(مساء) رمضان مصر: الأسعار تضغط على الأسر بتضخم قياسي يفوق الأرقام الرسمية
سجل التضخم مستويات قياسية جديدة، حيث قفز من 31.9%، في فبراير/شباط إلى 32.7% في مارس/آذار 2023، على أساس سنوي، في اتجاه تصاعدي نحو أعلى معدل بلغه على الإطلاق عند 32.95% المسجل في يوليو/تموز 2017. لكن تبقى الأسعار في رمضان أثقل الأعباء على الأسر.
وأعلن جهاز التعبئة العامة والإحصاء بيانات التضخم لشهر مارس، وسط توقعات خبراء، بقفزة جديدة، تفوق المعدل التاريخي، مدفوعاً بالتدهور في قيمة الجنيه المصري، وشح الدولار، وتراكم الواردات من السلع الأساسية ومستلزمات الإنتاج في الموانئ. (الدولار= 30.85 جنيهاً).
ترتفع أسعار السلع الأساسية في اتجاه معاكس لحالة الأسواق الدولية التي تشهد انخفاضاً، أعادها إلى مستويات ما قبل الحرب الروسية في أوكرانيا، وتراجع الطلب العالمي، مع مؤشرات توجه اقتصاد الدول الكبرى نحو الركود.
دفعت معركة المواطنين مع التضخم والغلاء الفاحش منذ عام إلى بحث دائم عن العروض التي تسوقها المحلات والمراكز التجارية الكبرى، لجذب العملاء وخاصة المشاركة في برامج الحكومة لخفض الأسعار.
تحمل السيدة هالة فايز مطوية لعروض سلع رمضانية توزع على مدخل سلسلة أسواق تجارية شهيرة في العاصمة والأقاليم. تدرك " فايز" ندرة التخفيضات من قلة أوراق المطوية، التي كانت كتيبا يتخطى 40 صفحة كبيرة الحجم.
تعلمت مهندسة الكمبيوتر في شركة اتصالات، عقد المقارنات بين قوائم أسعار المشتريات التي تفحصها في شركتها الخاصة، وبخبرة سيدة المنزل، تركز على طلبات " سفرة رمضان" من السلع الأساسية، للإفطار والسحور.
جولة بسيطة في السوق، تدرك أن معدلات التضخم التي طاولت السلع خلال عام، أعلى من الأرقام الرسمية بمراحل، وأكثر مما توقعه المتشائمون. بين رمضانين، تبين القائمتان ارتفاع أسعار نفس المعروضات والكميات وشركات الإنتاج المحلية، بمعدلات تتراوح ما بين 100% و150%، تقفز إلى 200%، للمستوردة أو التي تعتمد على مستلزمات استيراد.
تبين العروض أن سعر الجبن الرومي إكسترا ارتفع من 97 إلى 230 جنيها الكيلو، والجبن الأبيض من 50 إلى 130 جنيها والشيدر من 160 إلى 430، واللانشون الرومي من 154 إلى 240، ولانشون الدجاج من 86 إلى 290، واللانشون البقري من 29 جنيها وزن 250 غراما إلى 55 جنيها، والحليب وزن 850 غراما من 17 إلى 32، والحليب السائب من 14 إلى 25 جنيها للكيلو، ورغيف الخبز الصغير من جنيه واحد إلى جنيهين والكبير من 5 إلى 12 جنيها، والحلاوة من 32 إلى 64 للعبوة 575 غراما، والعصائر والمشروبات الباردة، حجم صغير من 4 إلى 7 جنيهات.
تبدل سعر التخفيضات لعلبة الزبادي وزن 170 غراما من 5 جنيهات إلى 7.5، والزيتون من 91 إلى 115، والبيض من 45 جنيها للطبق إلى 120، بعد نزوله من 135 جنيها الشهر الماضي، ولحم الضأن من 160 إلى 280، والسن البقري من 150 إلى 270، والكندوز من 160 إلى 280، والدجاج الطازج من 40 إلى 100، والفيليه من 90 إلى 190، وشيش طاووق من 95 إلى 190.
