دأبت الحكومة المصرية في السنوات الأخيرة على معالجة ملف الديون الخارجية من باب "تلبيس الطواقي"، أي سداد الدين بالدين، وأحياناً من باب "من دقنه وافتله".
فعندما كان يحل موعد سداد دين خارجي مستحق لدولة أو مؤسسة مالية أو حائزي سندات كانت الحكومة تسارع بالحصول على قروض جديدة لسداد القرض المستحق، وأحياناً ما كانت تقترض أكثر من المبلغ المستحق حتى تسدد أصل الدين والفوائد والأعباء المستحقة.
حدث ذلك طوال سنوات خاصة مع الديون قصيرة ومتوسطة الأجل المستحقة لأصحاب السندات الدولية والبالغة مدتها ما بين عام وثلاثة أعوام، وكان عادة ما يتم اقتراضها في شهري فبراير/شباط ومايو/أيار من كل عام.
أما بالنسبة لديون دول الخليج المستحقة على مصر والبالغة قيمتها الإجمالية أكثر من 40 مليار دولار منها نحو 28 مليار دولار في صورة "ودائع وقروض مساندة" فقد تم التعامل معها بأسلوب مختلف وهو تأجيل سداد الوديعة المستحقة تحت باب مد آجال السداد.
أحدث مثال على ذلك ما فعلته السعودية هذا الأسبوع حيث قررت المملكة مد فترة سداد وديعة مالية مستحقة لها لدى البنك المركزي المصري بقيمة 5 مليارات دولار.
تكرر السيناريو مع الإمارات والكويت اللتين أجلتا هذه الأيام سداد ديون مستحقة بقيمة 2.7 مليار دولار مودعة لدى البنك المركزي في صورة ودائع، وهو ما يعني تمديد ثلاث دول خليجية آجال ودائع مستحقة بقيمة 7.7 مليارات دولار، وهناك من يرفع رقم الودائع المؤجل سدادها إلى 9 مليارات دولار تتوزع ما بين 5 مليارات للسعودية ومليارين للإمارات ومليارين للكويت.
ليست هذه هي المرة الأولى التي يتم الاتفاق بين مصر ودول الخليج على تأجيل سداد ديون مستحقة، ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2021 أودعت السعودية 3 مليارات دولار لدى البنك المركزي المصري، مع تمديد ودائع سابقة بمبلغ 2.3 مليار دولار.
ديون دول الخليج المستحقة على مصر تتخطى قيمتها الإجمالية 40 مليار دولار منها نحو 28 ملياراً في صورة ودائع وقروض مساندة
وفي مايو 2018 جددت الكويت الوديعة المستحقة عليها والبالغة قيمتها 4 مليارات دولار، وتكرر الأمر مع ودائع سعودية وإماراتية أخرى، فقد جددت الإمارات وديعة بمليار دولار لدي البنك المركزي المصري لمدة خمس سنوات ليتم سدادها في يوليو/تموز 2026 بدلا من يوليو الماضي.
وأجرت الحكومة بداية عام 2017 مفاوضات مع الجانب الليبي، لتأجيل سداد الوديعة الليبية لدى البنك المركزي المصري البالغة قيمتها ملياري دولار.
بالطبع فإن خطوة مد أجل سداد الودائع الخليجية هذه الأيام ستخفف الضغط على احتياطي مصر من النقد الأجنبي، لأن سدادها كان يعني اقتطاع 7.7 مليارات دولار من الاحتياطي، وهو ما يخفض قيمته لحاجز 25 مليار دولار. ويمكن أن تخفف الخطوة الضغط ولو مؤقتا على سوق الصرف المحلي والجنيه المصري.
لكن على المدى البعيد فإن هذه الودائع قد تشكل ضغطا كبيرا على احتياطي البلاد والموازنة المصرية، خاصة إذا ما قررت دول الخليج الأربع، السعودية، قطر، الكويت، الإمارات، المطالبة بسدادها في موعدها وعدم مد أجل السداد.
أما بالنسبة للديون الأخرى المستحقة لأصحاب السندات الدولية فمن الصعب أن تلجأ الحكومة لأسلوب "تلبيس الطواقي" في سدادها، في ظل صعوبة الاقتراض حاليا من الأسواق الدولية عل خلفية قفزات أسعار الفائدة على الدولار، وهروب الأموال الساخنة من الأسواق الناشئة نحو السوق الأميركية للاستفادة من الأمان والعائد المميز على الودائع والسندات، وبالتالي من المتوقع أن يتم سداد هذا النوع من الديون من مصادر ذاتية هي الاحتياطي الأجنبي، في ظل صعوبة الحصول على قروض جديدة لسداد تلك الأموال.
ملف الدين الخارجي يحتاج إلى علاج حاسم بعدما تجاوز 160 مليار دولار وزاد بأكثر من 110 مليارات خلال سنوات قليلة
وبغض النظر عن الأسلوب المتبع في التعامل مع الديون المستحقة فإن ملف الدين الخارجي لمصر يحتاج إلى علاج حاسم بعد أن تجاوزت قيمته 160 مليار دولار وزاد بأكثر من 110 مليارات دولار في غضون سنوات قليلة.
والبداية لا تكون باللهاث وراء الأموال الساخنة وبيع أصول الدولة كما حدث ويحدث هذه الأيام، أو تأجيل سداد الديون المستحقة، بل الأمر يتطلب وعلى الفور وضع خطة تحد من الاقتراض الخارجي وتزيد موارد النقد الأجنبي بحيث يكون لدى الدولة القدرة على سداد الأقساط وأعباء الديون في مواعيدها ومن موارد ذاتية دون التورط في قصة تأجيل السداد لخطورتها الشديدة على الاقتصاد المصري في المديين المتوسط والبعيد، خاصة وأنها تعطي انطباعا بضعف القدرة على سداد الالتزامات الخارجية.