يشكو التجار السودانيون من استمرار تراجع صادرات البلاد غير النفطية نتيجة للسياسات المالية والنقدية، إلى جانب الرسوم المفروضة على عمليات التصدير وعدم دعم العاملين في القطاع وتأهيلهم، وسط تراجع الإنتاج المحلي خلال السنوات الماضية. وسجل العجز في الميزان التجاري أعلى ارتفاع له خلال الربع الثالث من العام المالي الحالي، حيث بلغ أكثر من 3.5 مليارات دولار، وفقاً لبنك السودان المركزي.
وسجلت الواردات خلال الفترة من يناير/ كانون الثاني وحتى سبتمبر/ أيلول الماضي 7.1 مليارات دولار، وهو أعلى رقم تسجله الواردات في هذا العام، بحسب ما ذكره الموجز الإحصائي لتجارة السودان الخارجية. كما تدنت الصادرات إلى أدنى مستوى لها ببلوغها حوالي 3.6 مليارات دولار.
وفقا للبيانات وقياسات الأداء التي قام بها مختصون، تبين أن صادرات السودان لا تتجاوز من حيث العدد المائة سلعة وهي على قلتها مجرد سلع خام لم تستطع البلاد تطويرها صناعيا وتحويليا، وأن المتحرك منها للتصدير لا يتجاوز 10 في المائة والمتبقي مجرد سلع ساكنة أو ضعيفة العائد.
وانتقد مصدرون سياسات الدولة التي تعلن عن دعم الصادرات من دون الالتزام بالوعود، وسط ارتفاع كلفة الإنتاج التي تحد من منافسة السلع خارجيا، إلى جانب عدم العمل على تطوير نوعية السلع التي لا تتوافق مع المعايير الخارجية.
تصدير الخامات
وقال التاجر والمصدر لمحصول السمسم إسحق إبراهيم لـ"العربي الجديد"، إن السودان كان يصدر الفائض عن استهلاكه المحلي خاما ما جعل الكثير من الدول تستفيد من تلك الميزة، إلا أن البلاد تعودت على تصدير السلع الخام رغم الإنتاج المتذبذب.
ورأى عبد الكريم الزين، وهو أستاذ في عدد من كليات الزراعة، أن كلفة الإنتاج ترتبط بالمساحة، وسأل: "إذا كان الإنتاج الزراعي في المناطق المروية مثلا في حدود 15 جوالاً للفدان، فهل يمكن أن ينافس الإنتاج الزراعي في كندا أو أميركا التي يتجاوز إنتاجها 50 جوالا للفدان؟"، ولفت في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن الإنتاج لا يزال تقليدياً وكلفته ليست مرتفعة، ولكن تداول السلعة من وسيط إلى وسيط يساهم في ارتفاع الأسعار.
واعتبر عثمان إبراهيم، وهو أحد منتجي الماشية، أن الجوانب الأخرى المتعلقة بالإنتاج ترتبط بطبيعة المنتجين أنفسهم، "فالتمعن في نوعية الإنتاج خلال السنوات السابقة يظهر أنه على مستوى الزراعة يتم التركيز في موسم معين على محصول واحد بناء على أسعار الموسم السابق له، بالتالي يتم إهمال إنتاج بعض السلع المرغوبة لدى السوق العالمي".
وأرجع الاقتصادي إسماعيل الزين الأمين، في حديث مع "العربي الجديد"، الخلل الذي يعاني منه الميزان التجاري في السودان منذ السبعينيات إلى أن ميزانية الدولة يتم وضعها من قبل السياسيين حسب ما يتوفر لديهم من أرقام، إلا أن الحكومات عادة لا تلتزم بها، وأضاف أنه "أولاً علينا معرفة ما هو الصادر المطلوب زيادته وكلفة إنتاجه والأسواق التي يستهدفها وإمكانية الاعتماد على القطاع الخاص في الصادر".
مطالبة بالدعم
وتابع أنه "على مستوى اتفاقية التجارة الدولية فإن دعم الصادر ليس حرا بل هو محدد بقانون مع مواكبة تطورات الأسواق العالمية، والإنتاج التقليدي يجب أن يرتكز بصورة واضحة على أسس ووسائل تساهم في تطويره"، وطالب بدعم يعتمد على توفير آليات لحماية الإنتاج من تغير الأسعار ودراسة اتجاهات الطلب العالمي، ويترتب على ذلك تحديد حجم الإنتاج المستهدف، ليتم توزيعه على عدد من المنتجين، وذلك من شأنه إنتاج سلع تجبر المشتري على طلب السلع، فيما زيادة الصادر تتحقق إما بزيادة الرقعة المستهدفة بالإنتاج أو زيادة إنتاجية الرقعة ذاتها.
وقال المحلل الاقتصادي عبد الوهاب إبراهيم إن السودان يمتلك موارد كبيرة جدا وصادراته لا تتماشى مع إمكاناته، وأكد لـ"العربي الجديد"، أن الصادرات بهذه الأرقام المتواضعة لا تمثل السودان ولا حجم اقتصاده، داعيا الجهات المعنية للوقوف على المشكلات التي تواجه المنتجين والعمل على حلها فوراً، خاصة تلك المتعلقة بحجم الصادرات.
وأشار إلى وجود العديد من المعوقات التي تحول دون أن تحجز الصادرات السودانية مقعدها في الأسواق العالمية، وأضاف أن "منتجاتنا مرغوبة بما فيها المعادن المتنوعة بالإضافة إلى الصادرات الزراعية وغيرها، لكننا نعاني من ضعف التعبئة والتسويق، إضافة إلى تفاقم التهريب وفرض رسوم كبيرة تعيق عمليات التصدير"، مطالبا بضرورة إنشاء مجلس مركزي يعنى بتطوير وفتح أسواق للصادرات السودانية.