خلال فترة وجيزة شهدت الساحة المصرية تطورين لافتين، الأول هو قرار محكمة العدل الأوروبية إلغاء العقوبات المفروضة على الرئيس المخلوع حسني مبارك وأفراد أسرته بشأن تجميد أموالهم، وهو ما يفتح الباب أمام آل مبارك لاسترداد 300 مليون دولار من البنوك السويسرية والتي تم تجميدها عقب ثورة 25 يناير 2011.
ولا يعرف أحد حتى الآن مصدر هذه الثروة الضخمة، خاصة أن راتب مبارك الرسمي من منصبه كان ضعيفاً، وكان نجله الأصغر جمال يعمل في العمل العام، أما ابنه الأكبر علاء فلم يكن أحد يعرف بالضبط ما هي وظيفته، هل هو رجل أعمال، أم مدير صفقات، أم ماذا؟
أما التطور الثاني فهو إلقاء السلطات المصرية القبض على اثنين من كبار رجال الأعمال من الوزن الثقيل، الأول هو صفوان ثابت صاحب شركة جهينة للصناعات الغذائية، أكبر منتج للألبان والعصائر المعبأة في مصر وتتجاوز قيمتها 7 مليارات جنيه، والثاني رجب السويركي، صاحب سلسلة محال "التوحيد والنور" المنتشرة في كل مدن ومحافظات مصر، وقبلهما تم إلقاء القبض على الملياردير صلاح دياب، رئيس مجلس إدارة مجموعة پيكو ومالك صحيفة "المصري اليوم".
في تفسير المشهد الأول قالت محكمة العدل الأوروبية إن السبب وراء إلغاء العقوبات التي فرضها مجلس الاتحاد الأوروبي على أصول مبارك وعائلته، كان خطأ في الإجراءات.
وفي تفسير المشهد الثاني قالت السلطات المصرية إن إلقاء القبض على رجلي الأعمال جاء بسبب ارتكابهما تهمة واحدة هي "تمويل جماعة إرهابية والانتماء إلى تنظيم محظور يهدف لقلب نظام الحكم ونشر الفوضى في البلاد".
في المشهد الأول لم تكلف السلطات نفسها تقديم للمحكمة الأوروبية ما يثبت إدانة مبارك في قضايا فساد مالي منها حكم بات ونهائي من محكمة النقض، أعلى محكمة في مصر، يدينه في قضية القصور الرئاسية الشهيرة، وبالتالي ضيعت على البلاد استرداد 300 مليون دولار للخزانة العامة للدولة التي تعاني من عجز ضخم.
ولم تبذل اللجنة المكلفة باسترداد أموال مصر المنهوبة في الخارج جهداً لإثبات أن الأموال المودعة في البنوك السويسرية والبريطانية وغيرها من البنوك الأوروبية هي نتاج أعمال غير مشروعة.
وفي المشهد الثاني لم تقدم السلطات دليلا قويا على ارتكاب رجلي الأعمال، ثابت والسويركي، تهمة تمويل الإرهاب، ولذا فتحت الباب أمام تكهنات بطرح أسباب أخرى وراء القبض عليهما ما بين قائل إنها محاولة للضغط على هؤلاء للتبرع لأجهزة الدولة ومنح مزيد من الأموال لصالح صندوق تحيا مصر، وقائل إنها محاولة للضغط على هؤلاء لبيع شركاتهم أو الأسهم التي يملكونها في تلك الشركات لجهات نافذة في الدولة، وثالث قائل بإنها لإفساح الطريق أمام شركات جهات سيادية للتوسع في السوق على حساب شركات المقبوض عليهم.
بغض النظر عن تلك التفسيرات التي يطرحها البعض ومدى دقتها، وما إذا كانت تقف وراء القاء القبض على رجال أعمال كبار من عينة صفوان ثابت والسويركي أم لا، فإن غياب الشفافية في مثل هذه الأمور غير مطلوب، بل ويؤثر سلبا على مناخ الاستثمار في البلاد، ويلقي بظلال على قطاع المال والأعمال، ويؤدي إلى زيادة حالة الضبابية وعدم اليقين الاقتصادي.
وفي حالة السويركي، فإن تصفية سلسلة محلات "التوحيد والنور" تؤثر سلبا على الطبقة الفقيرة ومتوسطة الدخل التي توفر لها هذه الإمبراطورية التجارية سلعاً وملابس بأسعار مقبولة لدى المنتمين لهاتين الطبقتين من الشعب المصري.