لا يزال ملف توزيع موارد النفط والإنفاق الحكومي يسيطر على السجال المالي والاقتصادي في ليبيا، بعد اتهامات وجهتها سلطات شرق البلاد إلى حكومة الوحدة الوطنية، واصفة سلوكها الإنفاقي بـ"العبث".
وفي آخر مستجدات الملف ما أعلنه المجلس الرئاسي الليبي، مساء الخميس، حول تشكيل اللجنة الوطنية لتحديد أوجه الإنفاق العام وإعداد الترتيبات المالية، بعد أيام من المداولات بين أعضاء المجلس الرئاسي ومسؤولين بالمصرف المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط.
ووفقاً لقرار المجلس الرئاسي فإن مهام اللجنة، التي تتكون من رئيس ونائب و17 عضواً، هي تحديد أوجه الإنفاق العام وإعداد الترتيبات المالية. وجاء قرار الرئاسي بعد اجتماع عقده رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، ومحافظ المصرف المركزي الصديق الكبير، ورئيس المؤسسة الوطنية للنفط فرحات بن قدارة، الأربعاء، لمناقشة تشكيل "لجنة مالية عُليا" وفقاً للمكتب الإعلامي للمجلس الرئاسي.
وبالتزامن مع إعلان المجلس الرئاسي عن تشكيل اللجنة، أصدر المصرف المركزي في طرابلس بياناً عن الإيرادات والإنفاق العام عن الفترة المُمَتَدّة من 2023/01/01 حتى 2023/06/30، موضحاً أن إنفاق مجلس الوزراء بحكومة الوحدة الوطنية ومجلس النواب والمجلس الرئاسي والجهات التابعة له، بالإضافة إلى المجلس الأعلى للدولة، خلال النصف الأول من العام الجاري، بلغ قرابة ملياريْن و800 مليون دينار.
وجاء قرار المجلس الرئاسي بتشكيل لجنة لتحديد أوجه الإنفاق العام وإعداد الترتيبات المالية بعد أيام من إعلان الحكومة المكلفة من مجلس النواب استكمالها إجراءات الحجز الإداري على واردات النفط، متهمة حكومة الوحدة الوطنية بالعبث بأموال النفط.
بدوره، قال السفير الأميركي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند، في تغريدة على حسابه بتويتر، الجمعة الماضي، إن بلاده تدعو "الفاعلين السياسيين الليبيين إلى الابتعاد عن التهديد بإغلاق النفط، الذي من شأنه أن تكون له تداعيات مدمرة على الاقتصاد الليبي".
وفيما أثارت تصريحات السفير الأميركي حفيظة مسؤولي شرق البلاد، في مجلس النواب والحكومة المكلفة منه، ووصفوها بالتدخل في الشأن الداخلي، إلا أن انتقادها جاء بشكل أكبر على لسان اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي اعتبر، خلال تصريحات له، أن السفراء الأجانب، ومنهم السفير الأميركي، تسببوا في أزمة البلاد، ودعاهم إلى عدم التدخل في الشأن الداخلي الليبي.
ويرى الناشط السياسي خميس الرابطي أن تزايد الحديث عن ضرورة تحقيق العدالة في توزيع الثروة "هو استمرار للصراعات السياسية التي تتخذ فيها الأطراف النفط ورقة للضغط من أجل حصد مكاسب في إطار خصوماتها"، مضيفاً أن "رمي تهم بالعبث بأموال وموارد الدولة لا يمكن أن تصدر عن جهة كمجلس النواب أو حفتر المعروفين بهدرهم للأموال من أجل مصالحهم أو الوصول إلى السلطة".
ويضيف في حديثه مع "العربي الجديد" أن "العدالة في توزيع الثروة شعار فضفاض، يهدف من خلاله القادة والسياسيون للوصول إلى موارد الدولة بهدف الإثراء أو بهدف تمويل وتقوية حلفائهم في دائرة الصراعات والخصومات السياسية، وتذهب عندها الأموال لجيوب الطبقة المتحكمة ويتعزز كذلك وجودهم أكثر في مفاصل الحكم والاقتصاد".
من جانبه، يلفت الأكاديمي وأستاذ علم الاقتصاد عبد السلام زيدان إلى أن توزيع الثروة يتطلب تشريعات قانونية تضبط إيقاع هذه العملية فيما لا بد من تحديد مفهوم العدالة، عبر توضيح أوجه الإنفاق والجهات التي تتولاه.
ويتساءل خلال حديثه مع "العربي الجديد": "من هي الجهات التي ستقسم عليها الثروة، سؤال مفترض وواقعي، هل البلديات التي تعاني خللاً في شرعيتها، أم الحديث العابر للسياسيين عن وجود أقاليم ثلاثة لا أساس ولا إطار قانونياً لها وتم استدعاؤها من صفحات التاريخ الماضي؟"، معتبراً أن الدعوة لعدالة التوزيع مطلب تحاول قوى سياسية فرضه لتحتكر القوة المالية والاقتصادية وتهمش الطبقات الاجتماعية الأخرى.
ويتابع زيدان بالقول إن "العدالة مفهوم لا يتصل بالسياسة والاقتصاد فقط بل بالمجتمع والثقافة والحقوق والواجبات، وأي جانب من هذه الجوانب إذا اختل أو غاب أصبحت العدالة لا تخدم إلا قوى معينة"، مضيفاً أن "قانون العدالة يتطلب النظر أيضاً إلى الأجيال المقبلة لأنها صاحبة حق في الثروة أيضاً، ويتطلب دراسات مفصلة وواسعة عن قدرات وإمكانية كل منطقة وما تحتاجه من تنمية وفق خصوصيتها، والتخطيط الدقيق لأن يكون التوزيع العادل من القاعدة ويتصاعد لقمة الهرم، لكن الأخيرة تحتاج جهات تشريعية وتنفيذية، وضمانات المراقبة والشفافية في الإنفاق لأن قانون توزيع الثروة هو من سيضبط إيقاع الإنفاق".
ويتابع أن "ما يحدث الآن هو عكسي، فالهرم هو من يريد فرض التوزيع بدعوى العدالة، والأفضل لهذه المجموعات المتحكمة في المشهد أن تشكل لجاناً لبحث البدائل عن موارد النفط وإنفاقها في مشاريع تعزز الاقتصاد وتوسع مداخله ومخرجاته".
ويضيف الرابطي: "القرار جاء بدفع أميركي وبرضا دولي ليحمل وجهين؛ الوجه الأول إيجابي لأنه سيحد من قدرة القادة والمصرف المركزي ومؤسسة النفط في التصرف غير المنضبط في موارد النفط، أما الوجه الثاني فهو سلبي، لأنه سيعزز الوجود الدولي في ملف النفط، وربما يكون طريقاً لإشراف دولي على النفط وموارده، وربما يقود إلى ما نراه في دول أخرى انتهت بتجربة ما عرف بالنفط مقابل الغذاء".