أفلتت الولايات المتحدة من الوقوع في مصيدة الإفلاس والتعثر المالي، فهل تفلت من الركود الاقتصادي وربما الانكماش الخطير؟
السؤال عاد إلى السطح مجددا بعدما طوت أميركا مؤقتا أزمة كادت أن تعصف ليس فقط باقتصادها وموازنتها، ولكن بسمعتها المالية ومركزها الاستثماري، بل وربما بمستقبل الدولار، وهي أزمة رفع سقف الدين العام، فبعد مفاوضات مضنية سمح مجلس النواب لحكومة بايدن برفع السقف لأكثر من 31.4 تريليون دولار لمدة عامين وإلى ما بعد الانتخابات الرئاسية 2024، ومن المتوقع أن يمرر مجلس الشيوخ القرار في اجتماعه بمنتصف الأسبوع المقبل.
ومع طي أزمة الدين، عادت الولايات المتحدة إلى الأزمة القديمة المتجددة والمتعلقة بمخاوف من دخول الاقتصاد في مصيدة الركود بسبب استمرار معدل التضخم المرتفع، ومواصلة البنك المركزي سياسة التشدد النقدي ورفع سعر الفائدة على الدولار، وهي الأزمة التي لا يقتصر الاهتمام بها على الداخل الأميركي، وإنما تشغل كل دول العالم وفي المقدمة الدول التي لديها احتياطيات نقدية ضخمة بالدولار، أو الدول ذات المديونية العالية بالدولار، أو الدول التي تربط عملتها وتجارتها الخارجية بالعملة الأميركية.
هناك
مخاوف من دخول الاقتصاد مصيدة الركود بسبب استمرار معدل التضخم المرتفع، ومواصلة البنك المركزي رفع سعر الفائدة على الدولار
يوم 14 يونيو/حزيران الجاري، يعقد البنك الفيدرالي اجتماعه الدوري لبحث اتجاهات أسعار الفائدة، وما إذا كان سيواصل سياسة رفع الفائدة حتى نهاية العام الجاري، خاصة أن التضخم لا يزال قويا، مع استمرار انكماش نشاط التصنيع للشهر التاسع، ومخاوف من انفجار فقاعة العقارات وأزمة القطاع العقاري.
أم سيوقف البنك المركزي ماراثون رفع سعر الفائدة ويقرر التثبيت تمهيدا للخفض في وقت لاحق، ربما بداية عام 2024، باعتبار أن الزيادات المتواصلة في الفائدة أرهقت الاقتصاد والأسواق والمستثمرين والمنتجين، ليس فقط في الولايات المتحدة، وإنما خارجها أيضا، مع الزيادة الكبيرة في كلفة الأموال والقروض، كما سببت ذعرا في أسواق العالم بسبب مخاطر سياسة الدولار القوي، خاصة على الدول المدينة.
ولأن أزمة سقف الدين شهدت انقساما شديدا بين البيت الأبيض والكونغرس قبل تسويتها في منتصف هذا الأسبوع، فإن التوقعات بشأن سعر الفائدة على الدولار تشهد انقساما أيضا حتى بين أعضاء مجلس الفيدرالي، وهذا أمر طبيعي.
فهناك من يقول: "كفى لسعر الفائدة المترفع، الذي أضر الاقتصاد والأسواق والقطاع المصرفي"، خاصة مع صدور بيانات تظهر أن فرص العمل في شهر إبريل/نيسان الماضي ارتفعت إلى أعلى مستوياتها منذ شهر يناير/ كانون الثاني 2023، وهناك تباطؤ في الاقتصاد، وتراجع في معدل النمو الاقتصادي، وتراجع أرباح بعض الشركات الكبرى.
تقف دول عربية ونامية كثيرة متوجسة من مواصلة موجة رفع الفائدة التي تضغط على عملاتها وترفع فاتورة ديونها الخارجية
وهناك من يرى أن الوقت لا يزال مبكرا على وقف موجة رفع الفائدة، إذ إن التضخم المرتفع سيجبر الفيدرالي على الرفع عدة مرات، وإنه حتى لو تراوح التضخم بين 4% و5% لبعض الوقت، فهذا يتطلب التأني في قرار خفض الفائدة.
وما بين تلك الخلافات والنقاشات الجارية داخل الولايات المتحدة، تقف دول عربية ونامية كثيرة متوجسة من مواصلة موجة رفع الفائدة على الدولار التي تضغط على عملاتها الوطنية، وترفع فاتورة ديونها الخارجية، وتُصعب مهمتها في الاقتراض الخارجي.