قفزت تخفيضات الأسماك الشعبية من 30 إلى 80 جنيها للبلطي، و120 إلى 250 لشرائح الفيليه، والزيت من 20 إلى 58 للعبوة وزن 800 غرام، والأرز للعبوة المغلفة وزن كيلو جرام من 15 إلى 32 والسائب من 14 إلى 27 جنيها، وفول التدميس من 15 إلى 35 جنيه، وعلبه الفول الجاهزة وزن 400 جرام من 10 إلى 27، والعدس من 30 إلى 65 جنيها.
تأثرت أسعار الفاكهة والخضر بمعدلات متفاوتة، حيث زاد البصل الأكثر تقلبا من 5 إلى 17 جنيها، والثوم من 7 جنيهات إلى 20 جنيها، والطماطم من 5 على 10، والفلفل البلدي من 10 إلى 25 والملوخية من 10 إلى 25 والموز من 10 إلى 23 والمستورد من 24 إلى 65 والتفاح من 26 إلى 45.
تضاعفت أسعار المنظفات والورق الصحي وانخفضت الأحجام بنحو 20%، صحب ذلك زيادة في أدوات سفرة المائدة، حيث زاد طقم من 6 أكواب زجاجية لماء الشرب من 64 إلى 82 جنيه، وغلاية المشروبات الساخنة، من 399 إلى 795، و2 قلاية للطعام من 150 إلى 419 جنيها.
تدرك هالة فايز وأخواتها في الوطن أنه لم يعد لديها خيارات مفتوحة في شراء ما تريده لأسرتها، التي اعتادت إقامة موائد رمضانية واسعة، للاحتفاء بالأهل والأصدقاء.
وهي تنشط على وسائل التواصل الاجتماعي لدعوة السيدات، على السير وفقا لميزانية الأسرة الشهرية، وتقليص الكميات مع تراجع قيمة الدخل، ونشر أسعار العروض التي تمكن العائلات من الحصول على تخفيضات، وما يدهشها صدور تقارير دولية منذ 3 أيام، عن منظمة الأغذية والزراعة " الفاو" تؤكد انخفاض أسعار السلع التي تؤرق الأسر المصرية، عالميا منذ رمضان الماضي.
سجل مؤشر "الفاو" تراجعا في أسعار الحبوب والزيوت النباتية في شهر مارس الماضي بنسبة 2.1%، عن سابقه فبراير، وبنسبة 20.5% عن مستوى الذروة لشهر مارس/آذار 2022، التي حدثت بعد اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا.
وسجل المؤشر ارتفاعا طفيفا في أسعار اللحوم بلغ 0.9 نقطة، لشهر مارس، مع تراجع 5.3% عن مارس 2022، وانخفاضا بأسعار الدواجن، للشهر التاسع على الرغم من إعدام نحو 100 مليون دجاجة في الولايات المتحدة وإنكلترا مع انتشار انفلونزا الطيور.
تؤكد "فاو" أن أسعار السلع الأساسية تراجعت عن معدلاتها قبل الحرب، وأقل لأغلب السلع، بينما ما زالت الحكومة تتخذ من الحرب أداة لإقناع المواطنين بأن العالم في أزمة.
نشاط" فايز" وأخواتها على وسائل التواصل الاجتماعي دفع الإعلام الموجه أمنيا إلى الاعتراف بوجود أزمة تضخم تحاصر كل طبقات المجتمع.
واعترفت مستشارة محافظ البنك المركزي للمسؤولية الاجتماعية لميس نجم في أحد برامج "التوك شو" بأنها لم تشتر أية أطعمة أو مشروبات وحلويات خاصة بشهر رمضان، رافعة شعار "الجود من الموجود" والصرف على قدر الاستطاعة، والمتوفر في المنزل من سلع أساسية.
يبحث المواطنون عن مخرج، من حالة تضخم تزلزل حياة الأسر وتدفع الشركات إلى ركود مستمر منذ 28 شهرا.
وفقا لمؤشر مديري الشركات التي تصدره "ستاندرد أند بورز غلوبال"، وعدة مؤسسات مالية، يأتي التضخم على رأس الأسباب التي تدفع الشركات إلى تخفيض أعمالها، ورفع الأسعار على المستهلكين وخفض الوظائف. بدأت موجات التضخم منذ 2016، لتصل إلى أعلى مستوى يوليو/تموز 2017، مدفوعة بتعويم الجنيه، الذي فقد 60% من قيمته في حينه.
