ضاعت على مصر فرصة ذهبية ومضمونة لاسترداد 700 مليون فرنك سويسري (ما يزيد على 700 مليون دولار)، كان من الممكن استعادتها بسهولة وبلا مجهود كبير، والاستفادة من هذا المبلغ الضخم في بناء مئات المدارس والمستشفيات ومحطات توليد الكهرباء، وتوصيل المياه النظيفة والصرف الصحي لقرى الصعيد المحرومة، وخاصة أن هذا المبلغ يعادل أكثر من 12.4 مليار جنيه بالعملة المحلية.
كان من الممكن أن يحدث ذلك لو خلصت النوايا والإرادة السياسية، وتمت الاستجابة لطلبات الحكومة السويسرية البسيطة والمتكررة والتي اشترطت ما يثبت تقديم أن هذه الأموال ليست ملكا للرئيس الأسبق حسنى مبارك، وأنها ناتجة عن أنشطة غير مشروعة، أو تم الحصول عليها بطريقة غير قانونية، وأنها تخص الشعب المصري وليس غيره.
هل كان من الصعب على الحكومة المصرية مثلاً تقديم ما يثبت أن مرتب مبارك كرئيس للدولة يبلغ 808 دولارات فقط شهريًا، كما تقول الوثائق الرسمية، وأنه من المستحيل أن يكون هذا المبلغ البسيط قد تراكم ليصبح ثروة طائلة تقدر بمليارات الدولارات تم تحويلها للخارج وتوزيعها ما بين بنوك سويسرية وأوروبية وعقارات بريطانية وفرنسية وألمانية وأذون خزانة وسندات أميركية؟
وهل كان من الصعب على الحكومة إرسال نسخة من الحكم الصادر عن محكمة الجنايات بحق مبارك ونجليه جمال وعلاء في القضية المعروفة باسم "القصور الرئاسية" والقاضي بسجنهم 3 سنوات، واتهامهم بالاستيلاء على أكثر من 125 مليون جنيه من المخصصات المالية للقصور الرئاسية، كما قضت أيضا بتغريمهم ما يزيد على 125 مليون جنيه، وإلزامهم برد 21 مليونا؟
وهل كان من الصعب إرسال الحكومة المصرية لنظيرتها السويسرية نسخة من الحكم النهائي الصادر عن محكمة النقض المصرية، أعلى جهة تحقيق في مصر، والذي دان مبارك ونجليه في قضية القصور الرئاسية، كما رفضت المحكمة الطعن المقدم من مبارك ونجليه لإلغاء الحكم السابق الصادر من محكمة الجنايات بالقاهرة؟
وهل كان من الصعب على الحكومة المصرية إثبات تورط مبارك ورموز نظامه في ضياع مليارات الدولارات على الخزانة المصرية نتيجة تصدير الغاز المصري لإسرائيل بأبخس الأثمان ولمدة سنوات طويلة؟
وهل قضية مثل تلك المتورط فيها نجلا مبارك و6 آخرون من رجال الأعمال، ومسؤولون وأعضاء سابقون في مجلس إدارة البنك الوطني المصري، بتهمة الحصول على مبالغ مالية بغير حق من بيع البنك، وإهدار المال العام، والتسبّب في خسائر كبيرة للاقتصاد المصري، عن طريق التلاعب بالبورصة، في حاجة لكل هذه السنوات الطويلة لحسمها؟
لن نصدق صحيفة "الغارديان" التي قدرت ثروة الرئيس المخلوع وعائلته بحوالى 70 مليار دولار موزعة ما بين بنوك في بريطانيا وسويسرا، بالإضافة إلى بعض الممتلكات الخاصة في أميركا والمملكة المتحدة، ولن نصدق قناة عالمية مرموقة بحجم "بي بي سي" التي قدرت الثروة بالرقم نفسه، وذلك في أعقاب قيام ثورة 25 يناير، وسنتعامل مع التقارير التي تحدثت عن ثروات لمبارك ورموز نظامة بمليارات الدولارات مستثمرة في الملاذات الضريبية وجزر المحيط الهادي وبورصات أوروبا على أنها مزاعم وأكاذيب.
ولن نتعامل بجدية مع تصريحات المستشار عاصم الجوهري، مساعد وزير العدل لشؤون جهاز الكسب غير المشروع في عام 2011، التي قال فيها إن اللجنة القضائية توصلت إلى معلومات مؤكدة تفيد بأن نجلي مبارك لديهما ودائع ببنوك سويسرا تقدر بحوالى 340 مليون دولار، وأن علاء يملك بمفرده 300 مليون دولار.
ولكن سنصدق أن هناك أحكاما قضائية نهائية وباتة صدرت بحق مبارك ونجليه، وكان من الممكن الاستفادة منها كدليل لاستعادة مليارات الدولارات الموجودة في البنوك والأصول والبورصات العالمية؟
وبالتالي من حقنا أن نسأل، ما الذي جرى لأموال مبارك، وما الذي حدث لدفع السلطات السويسرية إلى اتخاذ قرار في غاية الخطورة، أمس الأربعاء، ويقضي بإلغاء قرار تجميد الأصول المصرية التي تعود للرئيس المخلوع، مبارك، بأثر فوري، وفي المقابل تقرر تمديد تجميد الأصول المملوكة للرئيس التونسي الأسبق، زين العابدين بن علي، والرئيس الأوكراني السابق، فيكتور يانوكوفيتش.
وما الذي دفع سويسرا في سبتمبر/أيلول الماضي لإبلاغ الحكومة المصرية بإغلاق إجراءات المساعدة القانونية المتبادلة التي فتحت عام 2011 بشأن أموال رموز نظام مبارك، ولماذا لم تتحرك السلطات المصرية لدفع سويسرا نحو إعادة فتح هذا الملف ومواصلة التعاون القضائي بشأن هذه الأموال؟
أسئلة كثيرة لا يجد لها المصريون إجابة شافية وقد لا يجدون لها طوال العمر مع محاولة البعض طي هذه الصفحة وإغلاقها للأبد لأسباب لا نعرفها.