عن البنية الاقتصادية والعقائدية لجيش إسرائيل

25 سبتمبر 2024
جنود إسرائيليون في موقع استهدفه حزب الله شمال فلسطين المحتلة (فرانس برس)
+ الخط -

حظي الجيش الإسرائيلي منذ تأسيسه في سنة 1948 وحتى هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول بالاحترام والثقة والتقدير إلى حد التقديس داخل المجتمع الإسرائيلي. وروجت الأنظمة العربية الأسطورة الصهيونية التي تقول بأن الجيش الإسرائيلي لا يقهر، وذلك لتبرير هزيمة سبعة جيوش عربية في حرب 1948، وحرب الأيام الستة في سنة 1967، واجتياح لبنان في سنة 1982، والاغتيالات المتسلسلة التي وقعت في بيروت وتونس ودبي وأثينا وعنتيبي في أوغندا، وكذلك فعلت آلة الدعاية الصهيونية.

يقول رافائيل كوهين، وهو مدير برنامج الاستراتيجية والعقيدة في مشروع القوات الجوية التابع لمؤسسة راند البحثية العريقة في الولايات المتحدة، إن في مطار بن غوريون متجرا للهدايا يبيع قمصانا مرسومة عليها صورة دبابة وطائرة هليكوبتر هجومية وأخرى مقاتلة وعليها شعار يقول "أميركا لا تقلقي.. إسرائيل خلفك". والشعار غارق في السخرية، فإسرائيل تتلقى مساعدات عسكرية من الولايات المتحدة بأكثر من ثلاثة مليارات دولار سنويا، والطائرة المقاتلة من طراز إف 16 وطائرة الهليكوبتر من طراز أباتشي المرسومة على القمصان التي تباع في مطار بن غوريون ومتاجر إسرائيل كلتاهما من صنع الولايات المتحدة.

وفق كوهين، شعار القمصان يجسد تقديس المجتمع الإسرائيلي للجيش. وهو تقديس ناجم عن مزيج من القومية والإيمان العميق، وإن كان في غير محله، بقوته العسكرية التي لا تقهر. ويفصح عن عقد غير معلن مؤداه أنه رغم من كل الاضطرابات والفوضى الموجودة حاليا في المجتمع وفي السياسة الإسرائيلية، فإن الجيش حاضر دائم للحفاظ على أمن المواطنين.

في سنة 2019، وبحسب الاستطلاع الذي يجريه معهد الديمقراطية الإسرائيلي سنويًا، فإن أكثر من 90% من الإسرائيليين اليهود عبروا عن "ثقة كبيرة جدا أو كبيرة" في جيش الدفاع الإسرائيلي. وعندما تراجعت هذه الثقة إلى 78% في استطلاع عام 2021، قلل قادة الجيش المغرورون من نتائج الاستطلاع، وزعموا أن استطلاعات الرأي التي يجريها الجيش لا تجد انخفاضا في ثقة الشعب، ولكن الجيش لا ينشر نتائج تلك الاستطلاعات.

موقف
التحديثات الحية

ومن صور التقديس غير المبرر، أن الرتب العليا في ذلك الجيش تحظى بالشهرة في إسرائيل، وغالبا ما تدخل السياسة بعد تقاعدهم من الخدمة. وتبث الجنازات العسكرية على الهواء مباشرة. ويلتزم الإسرائيليون بلحظة صمت في يوم ذكرى القتلى، بدلا من أن يكون يوما لحفلات الشواء، كما هو الحال في الولايات المتحدة، وفق كوهين.

قدرات عسكرية واقتصادية

يحتل الجيش الإسرائيلي المرتبة 17 بين الجيوش الأقوى في العالم، بعد الإيراني الذي يحتل المرتبة 14، والمصري الذي يحتل المرتبة 15، وفقاً لتصنيف غلوبال فاير باور لأقوى الجيوش في العالم لعام 2024. فهو يمتلك أكثر من 2200 دبابة، و530 مدفعا، و339 طائرة مقاتلة، منها 309 طائرات هجوم من نوعي أف 16 وأف 35، ومروحيات هجومية من طراز أباتشي، و5 غواصات، و49 سفينة قتال بحرية. ويمتلك عددا كبيرا من المسيرات المتقدمة للرصد والتجسس والهجوم بصواريخ أرض جو.

