تشير فاتورة واردات الغذاء المغربية منذ بداية العام الحالي، إلى صعوبة التحكم فيها بسبب ارتفاع الأسعار في السوق الدولية، رغم المحصول القياسي من الحبوب المتوقع بعد الجفاف الذي عرفته المملكة في العام الماضي.
ففي الأشهر الأربعة الأولى من العام 2021، بلغت مشتريات المملكة من الغذاء 2.6 مليار دولار، بزيادة نسبتها 5.1 في المائة، حيث بدا أن مشتريات الشعير والقمح تمثل أكثر من أربعين في المائة من مجمل تلك الواردات.
وكانت فاتورة الغذاء في العام الماضي 6.2 مليارات دولار، حيث زادت بنسبة 15.7 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من العام الذي سبقه، وهو ما يرد إلى ارتفاع واردات القمح بنسبة 46 في المائة والشعير بنسبة 200 في المائة.
وقد تجلت في ظل الجائحة ضرورة ضمان حاجيات المغاربة من الغذاء سواء تعلق الأمر بالمنتجات الأولية أو المصنعة، في ظل اشتداد الطلب العالمي عليها وتعرض المملكة إلى جفاف حاد انعكس على المحاصيل.
وتبين أنه في الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري شكلت فاتورة الغذاء حوالي 20 في المائة من مجمل صادرات المملكة من السلع والتجهيزات. ورغم محصول الحبوب القياسي الذي سجله المغرب في الموسم الحالي، إلا أن مستويات الأسعار في السوق الدولية تؤثر على كلفة إنتاج العديد من السلع الأساسية مثل الدواجن والزيوت.
ولم تسلم أسعار سلع المغرب من الارتفاع في الفترة الأخيرة، وهو ما يجد تفسيره في مستويات الأسعار في السوق الدولية التي ينتظر أن تؤثر على الفاتورة الغذائية للمملكة. في الفترة الأخيرة قفزت أسعار الدجاج إلى دولار ونصف الدولار في السوق.
وهو مستوى يرد إلى عودة المطاعم وبعض الفنادق إلى العمل، غير أن دور أسعار الصوجا والذرة في ذلك كان حاسما، حيث ساهمت في زيادة كلفة الأعلاف.
وأفضت أسعار الصوجا مثلا في السوق الدولية إلى زيادات متوالية في أسعار زيوت المائدة في المغرب، حيث بلغت حوالي 35 سنتا للتر منذ بداية العام، علما أن الحكومة كانت قد تدخلت لدى المنتجين في العام الماضي من أجل تفادي الزيادة في تلك السلعة.
وبدا أنه رغم انخفاض الكميات المستوردة من زيت الصوجا الخام أو المكرر مثلا في الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري بحوالي 54 ألف طن، إلا أن فاتورتها ظلت مرتفعة، حيث وصلت إلى 140 مليون دولار، مقابل 155 مليون دولار في الفترة نفسها من العام الماضي. ولاحظت منظمة الأغذية والزراعة ارتفاع أسعار الصوجا والكولزا والنخيل، وهو ما يعزى إلى ارتفاع الطلب العالمي، بما في ذلك من جانب منتجي وقود الديزل الإحيائي وانحسار الإمدادات العالمية لمدة طويلة.
وينتظر أن يسعف محصول الحبوب في العام الحالي المغرب بما له من تأثير على فاتورة الغداء المستورد، التي ينتظر أن تستقر عند حدود العام الماضي، رغم توقع وزارة الفلاحة والصيد البحري أن يكون قياسيا بعد انهياره في موسم الجفاف في العام الماضي. فقد توقعت وزارة الفلاحة أن يرتفع ذلك المحصول من 32 مليون قنطار إلى 98 مليون قنطار، حيث سيساهم ذلك في خفض فاتورة واردات الحبوب التي أثقلت الميزان التجاري في العام الماضي.
غير أن محمد الهاكش، الخبير في القطاع الزراعي، يقول لـ"العربي الجديد"، إنه أيا كان المحصول فإن الواردات من الحبوب تبقى مرتفعة، حيث لا تقل في أفضل المواسم عن 30 مليون قنطار، وتتجاوز 50 مليون قنطار عند تراجع المحصول دون 70 مليون قنطار.
ويعتبر أن ذلك يعزى إلى كون السياسة الفلاحية ركزت على الأمن الغذائي، ولم تسترشد بمفهوم السيادة الفلاحية، التي تعني التركيز أكثر على جوهر السيادة الغذائية للمغاربة مثل الخبز والزيوت.
وتجلى أن الدعم عبر صندوق المقاصة لغاز الطهو والسكر والدقيق ارتفع في الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري، وينتظر أن يتجاوز ما خصصته الدولة لدعم تلك السلع.
وتبين من بيانات الخزانة العامة للمملكة أن الدعم استوعب 650 مليون دولار في إبريل/ نيسان، مقابل 320 مليون دولار في الفترة نفسها من العام الماضي، علما أن الحكومة رصدت حوالي 1.4 مليار دولار للدعم على مدى العام الحالي.
ويرتقب أن يتواصل ارتفاع الدعم مع تراجع إنتاج قصب السكر والبنجر في البرازيل وأوروبا، علما أن المغرب يستورد أكثر من 40 في المائة من السكر لتلبية حاجيات السوق المحلية.
ويذهب الباحث في معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة محمد طاهر السيراري، في دراسة يدعو فيها إلى إعادة التفكير في نموذج تنمية الفلاحة بعد فترة الجائحة، إلى أن هذه الأخيرة كشفت عن التبعية الغذائية للمغرب، مع الارتهان لتقلبات أسعار الصادرات في السوق الدولية، ملاحظا أن ميزان الأداءات الخاصة بالمنتجات الزراعية يظل سالبا رغم تصدير المنتجات الزراعية.
ودفعت الجائحة لجنة النموذج التنموي، التي وضعت للمغرب رؤية إلى غاية 2035، إلى التشديد على السيادة الغذائية، لافتة إلى أنه بموازاة زيادة إنتاج الموارد الزراعية الأولية، يتحتم العمل على تطوير الصناعة الغذائية ودعم الاندماج لكامل سلاسل القيمة الفلاحية.