مع تعدد برامج الخفض للعملة، منذ مارس 2022، فقد الجنيه أكثر من 40% من قيمته رسميا، بينما يصل إلى 109%، وفقا لتقديرات خبراء، تجدها السيدات الناشطات على وسائل التواصل الاجتماعي أقل من الواقع بمراحل، مستشهدين بقوائم العروض التي يحملنها بين طياتهن في جولاتهم للتسوق.
تؤكد أستاذة الاقتصاد في جامعة عين شمس، الدكتورة يمن الحماقي، لـ"العربي الجديد" أن التضخم سيظل موجودا ما دمنا ندور في نفس الحلقة المفرغة، مع توجه الحكومة إلى خفض الجنيه والتشدد النقدي، لحل أزمة اقتصادية، ظهرت بشدة منذ عام، مع عدم حل المسبب الرئيسي لها، الذي يتطلب إعادة هيكلة الاقتصاد ليتحول إلى اقتصاد منتج للسلع ويرفع التصدير مقابل خفض الواردات.
تلجأ الحكومة إلى الاستدانة لزيادة الحد الأدنى للأجور، بنسبة 15%، سيتمتع بها العاملون في الحكومة والقطاع العام والجيش والشرطة والقضاء، بينما الأغلبية العاملة في القطاع الخاص، لن تستطيع تنفيذه، في ظل أجواء خانقة لرجال الأعمال والشركات، تدفع بعضهم لتصفية أعماله للانتقال إلى الخارج، أو تخفيض النفقات، على حساب حقوق العمال والجودة والأسعار.
يؤكد مستثمرون أن التضخم لم يعد مستوردا من الخارج، إلا في حدود ضيقة لأن سببه الرئيسي تراجع الجنيه، مع تراكم البضائع في الموانئ، لعدم قدرة الحكومة على توفير الدولار للموردين، إضافة إلى البيروقراطية شديدة التعقيد التي يصاحبها كثير من الفساد الفاحش.
يخشى رجال الأعمال المساس بأثر زيادة الدين الحكومي على رفع معدلات التضخم، خوفا من تأثرهم بضغوط سياسية، هم في غنى عنها، لا يذكرها إلا الباحثين، ومؤسسات التمويل الدولية التي تطالب الحكومة إلى معالجة انخفاض قيمة العملة وارتفع التضخم عبر بيع الأصول العامة قادرة على جذب الاستثمار الأجنبي المباشر، وتوفير العملة الصعبة، في ارتفاع الدين الخارجي إلى مستوى قياسي بلغه في ديسمبر/كانون الأول 2022، عند 162.9 مليار دولار، مع ضغوط هائلة للدين المحلي، تحول دون قدرة الحكومة على دعم السلع الأساسية للمواطنين.
تلقت الحكومة تحذيرات من جهات دولية عديدة، على رأسها صندوق النقد والبنك الدوليان، تتوقع حدوث اضطرابات اجتماعية، في ظل استمرار موجات الغلاء ونقص السلع الأساسية وانهيار الطبقة الوسطي التي تنجرف نحو الفقر، بما يرفع معدل الفقراء ليشكلوا نحو 60% من المصريين.
وتتهم الحكومة التجار بتحويل الظروف التضخمية لصالحها وتحقيق أرباح طائلة، وتقف أجهزة حماية المستهلك عاجزة عن مواجهة خروج الأسعار عن السيطرة، يعترف تجار بأنهم يلجؤون لذلك، بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج والتشغيل وتدهور الجنيه مقابل الدولار، الذي أصبح يوازي 35 جنيها بزيادة نحو 19 جنيها، عن قيمته الفعلية منذ رمضان الماضي.
تشهد الأسواق ندرة في العرض، تدفع التجار إلى التحكم في الأسعار ورفعها في اقتصاد يعيش لحالة أقرب منها إلى حالة الحرب، أطرافها في ساحات البيوت، منافذ التوزيع والأسواق حيث عروض الفرص، بينما تعاني السلع غير الضرورية من الركود.