تبدلت عوامل جذب الاستثمارات والرساميل، عمّا كانت عليه خلال العقود الماضية، وقت كانت تتفاخر الدول بمناخها الاستثماري المغري، المبني على ثنائيات شهيرة، كالأمن والأمان أو التسهيلات والإعفاءات.
لتدخل مفردات وأسباب جديدة، لها علاقة بالتطور التكنولوجي، وتوفير بنى وعوامل جذب مبتكرة، من دون أن تغفل طبعاً، استقرار الأسواق والعملة، أو تتجاهل سيادة القانون وحقوق الملكية.
بالأمس، حدد رئيس مكتب الاستثمار التابع لرئاسة الجمهورية التركية، أحمد بوراك داغلي أوغلو، ما تقدمه الحكومة التركية للمستثمر، في بنود أربعة، أولها أن تركيا هي دولة سريعة النمو واقتصادها مرن جداً، حيث بلغ متوسط نسبة النمو من عام 2003 إلى 2022 نحو 5.6%.
وثانيها أن الإصلاحات الهيكلية في الاقتصاد التركي، خلال السنوات الماضية، ساهمت في تحديث بيئة العمل، وجعلتها أكثر تطوراً وملاءمة لشتى الأعمال، كما جعلت تركيا محط أنظار العديد من المستثمرين الدوليين.
وذكّر المسؤول الاستثماري التركي، بمفردات العقود الماضية بما رآه عامل جذب ثالث، بأن بلاده تمتلك رصيداً كبيراً من القوى العاملة الماهرة التي يمكن أن تعمل وتبدع في أكثر من مجال وهي محل ثقة ومصداقية المستثمرين.
خاتماً، أيضاً بطرائق الجذب القديمة، بأن الموقع الجغرافي الاستراتيجي لتركيا، عامل جذب وتفرّد فهي تربط بين آسيا وأوروبا وأفريقيا، الأمر الذي يجعل المستثمر يصل إلى الأسواق العالمية بكل سهولة ويسر.
قصارى القول: ربما لم تعد طرق ومقولات الترويج السابقة، صالحة بعالم اليوم، فجميع دول العالم تتسابق لجذب الاستثمارات لما لها من أدوار بالنمو وامتصاص فائض البطالة وزيادة التصدير.
كما، بعالم اليوم، لم تعد اليد العاملة الرخيصة والموقع الجغرافي، ميزات خارقة، بعد أن عرّت الاستثمارات التكنولوجية والذكية الصناعات التقليدية، ودفعت بالدول المتطورة لتهجير الصناعات الملوثة والكبيرة، وغلب التسويق الإلكتروني على طرائق البيع، واستحوذ على الصفقات الكبرى.
وأما إن لم نتنكّر للأسباب التي أتى عليها المسؤول التركي خلال حديث لصحيفة "الشرق القطرية" قبل يومين، فحريّ بنا إضافة عوامل وأسباب أخرى، بدأ يفقدها المناخ التركي، أو راحت تتسرب تدريجياً من بين يديّ صناع قراره الاقتصادي.
من هاتيك العوامل التي لا تغيب عن خلد صاحب رأس المال خلال دراسته المناخ الاستثماري وتحديد جدوى الإقدام على العمل ببلد ما، هو مستوى الفقر والقدرة الشرائية، والتي بدأت تتراجع بتركيا بعد التضخم الذي زاد عن 58% على أساس سنوي، وزيادة نسبة الفقر، باعتراف اتحاد عمال الأعمال المتحدة أخيراً.
ونذكر المسؤول الاستثماري التركي بتذبذب وتهاوي سعر صرف الليرة، التي، ربما تأتي بمقدمة هواجس المستثمرين ورجال الأعمال، لأن التضخم المستمر سيأكل أي ربح للمشروع وقد يأتي، مع التدحرج، على أصول التأسيس.
ولعلّ الأهم بما آل إليه المناخ التركي أخيراً، هي حالات العنصرية المتنامية وضد العرب خاصة، والتي لا يمكن لأي عامل جذب وإغراء أن تدفع المستثمر ليغض عنها الطرف أو يتجاهلها تحت مغريات الربح أو الجنسية التركية، أو حتى تلبية الرغبة الحكومية لبلده، بعد تنامي العلاقات التركية العربية، ومع منطقة الخليج العربي أولاً.
نهاية القول، بواقع رفع أسوار أوروبا بوجه تركيا، والتذرع المستمر لعدم إدخالها دول الاتحاد الأوروبي، ربما تغدو الدول العربية أهم خيارات تركيا المستقبلية، إن لجذب الرساميل وإقامة شراكات، أو تصريف الإنتاج التركي الذي لم يزل حتى الآن، يلقى حظوة وطلباً من المستهلك العربي، أو حتى زيادة تحليق الاقتصاد التركي عبر جناحه الموازي للتصدير، من خلال زيادة استقطاب السائح العربي الذي ينفق بنحو عشرة أضعاف إنفاق السائح الأوروبي.
لكن وقف "تكاليف الكراهية" التي تقفز حتى على طرائق الجذب والإغراء، التقليدية والمستحدثة، تكون عبر العمل على استعادة ثقة "العربي" بتركيا، على أنها البلد الشقيق الجار مهما عليهم الزمن جار.
فأن يعلن مستثمر كويتي، على سبيل المثال، انسحابه من العمل بتركيا وبيع أصوله، بعد التعدي على سائح كويتي بولاية طرابزون أخيراً، فلذاك عامل تنفير وطرد، لن تجدي بعده، جميع التسهيلات والإغراءات.