عمالقة التكنولوجيا تحت مقصلة الرقابة... غوغل آخر المتهمين بالاحتكار

21 نوفمبر 2024
مقر غوغل في كندا، 12 أغسطس 2024 (Getty)
+ الخط -

شركات التكنولوجيا العملاقة تواجه تباعا دعاوى وضغوط من المفوضية الأوروبية لمكافحة احتكارها العديد من الخدمات المقدمة للمستهلكين في دول التكتل، فيما طلبت الحكومة الأميركية، الأربعاء، من القضاء إجبار "غوغل" على بيع متصفّحها "كروم"، في إجراء يهدف إلى مكافحة الممارسات الاحتكارية المتّهم بارتكابها عملاق التكنولوجيا. ويشكّل هذا الطلب تغييرا عميقا في استراتيجية هيئات المنافسة التابعة للحكومة الأميركية والتي تركت عمالقة التكنولوجيا لحال سبيلها منذ فشلها في تفكيك مايكروسوفت قبل عقدين تقريبا.

واعتبارا من سبتمبر/أيلول 2023 أقر الاتحاد الأوروبي قانون الأسواق الرقمية DMA، وهو سلسلة تشريعات مناهضة للاحتكار تهدف إلى الحد من هيمنة شركات التكنولوجيا الكبرى في القطاع الرقمي.

القانون ركز على وضع مجموعة معايير لتنظيم حراس البوابة (الشركات التي تتحكم في الوصول إلى المنصات الرقمية الرئيسية، مثل متاجر التطبيقات وخدمات المراسلة)، ومنعهم من احتكار هذه الأسواق.

قضية غوغل كروم

وفي وثيقة قضائية اطّلعت عليها وكالة فرانس برس، طلبت وزارة العدل الأميركية من المحكمة فصل نشاطات غوغل التابعة لمجموعة "ألفابت"، بما في ذلك عبر منع المجموعة من إبرام اتفاقات مع شركات مصنّعة للهواتف الذكية تجعل من محرك بحثها المتصفح الأساسي في هذه الهواتف، ومنعها أيضاً من استغلال نظام تشغيل أندرويد الخاص بها.

والصيف الماضي، دان القاضي الفدرالي في واشنطن أميت ميهتا مجموعة "غوغل" بارتكاب ممارسات غير شرعية لتأسيس احتكارها في مجال البحث عبر الإنترنت والحفاظ عليه.

ومن المتوقّع أن تعرض غوغل دفوعها على هذا الطلب في ملف قضائي تقدمه الشهر المقبل، على أن يعرض الجانبان قضيتهما في جلسة استماع تعقد في نيسان/إبريل.

وبصرف النظر عن القرار النهائي الذي سيصدر في هذه القضية، من المتوقع أن تستأنف غوغل الحكم، ما سيطيل العملية لسنوات وربما يترك الكلمة الفصل للمحكمة العليا الأميركية.

بالمقابل، يمكن أن تنقلب القضية رأسا على عقب بعد أن يتولى الرئيس المنتخب دونالد ترامب السلطة في كانون الثاني/يناير. ومن المرجح أن تغيّر إدارة ترامب الفريق الحالي المسؤول عن قسم مكافحة الاحتكار في وزارة العدل.

ورشح ترامب برندن كار لرئاسة الهيئة الناظمة للاتصالات الأميركية والذي يسعى إلى "تفكيك كارتل الرقابة" الذي تفرضه شركات التكنولوجيا العملاقة "فيسبوك" و"غوغل" و"آبل" و"مايكروسوفت".

إلا أن الرئيس المنتخب أشار أيضاً إلى أن قرار التفكيك سيكون مبالغا به. وتريد وزارة العدل أن تتخلى "غوغل" عن متصفّح "كروم" وهو الأكثر استخداما في العالم، لأنه نقطة دخول رئيسية إلى محرك البحث، ما يقوض فرص منافسين محتملين.

وبحسب موقع "ستات كاونتر" المتخصّص، استحوذت "غوغل" في أيلول/سبتمبر على 90% من سوق البحث العالمية عبر الإنترنت.

وكشفت المحاكمة على امتداد عشرة أسابيع المبالغ الضخمة التي دفعتها "ألفابت" لضمان تنزيل "غوغل سيرتش" على الهواتف الذكية خصوصا من شركتَي "آبل" وسامسونغ".

وبدأت الإجراءات القضائية خلال الولاية الأولى لدونالد ترامب (2017-2021)، واستمرت في عهد الرئيس جو بايدن. وستعيد مقترحات السلطات، إذا قبل بها القاضي، تشكيل سوق البحث عبر الإنترنت.

وتواجه شركة "غوغل" حملة قضائية أوسع نطاقا على خلفية شبهات في انتهاكات لقوانين المنافسة في كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وفي تشرين الأول/أكتوبر، أمر قاض فدرالي "غوغل" بالسماح بإتاحة منصات منافسة في متجرها للتطبيقات ("بلاي ستور") لصالح شركة "إبيك غيمز" الناشرة لألعاب الفيديو التي أطلقت الإجراء القضائي في حق المجموعة الأميركية العملاقة.

