مع توالي المؤشرات على اتفاق أميركي إيراني يتضمن رفعا للعقوبات عن طهران مقابل التزامات إيرانية تخص مستوى تخصيب اليورانيوم في برنامجها النووي، تتصاعد فرص سيناريو عودة إيران الكاملة إلى سوق النفط، الذي تتحكم فيه منظمة أوبك وحلفاؤها، ما يعني تأثيرا كبيرا على توزيع حصص الصادرات النفطية.
وأعلن الأمين العام لأوبك، هيثم الغيص، في نهاية مايو/أيار الماضي، أن المنظمة "سترحب بعودة إيران الكاملة إلى سوق النفط عندما تُرفع العقوبات عنها"، ما تعززت فرص تحققه في الأيام الأخيرة، وتحديدا بعد تنفيذ صفقة لتبادل الأسرى بين إيران والولايات المتحدة، وتوالي التقارير بوسائل الإعلام الأميركية عن اتجاه إدارة الرئيس، جو بايدن، إلى تخفيف قبضة العقوبات عن طهران.
وتتفاوض الولايات المتحدة مع إيران لتفصيل خطوات من شأنها الحد من البرنامج النووي الإيراني، ورفع العقوبات عنها، وقد أعلن كبير المفاوضين الإيرانيين، عباس عراقجي، أنه تم التوافق على رفع بعض العقوبات القطاعية المتعلقة بالنفط والبنوك والموانئ والتجارة الدولية، وفي حال تم رفع العقوبات، يمكن لإيران زيادة إنتاجها وصادراتها من النفط بشكل كبير.
حصص التصدير
ومن شأن تأثير العودة الإيرانية الكاملة إلى سوق النفط أن يؤدي إلى تأثيرات جوهرية في حصص التصدير، خاصة أن "إيران لديها القدرة على إنتاج كميات كبيرة من النفط في غضون فترة زمنية قصيرة" حسب ما صرح الغيص لموقع "شانا" التابع لوزارة النفط الإيرانية.
وأظهرت بيانات شركة "كبلر" المزودة لبيانات تدفق شحنات النفط، أن صادرات النفط الخام الإيرانية تجاوزت 1.5 مليون برميل يوميا في مايو/أيار الماضي وهو أعلى مستوى شهري منذ 2018.
وفي الشهر ذاته، أعلن إيران أنها رفعت إنتاجها من النفط الخام إلى 3 ملايين برميل يوميا، بما يعادل حوالي 3% من الإمدادات العالمية، وبما يمثل أعلى معدل إنتاج منذ 2018 وفقا لأرقام أوبك.
وبينما وافق تحالف منظمة الدول المصدرة للبترول وحلفائها "أوبك+"، في الرابع من يونيو/حزيران الماضي، على اتفاق واسع النطاق للحد من إمدادات النفط حتى 2024، إلا أن إيران ليست ملزمة بتخفيض الإنتاج هي وفنزويلا وليبيا، فالدول الثلاث معفاة.
ويشير الخبير الاقتصادي، نهاد إسماعيل، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن التأثير على حصص الصادرات النفطية لن يكون كبيرا على المدى القصير "لأن إيران لم تتوقف عن التصدير أصلا أثناء العقوبات، ومارست الالتفاف عليها ببيع مليون ونصف المليون برميل يوميا من خلال كيانات وسيطة غير إيرانية".
ولطالما أرسلت إيران شحنات النفط إلى الصين واستخدمت مرافق عراقية إيرانية مشتركة لتصدير النفط الإيراني وكأنه عراقي، ولديها خبرة طويلة في تجنب العقوبات، بحسب إسماعيل، مشيرا إلى أن "دول أوبك تعرف ذلك، وأيضا واشنطن".
تأثيرات على الأسعار
ويلفت إسماعيل إلى أن الإنتاج الإيراني، حسب تقديرات شركات الرصد والتتبع، يزيد على 3 ملايين برميل يوميا، نصفها يذهب للصين، فيما يتم تصدير إجمالي 2.2 مليون برميل يوميا، ولذا فإن رفع العقوبات لن يكون له تأثير كبير على الأسواق، كما أن رفع إنتاج النفط الإيراني إلى 4 ملايين برميل بحاجة الى استثمارات جديدة.
وفي هذا الإطار، لا يتوقع إسماعيل انهيار أسعار النفط بسبب عودة إيران للسوق العلني المفتوح وزيادة معروض النفط، موضحا: "قد نرى زيادة في الإمدادات بمقدار مليون برميل يوميا إضافة إلى التصدير الحالي، ولكن سيساعد ذلك في سد العجز بالأسواق، وقد نرى انخفاضات ضئيلة في الأسعار".
ويصف إسماعيل سيناريو كهذا بأنه سيكون بمثابة "صداع لأوبك"، لكنه أشار، في الوقت ذاته، إلى أن المنظمة تستطيع اتخاذ خطوات تصحيحية للمحافظة على استقرار وتوازن السوق.
كما أن إيران تحتاج للتعاون مع أوبك "لأنها بحاجة لأسعار عالية تحقق بها إيرادات أكبر وتواجه بها أزمتها الاقتصادية"، بحسب إسماعيل، مشيرا إلى أن الهدف الأميركي من التساهل مع إيران في تطبيق العقوبات هو وصول المزيد من النفط للأسواق كي تنخفض الأسعار، وهو ما لم يحدث بسبب يقظة تحالف "أوبك+" بقيادة السعودية، التي تستهدف إبقاء الأسعار مرتفعة، بحسب إسماعيل.
ويخلص إسماعيل إلى أن عودة إيران لأوبك يمكن أن تزيد من المعروض النفطي في السوق، وبالتالي تضغط على الأسعار للانخفاض، ما يؤثر سلباً على دخل دول الخليج من صادراتها النفطية، لكن هذا التأثير قد يكون محدوداً أو مؤقتاً، إذا تم التوصل إلى اتفاق بين دول "أوبك" و"أوبك+" لضبط مستوى إنتاجها، أو إذا ارتفع الطلب على النفط بشكل كافٍ لامتصاص المعروض المضاف.