خلال أزمة قناة السويس طرحت عدة دول، منها روسيا وإيران وإسرائيل، ممرات بديلة للقناة قالت إنها تجنّب الملاحة الدولية أزمات تعطّل القناة المصرية، وتختصر زمن وتكاليف الشحن الدولي بنسب كبيرة.
من بين هذه الممرات مسار بحر الشمال التابع لروسيا، أو ما يطلق عليه مسار القطب الشمالي، ومشروع خطوط أنابيب الطاقة الروسية، وممر "شمال-جنوب"، وهو ممر يبدأ من الهند لأوروبا ومنطقة الأوراسي مرورا بعدة دول منها روسيا وإيران، وكذا أنبوب النفط الإسرائيلي الذي يبدأ من إيلات على البحر الأحمر وحتى عسقلان على البحر المتوسط، وتخطط دولة الاحتلال لتنفيذه بهدف نقل النفط الخليجي لأوروبا، وكذا خط سكك حديد إيلات تل أبيب، وكذا قناة البحر الميت لربط البحر الأحمر بالبحر الميت، وهناك طريق الحرير الصيني البري والبحري وقطار نقل المنتجات الصينية لأوروبا، وهو المشروع المنافس القوي لقناة السويس.
وعلى الرغم من استئناف حركة الملاحة عبر قناة السويس، بعد انقطاع دام نحو أسبوع على إثر جنوح سفينة "إيفر غيفن" وعدم تضرر الشركات الروسية من الواقعة بشكل كبير، إلا أن الحادثة شكلت حافزا جديدا للنقاشات الجارية في روسيا حول زيادة حركة نقل الشحن عبر الممر البحري الشمالي البديل، والذي يربط روسيا ببلدان جنوب شرق آسيا واليابان والصين وغيرها من الدول.
ومع ذلك، ثمة عقبات أمام زيادة اعتماد روسيا على الممر البحري الشمالي، في ظل ارتفاع كلفة الملاحة بالخطوط العرضية الشمالية، نظرا لضرورة الاستعانة بمرافقة كاسحات الجليد خلال الجزء الأكبر من العام، وسط توقعات بألا تشكل الظروف الجوية القاسية عقبة أمام الملاحة في تلك المنطقة، مع تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري في العقود المقبلة.
وقالت وزارة الطاقة الروسية يوم الاثنين 29 مارس إن سفينة الحاويات العالقة التي تسد قناة السويس تسلط الضوء على مدى الأمان والاستدامة لمسار بحر الشمال التابع لها وخطوط أنابيب الطاقة الروسية. كما قالت الوزارة إن هذه "شديدة الأمان، ولها مراكز تنافسية من حيث تكاليف النقل وكذلك الاعتمادية مقارنة مع المسارات البديلة".
ووفق بيان صادر عن الوزارة الاثنين، فإن زيادة حجم التجارة العالمية بموارد الطاقة، بما فيها الغاز الطبيعي المسال، جعلت ظهور مسارات قصيرة إضافية "مسألة وقت"، ومشيرة إلى أن الممر البحري الشمالي يتيح تقليص الفترة الزمنية لنقل الشحن بين آسيا وأوروبا.
وقبلها مباشرة قال مسؤول روسي رفيع، إن تعطل الملاحة في قناة السويس يبرز أهمية تطوير الممر البحري عبر القطب الشمالي الذي بات يمكن استخدامه في شكل متزايد بسبب التغير المناخي.
واستثمرت روسيا بكثافة في تطوير الممر البحري الشمالي الذي يسمح للسفن بالوصول إلى الموانئ الآسيوية بمدة أقل بـ15 يوماً، مقارنة بالطريق التقليدي عبر قناة السويس. وتخطط موسكو لاستخدام الممر لتصدير النفط والغاز إلى الأسواق الخارجية، خاصة وأن معظمه بات خاليا من الجليد إلى حد كبير.
وحسب وكالة نوفوستي، قال نائب رئيس الوزراء الروسي، يوري تروتنيف الأربعاء، إن "ممر الملاحة الشمالي مشروع ضخم، وهو مشروع لإنشاء ممر نقل دولي جديد، وقد تم التأكيد على أهميته مرة أخرى عند تعطل حركة الشحن عبر قناة السويس، أعتقد أن العالم بأسره يشعر بأنه من الجيد الحصول على خيار احتياطي، والخيار الوحيد هو ممر الملاحة الشمالي".
وأضاف أنه تم الطلب من شركة "روسآتوم"، التي تمتلك إحدى شركاتها كاسحات جليد، بوضع جدول منتظم للشحن على طريق الممر، في خطوة تهدف لجذب المزيد من شركات الشحن.