أحد أسباب تقديس الإسرائيلي الجيش، أنه مصدر الثروة وباب الوجاهة السياسية، إذ توجّه الدولة نسبة ضخمة من ناتجها المحلي للنفقات العسكرية. ارتفعت النسبة من 10% في الخمسينيات إلى 20% في سنة 1968. وبعد حرب 1973، وصلت إلى 31% من ناتجها المحلي. وبحلول الثمانينيات، كان 50% من القوى العاملة الإسرائيلية منخرطا في الصناعة العسكرية. ويحصل البحث والتطوير في القطاع العسكري على نحو 65% من النفقات العامة، مقارنة بنسبة 13% للصناعات المدنية.

ويستحوذ الجيش على حصة كبيرة من كعكة صناعة التكنولوجيا العالية، وهي تشكل 18% من الناتج المحلي الإجمالي وتؤمن نحو 14% من فرص العمل. لذلك، يشارك جميع المواطنين الإسرائيليين اليهود باعتزاز وفخر في الخدمة العسكرية الإلزامية، ويستمر الإسرائيلي على قوة الاحتياط حتى سن الأربعين.

صادرات الأسلحة، هي إحدى مفاخر الجيش الإسرائيلي، وتمثل 25% من الصادرات الإسرائيلية. وتستحوذ إسرائيل بوصفها ثامن أكبر مصدر للأسلحة في العالم في سنة 2014 ولمدة 4 سنوات، على نسبة 3% من صادرات الأسلحة العالمية. وليس خافيا أن سر رواج سوق السلاح الإسرائيلي، أن إسرائيل تجرب قوة فتك أسلحتها على المدنيين في قطاع غزة بمثابة فئران تجارب، وتصور هذه الهمجية بالفيديو وتستخدمها في الدعاية لتلك الأسلحة المجرمة. وبعد اتفاقية أبراهام في سنة 2020، فتحت الدول العربية أسواقها للأسلحة والمسيرات الإسرائيلية، وقفزت صادرات الأسلحة الإسرائيلية إلى 12.5 مليار دولار.

دعم أميركي وجودي

تلقت إسرائيل، بين عامي 1949 و2022، أكثر من 158 مليار دولار من المساعدات المالية الأميركية. وهي أكبر متلق للمساعدات العسكرية الأميركية، حيث تلقت منذ عام 1948 مساعدات بقيمة 263 مليار دولار، وفي سنة 2023 وقعت إسرائيل حزمة مساعدات عسكرية من الولايات المتحدة بقيمة 3.8 مليارات دولار بما هي جزء من صفقة بقيمة 38 مليار دولار خلال 10 سنوات. وتمثل هذه المساعدات 40% من ميزانية الجيش، وكل المشتريات العسكرية.

موقف
التحديثات الحية

بعد أسبوع من هجوم حماس، صوّت مجلس الشيوخ الأميركي لصالح قرار قدمه الرئيس جو بايدن يقضي بتخصيص 14.1 مليار دولار مساعدات عاجلة لإسرائيل. وقدمت الولايات المتحدة 599 صفقة مبيعات عسكرية لإسرائيل بقيمة 23.8 مليار دولار، تشمل الطائرات المقاتلة من طراز أف 35 وسترايك، وطائرات الهليكوبتر المتخصصة في الرفع الثقيل؛ وناقلات التزود بالوقود الجوي؛ والقنابل الذكية، وفق بيانات وزارة الدفاع الأميركي.

وفي الأسبوع الثاني للعدوان، قام بايدن بزيارة إسرائيل على متن طائرة حربية. وهي زيارة ذات دلالة سياسية، فهي أول زيارة لرئيس أميركي لإسرائيل في وقت الحرب، وترأس مجلس الحرب، وقال علنا، "أنا صهيوني، وأردت أن أكون هنا لكي يعرف شعب إسرائيل وشعوب العالم أن الولايات المتحدة تقف إلى جانب إسرائيل، وإنه لو لم تكن هناك إسرائيل لعملنا على إقامتها".

