في صافي الإيرادات من أسواق رأس المال، بلغ مجموعها 543 مليون دولار، مع الارتفاعات القياسية في مؤشرات الأسهم الأميركية الرئيسية خلال الربع المنتهي.
وحذر العديد من البنوك الكبرى من تراجع عائدات المتاجرة في الأسهم والسندات في الربع المنتهي، ومن بينها بنك غولدمان ساكس، الذي قال مدير عملياته جون والدرون إنها "قد تنخفض بنسبة 25%".
ويقاتل غولدمان ساكس هذا العام للاحتفاظ بلقبه كأكبر صانع صفقات في العالم، متفوقاً على منافسه الأقرب بنك "جي بي مورغان" حتى 30 يونيو/حزيران، بحصة سوقية لا تزيد عن 1%.
وجاءت الطفرة الأخيرة في الإيرادات المرتبطة بعمليات الاندماج والاستحواذ عام 2021، عندما اعتمد الرؤساء التنفيذيون على ارتفاعات الأسواق كمبرر لشراء شركات أخرى، أو طرح أسهم عامة، أو اقتراض ديون جديدة.
وخلال تلك الفترة، تفوق أداء غولدمان ساكس بشكل كبير على المؤسسات المنافسة، وسجل أفضل عام من الإيرادات في تاريخه الممتد لأكثر من قرن ونصف.
وفي عام 2022، شهدت مؤشرات الأسهم الرئيسية الثلاثة أكبر انخفاض لها منذ عام 2008، وشهدت السندات أسوأ عام لها على الإطلاق، وبلغ التضخم أعلى مستوى له في أربعة عقود، ما أدى إلى سلسلة من الزيادات الحادة في أسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياط الفيدرالي، بلغ اجماليها حتى الآن 5%.
وأدت حالة عدم اليقين الاقتصادي هذه إلى تراجع تفاؤل العملاء بمستقبل المؤسسات التي تشكل شريان الحياة للخدمات المصرفية الاستثمارية في وول ستريت.
وخفض بنك غولدمان ساكس المكافآت وألغى وظائف نتيجة لذلك، على الرغم من تسجيله ثاني أعلى إيرادات سنوية على الإطلاق في ذلك العام.
وانخفضت أرباح غولدمان ساكس بنسبة 69% في الربع الأخير من عام 2022، وسط انخفاض حاد في إبرام الصفقات. وفي يناير 2023، قام البنك بتسريح ما يقرب من 3000 موظف، أو ما يعادل 6% من القوى العاملة لديه.
وخلال الربع الأول من العام الحالي، وجد بنك غولدمان ساكس نفسه في موقف آخر مثير للجدل، عندما حاول إنقاذ بنك سيلكون فالي في زيادة رأس المال، بينما كان يشتري بعض أوراقه المالية.
وقال المتحدث باسم "غولدمان ساكس" لبنك "سيلكون فالي" كتابةً، وقتها، إنه لن يعمل مستشاراً في بيع الأوراق المالية، وأوصى البنك بتوظيف مستشار مالي آخر للصفقة.
وتناقلت وسائل الإعلام الأميركية أخباراً تؤكد أن المسؤولين الفيدراليين يحققون الآن في الدور الذي لعبه بنك غولدمان ساكس في الأيام الأخيرة التي سبقت انهيار بنك "سيليكون فالي".
ولا تزال المخاوف تحوم حول مؤسسات وول ستريت، لكن محلل الأسهم ديفين رايان توقع عودة الأمور إلى طبيعتها "بمجرد تعافي الأسواق واستئناف عمليات إبرام الصفقات لدى البنك".
وقال مايك مايو، المحلل المصرفي في بنك "يلز فارغو"، إن "الفوز يعالج كل شيء، وإذا استأنفت أسواق رأس المال عملها، فسترتفع الرواتب، وسيكون الموظفون أكثر سعادة".