وممر الملاحة الشمالي يمتد عبر منطقة القطب الشمالي، ويربط بين المحيطين الأطلسي والهادئ عبر المتجمد الشمالي. وتخطط موسكو لاستخدام الممر لتصدير النفط والغاز إلى الأسواق الخارجية، خاصة وأن معظمه بات خاليا من الجليد إلى حد كبير.
ومن المتوقع أن يصبح ممر الملاحة الشمالي طريقا تجاريا رئيسيا للبضائع المشحونة بين أوروبا وآسيا في المستقبل. وفي هذا الإطار، يتوقع الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية، إيفان بوتشاروف، أن يكون الدافع الذي تشكله واقعة تعطل الملاحة بقناة السويس لتطوير الممرات البديلة محدودا، في ظل التكاليف التشغيلية المرتفعة للملاحة بالمناطق الشمالية.
ويقول بوتشاروف في حديث لـ"العربي الجديد": "لن يشكل تعطل الملاحة بقناة السويس إلا دافعا بسيطا لتطوير ممرات نقل بديلة، نظرا لعودة الحركة بقناة السويس إلى طبيعتها قريبا. لكن هذا الحافز لن يكون للممر البحري الشمالي وحده، وإنما أيضا لمشاريع أخرى مثل مشروع "حزام واحد، طريق واحد" الصيني.
من المؤكد أن تطوير الممر البحري الشمالي سيستمر، لكن الوضع في قناة السويس لن يكون له تأثير كبير على ذلك. صحيح أن الصين وغيرها من بلدان شرق آسيا قد تلجأ إليه لنقل البضائع إلى أوروبا، ولكن دول الخليج ستظل تعتمد على قناة السويس في نقل النفط إلى أوروبا".
وحول تأثير واقعة قناة السويس على الشركات الروسية، يضيف: "ألحق جنوح "إيفر غيفن" بقناة السويس خسائر كبيرة بالعديد من الشركات، والشركات الروسية ليست استثناء في ظل بقاء أكثر من 2.5 مليون برميل من النفط الروسي عالقة نتيجة للواقعة، مما ينذر بالإخلال بمواعيد التسليم.
إلا أن قناة السويس ليست مسارا رئيسيا لروسيا التي تعتمد على توريد النفط للصين وبعض البلدان الأوروبية عبر مسارات أخرى. في المقابل، تكبدت دول الخليج خسائر أكبر كثيرا مقارنة مع روسيا".
من جهتها، رجحت صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" أن تشكل أزمة قناة السويس دافعا لتطوير الممر البحري الشمالي الذي قد يصبح طريقا جديدا من الموانئ الأوروبية إلى مثيلاتها في المحيط الهادئ.
وفي تقرير بعنوان "تعطل قناة السويس يثير اهتماما بمسارات نقل جديدة في منطقة القطب الشمالي" نشر في عددها الصادر الثلاثاء، أشارت الصحيفة إلى أنه يتم نقل نحو مليار طن من الشحن عبر قناة السويس سنويا، مما يشكل 10 – 12% من الحركة العالمية، ويحقق للاقتصاد المصري أرباحا سنوية تبلغ 5 - 6 مليارات دولار.
في المقابل، بلغ حجم نقل الشحن عبر الممر البحري الشمالي 24.5 مليون طن فقط خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي.
ومن العوائق أمام تطوير مشروع الممر البحري الشمالي، ذكرت "نيزافيسيمايا غازيتا" احتدام المنافسة والعامل العسكري، وتطوير المسارات الشمالية البديلة مثل الممر الشمالي الغربي الكندي، وطريق البحر العابر للقطب الذي تنظر فيه الولايات المتحدة وشركاؤها الأوروبيون.
وخلصت الصحيفة إلى أن أزمة تكدس السفن في قناة السويس قد أثرت على توازن القوى العالمية، وكأنها مفعول "رفرفة جناحي الفراشة"، على حد تعبير كاتب المقال.
وفي حديث سابق لـ"العربي الجديد"، توقع نائب رئيس اتحاد تنسيق استخدام الممر البحري الشمالي، فلاديمير خارلوف، أن السفن التجارية لن تعود تحتاج إلى مرافقة كاسحات الجليد بالمناطق الشمالية بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري بحلول منتصف القرن، مما سيترجم إلى انخفاض تكلفة الملاحة.
وأقر خارلوف بأن حركة الملاحة عبر الممر البحري الشمالي لا مجال في الوقت الحالي لمقارنتها بالشرايين التجارية العالمية مثل قناة السويس، ولكنه يمكن الاستفادة من تجربة قناة السويس في استخدام النظم الملاحية وتقاليدها العريقة في مجال الملاحة البحرية.