في منتدى ريغان للدفاع الوطني، قال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، إنه بعد ستة أيام فقط من هجوم حماس، سافر إلى إسرائيل للتأكيد على تضامن وعزم الولايات المتحدة، ولتوضيح أن التزام أميركا بأمن إسرائيل ثابت لا يتزعزع، وأنه سارع إلى تقديم المساعدات الأمنية الأميركية لإسرائيل لمساعدتها في الدفاع عن شعبها وأراضيها. بالإضافة للدعم السياسي وحماية قادته من الملاحقة الجنائية، فإن ما يطلبه الجيش الإسرائيلي من تكنولوجيا ومعدات وأسلحة يلبى فورا من الإدارة الأميركية. بعد هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر، وافق مجلس النواب الأميركي بسرعة ودون نقاش على تقديم 14.5 مليار دولار إضافية من المساعدات المالية لإسرائيل، بالإضافة إلى مساعدات عسكرية إضافية بقيمة 17 مليار دولار. في نهاية شهر أغسطس، أعلنت وزارة الدفاع الإسرائيلية تسلمها طائرة الإمدادات العسكرية الأميركية رقم 500 وسفينة الشحن رقم 107 منذ بداية الحرب على قطاع غزة، ولم تخف، أو بالأحرى احتفلت، باستقبالها أكثر من 50 ألف طن من المعدات العسكرية الأميركية الحاسمة لإسرائيل، وتشمل مهمات طبية ومعدات حماية الجنود الشخصية، إلى الذخائر والدبابات والطائرات والصواريخ، يعني من الإبرة إلى الصاروخ.

إسرائيل بلا أميركا

أظهر يوم السابع من أكتوبر، أن جيش إسرائيل هش وقابل للقهر، وأن إسرائيل لا مستقبل لها في فلسطين من دون الدعم الأميركي الوجودي، والذي وصفه في سنة 2017، تشاك فرايليش، نائب مستشار الأمن القومي في إسرائيل سابقا، وأستاذ العلوم السياسية في جامعة تل أبيب، بقوله إن اعتماد إسرائيل على الولايات المتحدة هو اعتماد "وجودي"، وربما تستطيع إسرائيل أن تبقى على قيد الحياة دون الولايات المتحدة، وأن تخفض مستويات معيشتها بشكل كبير، ولكن المؤكد تماماً أن إسرائيل سوف تعيش حياة أقل أمناً وأكثر فقراً، وسوف تعاني من عزلة شديدة ونمط حياة مختلف تماماً عن ذلك الذي اعتاد عليه أغلب الإسرائيليين.

الولايات المتحدة هي أكبر شريك تجاري لإسرائيل، ولهذا وقعت معها أول اتفاقية تجارة ثنائية، ويعود الفضل في ازدهار قطاع التكنولوجيا الفائقة في إسرائيل إلى حد كبير إلى دعم الولايات المتحدة. ورصد فرايليش تغيرات كبيرة تطرأ على المجتمع الأميركي لا تبشر بالخير بالنسبة لمستقبل العلاقات الثنائية مع إسرائيل. ومن بين هذه التغيرات، صعود المجموعات السكانية الأقل ارتباطاً بإسرائيل، وهي من الإسبان، والذين لا ينتمون إلى أي دين، والشباب، وتناقص أعداد السكان اليهود العلمانيين، الذين يشكلون قاعدة الدعم التقليدية لإسرائيل. وظهرت هذه التغيرات التي رصدها فرايليش قبل سبع سنوات من طوفان الأقصى في معاداة شباب الجامعات الأميركية للصهيونية ودعمهم للفلسطينيين.

الجيش بعد الطوفان

كشف هجوم المقاومة الفلسطينية على إسرائيل في السابع من أكتوبر حقيقة الجيش الذي قيل إنه لا يقهر، وأنه بنى استراتيجيته الدفاعية على التفوق التكنولوجي، وأهمل الروح القتالية للجنود الذين ظهروا بروح معنوية منهارة. يقول رفائيل كوهين، إن هجوم حماس "هز" العلاقة بين الإسرائيليين والجيش من جذورها. ففي ذلك الصباح، فشل جيش إسرائيل ليس فقط في حماية شعب إسرائيل، بل فشل حتى في حماية نفسه، حيث قتل ما لا يقل عن 274 جنديًا إسرائيليًا. وعلى مدار صباح واحد، حطمت حماس شعور الإسرائيليين بالأمن، وحطمت ثقتهم في جيش الدفاع الذي لا يقهر.

إن الشعور بالفشل الشخصي، بل والعار، لأن الجيش الإسرائيلي خرق العقد الأساسي الذي أبرمه مع الجمهور الإسرائيلي، يثقل كاهل الضباط الإسرائيليين اليوم. ويتحدث الضباط عن الحاجة إلى "استعادة الثقة" في الجيش، ليس فقط بوصفه مؤسسة، بل وأيضاً أحد أحجار الزاوية في الوحدة الوطنية. إن معركة الضباط في غزة لا تتعلق فقط باستعادة شرفهم المهني، بل باستعادة أحد أعمدة الوحدة الوطنية، التي أهدرت في أحد أكثر الأيام دموية في تاريخ الجيش الإسرائيلي.

المساهمون