ملاحقة شركات التكنولوجيا

وبالعودة إلى تفاصيل القانون، فإنه كان يستهدف ست شركات: Alphabet وAmazon وApple وByteDance وMeta وMicrosoft، مع تهديدها بعقوبات تصل إلى غرامة 10% على مبيعاتها السنوية.

هذه القوانين بمثابة خطوة ثورية نحو تشجيع المنافسة في صناعة التكنولوجيا، وهو الهدف الذي تسعى إليه دول أخرى في أنحاء القارة.

يأتي ذلك في وقت فرضت فيه شركات مثل آبل وألفابت في القطاع الرقمي قوة لصالحها، تسيطر من خلالها على متاجر التطبيقات وخدمات الدفع عبر الهاتف المحمول والعديد من المنصات الرقمية الأخرى.

وبسبب هذه الهيمنة، أصبحت هذه الشركات قادرة على خنق المنافسة من خلال مجموعة متنوعة من التدابير، وفق مذكرة صادرة في أغسطس/آب الماضي عن المفوضية الأوروبية.

وتشمل هذه التدابير: تحديد أسعار الشركات الأصغر حجماً، ووضع شروط وأحكام قاسية للمطورين لتقديم تطبيقاتهم على منصات رقمية كبيرة، والدخول في صفقات حصرية مع الموردين لضمان عدم حصول المنافسين على الموارد نفسها.

بعبارة أخرى، أصبحت شركات التكنولوجيا العملاقة هذه قادرة على تحديد الشركات التي تنجح في الصناعة.

وبفضل قانون مكافحة الاحتكار، تمكنت المفوضية الأوروبية في مارس/آذار الماضي من إجبار شركة Apple على فتح نظام الدفع عبر الهاتف المحمول للمنافسين، بعد تحديد أن ممارساتها انتهكت بروتوكولات القانون الجديد.

والآن أصبح بإمكان شركات الدفع الاستفادة من نظام المحفظة في أجهزة آيفون، لتقديم خدمات الدفع للمستهلكين الأوروبيين حاملي أجهزة آبل.

الشركة نفسها تعرضت لغرامة تبلغ 1.84 مليار يورو في مارس الماضي بسبب انتهاك قانون مكافحة الاحتكار، بعد ادعاء Spotify بأن Apple حدّت من المنافسة من مواقع بث الموسيقى الخارجية من خلال فرض قيود عليها على متجر التطبيقات الخاص بها.

ومنذ سبتمبر/أيلول الماضي تخوض مايكروسوفت تحقيقات متعددة، أبرزها تحقيق من قبل الجهات التنظيمية الأوروبية بشأن اتهامات بأن الشركة تمنع العملاء من استخدام برامج أمان معينة تقدمها شركات تقنية أخرى على أنظمة الشركة.

تمييز وإضرار بالمنافسة

أيضاً، تواجه مايكروسوفت قضايا مكافحة الاحتكار في الاتحاد الأوروبي بسبب اتهامات بربط تطبيق الاتصال المرئي "تيمز" Teams مع حزمة تطبيقات "أوفيس 365" و"مايكروسوفت 365"، وهو ما يُعتبر ممارسة قد تقيد المنافسة.

هذه القضية بدأت عقب شكوى قدمتها شركة "سلاك" المنافسة عام 2020، وتم تعزيزها بشكاوى لاحقة من شركات أخرى مثل Alfaview.

المفوضية الأوروبية رأت أن إضافة "تيمز" بصفتها جزءاً من هذه الحزم بدون إعطاء خيار للعملاء أدى إلى تمييز غير عادل لصالح مايكروسوفت، وهو ما أضر بالمنافسة.

ورغم إعلان Microsoft عن فصل "تيمز" عن الحزم الرئيسية منذ إبريل/نيسان 2024، إلا أن الاتحاد الأوروبي اعتبر أن هذه التعديلات غير كافية، وطالب بمزيد من الإجراءات لاستعادة التوازن في السوق.

أما عملاق التواصل الاجتماعي "ميتا"، المالكة لفيسبوك وإنستغرام وواتساب وفيسبوك ماسنجر، فإنها تواجه في الاتحاد الأوروبي عدة قضايا متعلقة بمكافحة الاحتكار.

أبرزها اتهامها باستغلال موقعها المهيمن وربط خدمة "فيسبوك ماركت بليس" Facebook Marketplace بشكل غير قانوني بمنصتها الاجتماعية "فيسبوك".

واعتبرت المفوضية الأوروبية أن هذه الممارسات تمنح "ماركت بليس" مزايا تنافسية غير عادلة، ما يعرض منافسيها لخطر الإقصاء، إضافة إلى فرض شروط تجارية غير عادلة على مقدمي الإعلانات الآخرين.

بناءً على هذه الانتهاكات، فرض الاتحاد الأوروبي غرامة قدرها حوالي 798 مليون يورو (837 مليون دولار).

القضية بدأت عام 2021، وواصلت "ميتا" الدفاع عن نفسها بقولها إن المستخدمين ليسوا ملزمين باستخدام "ماركت بليس"، لكنها أعلنت نيتها استئناف القرار.

إضافةً لذلك، تواجه ميتا تحقيقات أخرى تتعلق باستخدام بيانات المعلنين بشكل قد يضر المنافسة، في إطار قوانين مكافحة الاحتكار الأوروبية.

(الأناضول، فرانس برس)

المساهمون