أرقام مخيفة تلك التي تتحدث عن حجم وكلفة هدر الطعام والسفه الاستهلاكي في منطقة الخليج، خاصة خلال رمضان الذي يتحول من شهر صوم وتقشف وترشيد في الإنفاق ومساعدة الفقراء والمحتاجين إلى شهر تبذير وعدم تقدير النعمة.
هدر بداية من إعداد كميات ضخمة من الطعام تزيد كثيراً عن حاجة الأسرة، وهدر في الطعام من بقايا الأكل في وجبتي الإفطار والسحور والحفلات والمناسبات الاجتماعية، هدر في الأكل غير المستخدم والزائد في الفنادق والمطاعم والكافيهات، سفه حتى في استهلاك الخدمات العامة، وفي مقدمتها الكهرباء والمياه.
مثلاً إذا أخذنا السعودية نموذجاً، نجد أنها تصنّف على أنها أكبر بلد في المنطقة يشهد هدراً غذائياً، وأن أرقام الهدر مخيفة جداً وتتجاوز قيمتها 40.5 مليار ريال سنوياً، أي ما يزيد عن 10.7 مليارات دولار سنوياً.
السعودية تصنّف على أنها أكبر بلد في المنطقة يشهد هدراً غذائياً، وأرقام الهدر تتجاوز قيمتها 10.7 مليارات دولار سنوياً
والغريب في الأمر أن المناطق الدينية في المملكة هي الأكثر إهداراً للطعام، وأعني المنطقة الغربية (التي تضم منطقتي مكة المكرمة والمدينة المنورة)، تنافسها في الهدر العاصمة الرياض التي تعد الأكثر إهداراً للطعام داخل السعودية.
وإذا ذهبنا إلى الأرقام، نجد أن كمية الهدر الغذائي في السعودية تبلغ نحو 4.66 ملايين طن سنوياً، وهي كميات تكفي لسد جوع ملايين من فقراء إحدى الدولة العربية، وأن نسبة الغذاء المهدر تبلغ أكثر من 18% من الكميات.
لا يتوقف هدر الطعام على السعودية، بل يمتد لكل دول الخليج، فالكويت تصنّف على أنها الدولة الأكثر هدراً للطعام وبكميات هدر سنوية تصل بحدها الأدنى إلى 400 ألف طن، في حين ترفع أرقام رسمية صادرة عن إدارة شؤون البيئة كمية الهدر في الغذاء إلى نحو 1.5 مليون طن سنوياً، ويبلغ نصيب الفرد من الهدر الغذائي نحو 95 كيلوغراماً.
وفي الإمارات التي تتصدر العالم في هدر الطعام وتأتي ثانياً بعد السعودية خليجياً، تشير الأرقام الرسمية إلى أن أكثر من 3.27 ملايين طن من الغذاء تهدر سنوياً، وأن هذه الكميات تكفي لإطعام أكثر من 7 ملايين شخص، كما تُقدر تكلفة هدر الطعام في الدولة الخليجية حالياً بنحو 7 مليارات درهم، أي أكثر من 1.6 مليار دولار.
في حين ترفع مصادر رقم الهدر داخل الإمارات إلى 10 مليارات درهم (2.7 مليار دولار). وسبق أن اعترفت وزيرة إماراتية هي مريم المهيري بأن الفرد الواحد في الدولة يهدر 179 كيلوغراماً من الطعام سنوياً، وهي كميات ضخمة مقارنة بالمعايير العالمية.
الإمارات تتصدر العالم في هدر الطعام، وتشير الأرقام إلى أن أكثر من 3.27 ملايين طن من الغذاء تهدر سنوياً، وهي كميات تكفي لإطعام أكثر من 7 ملايين شخص
قطر هي الأخرى تعاني من ظاهرة هدر الطعام وتبلغ كمية الطعام المهدر سنوياً 1.4 مليون طن، وبحسب برنامج "أصدقاء الطبيعة" القطري فإن الأسر في قطر تهدر 95 كغم من الطعام في المتوسط سنوياً، وهي نفس كمية الإهدار في الكويت.
وفي سلطنة عُمان تفيد الأرقام بأن قيمة الغذاء المهدر تبلغ 300 مليون دولار سنوياً. أما في البحرين فيبلغ حجم الهدر اليومي للطعام نحو 400 طن، بما يعادل 146 ألف طن سنوياً، وتبلغ قيمة الهدر 95 مليون دينار (نحو 251 مليون دولار). بينما تبلغ كمية هدر الطعام يومياً في شهر رمضان نحو 600 طن، وفق تصريحات سابقة لرئيسة جمعية "حفظ النعمة" البحرينية، ثورة إبراهيم الظاعن.
إذاً، ملايين الأطنان من الأغذية تُلقى في صناديق القمامة يوميا داخل دول الخليج الثرية التي تتدفق عليها مليارات الدولارات يوميا من مبيعات النفط والغاز، وهي كميات من الأغذية تكفي لإشباع ملايين الجوعى داخل المنطقة العربية خاصة داخل تلك التي تعاني من فقر مدقع وفرط في الغلاء وقفزات في الأسعار لا تتوقف ولو حتى ليوم واحد.
في مقابل تلك التخمة المفرطة في الطعام وملايين الأطنان من الغذاء التي تلقى في سلات المهملات يوميا، نجد أن أهالي غزة يواجهون سياسة التجويع المتعمد، ولا يجدون ما يسد به جوعهم في شهر رمضان، ولو لقمة خبز حاف، في ظل عدم وصول المساعدات الإنسانية لهم، وإغلاق معبر رفح في وجه تلك المساعدات، والحصار الخانق من قبل الاحتلال على غزة، والحيلولة دون وصول الطعام والغذاء والوقود والدواء لسكان القطاع.
بل وصل الحال بأهل غزة المحاصر إلى حد الموت جوعاً بسبب عدم وصول الغذاء لهم خاصة خلال شهر رمضان، وهو ما شاهدناه في الأيام الماضية.