استمع إلى الملخص
- تأثيرات سلبية على أوروبا وإيران: تواجه أوروبا تحديات اقتصادية مع فرض رسوم جمركية أميركية، مما يهدد الاقتصاد الألماني، بينما قد تعود العقوبات على إيران، مما يزيد التوترات الإقليمية.
- توقعات برفع العقوبات عن روسيا: قد يسعى ترامب لرفع العقوبات عن روسيا، مما يربك الاتحاد الأوروبي ويدفع نحو اتفاق سلام في أوكرانيا، مع تساؤلات حول استمرارية سياساته.
تستطيع أن تضع عشرات، بل ومئات العناوين، العريضة التي تؤكد أن أيام ثقال في انتظار الاقتصاد العالمي، مع إعلان فوز دونالد ترامب في سباق الانتخابات الرئاسية الأميركية، وأن الأسواق الدولية باتت على موعد مع أزمات وتحديات عدة، وربما تقلبات عنيفة.
من أبرز تلك العناوين: عودة الحروب التجارية والاقتصادية للعالم، الصين وأوروبا في مقدمة الخاسرين من فوز ترامب، أوروبا تستعد للأسوأ بداية من العام 2025، اليورو يتراجع أمام الدولار بمعدلات قياسية، قرب رفع العقوبات الأميركية عن روسيا، الاقتصاد الألماني يهتز، عودة الاضطرابات لأسواق النفط العالمية، العملات الرقمية تواصل قفزاتها وبيتكوين في المقدمة.من بين العناوين أيضاً، عودة الخلافات بين البيت الأبيض والبنك الفيدرالي الأميركي، الصادرات الأميركية تتحسن مع دعم ترامب سياسة الدولار الضعيف، واشنطن وموسكو تبحثان الإفراج عن أرصدة روسيا المجمدة في البنوك الأميركية، قلق في الأسواق العالمية مع عودة طبول الحرب حول تايوان ومخاوف من غزو الصين للجزيرة.
على مستوى التفاصيل فإن العنوان الأبرز عالميا في الأيام المقبلة مع غوز ترامب هو عودة الحروب التجارية مع بدء تنفيذ الرئيس المنتخل خطته الرامية إلى زيادة الطلب على المنتج الأميركي واحداث طفرة في الصادرات الاميركية لدول العالم عبر فرض رسوم جمركية باهظة على الواردات الصينية للولايات المتحدة تبلغ نسبتها 60%، وكذا رسوم على الواردات الأوروبية بنسبة 20%.
عودة الحروب التجارية مع بدء تنفيذ ترامب خطته الرامية إلى زيادة الطلب على المنتج الأميركي واحداث طفرة في الصادرات عبر فرض رسوم جمركية باهظة
قد يصاحب ذلك اندلاع حروب اقتصادية أخرى، حرب عملات في أسواق الصرف العالمية خاصة بين الدولار واليوان الصيني، حرب شرسة في قطاع التقنية والتكنولوجيا والرقائق الإلكترونية، حظر واشنطن مزيدا من الشركات الصينية ومنعها من الوصول إلى التقنيات الأميركية كما حدث مع شركة "هواوي" في ولاية ترامب الأولى، زيادة الضغوط الأميركية لعرقلة نمو الاقتصاد الصيني وإحباط أي محاولة لقفزة إلى المرتبة الأولى عالميا على حساب الاقتصاد الأميركي.
بالطبع فإن تلك الحروب الاقتصادية ستثير الاضطرابات الشديدة في أسواق العالم وفي المقدمة أسواق التجارة الدولية والمعادن والعملات، إذ إن القوى الاقتصادية والتجارية المناوئة للولايات المتحدة، ومنها الصين وأوروبا، لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه رسوم ترامب الجمركية، بل ستسارع إلى فرض اجراءات عقابية مماثلة، وهذا ما يربك حركة التجارة والشحن دوليا، ويرفع الأسعار لمعدلات كبيرة، وربما يعيد شبح التضخم الذي هدد الاقتصاد العالمي وأسواق السلع في السنوات الأخيرة.
ومع تأكيد فوز ترامب في الانتخابات الأميركية فإن العنوان الثاني الأبرز هو "أوروبا تستعد للأسوأ مع فوز ترامب"، فبالتأكيد فإن فوز المرشح الجمهوري ليس في صالح القارة التي تعاني من أزمات اقتصادية وسياسية ضخمة لأسباب عدة منها حرب أوكرانيا وشبح التضخم والعقوبات على قطاع النفط الروسي وزيادة كلفة الإنتاج وجائحة كورونا وغيرها. من المتوقع أن يصدم ترامب الاقتصادات الأوروبية برسوم جمركية عالية تحد من تدفق سلع القارة للأسواق الأميركية وتكبدها خسائر بنحو 150 مليار دولار.
ومن المتوقع أن تكون ألمانيا، قاطرة الاقتصاد الأوروبي، وصاحب أقوى ثالث اقتصاد في العالم، في مقدمة الخاسرين حيث إن رسوم ترامب تعرض صادراتها العملاقة وقطاعها الصناعي القوي لهزات عنيفة وشركاتها لموجة إفلاسات جماعية.
العنوان الثالث لفوز ترامب هو عودة شبح العقوبات الاقتصادية الأميركية بحق الاقتصاد الإيراني وقطاعه النفطي، وربما الدخول في مواجهة مع محاولة ترامب منع إيران من امتلاك سلاح نووي، فترامب يكنّ عداء شديدا لإيران، وخلال ولايته الأولى انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وأعادت العمل بالعقوبات على طهران، وفرضت أكبر قدر من العقوبات الاقتصادية، وهو ما أربك الأسواق والعملة الإيرانية الريال والمواطن. وقبل أيام حرض ترامب إسرائيل على ضرب المنشآت النووية في إيران.
عودة شبح العقوبات الاقتصادية الأميركية بحق الاقتصاد الإيراني وقطاعه النفطي، وربما الدخول في مواجهة مع محاولة ترامب منع إيران من امتلاك سلاح نووي
أما العنوان الرابع فهو توقعات رفع ترامب العقوبات الأميركية على روسيا والمفروضة عليها عقب غزو موسكو أوكرانيا في بداية عام 2022. وربما فرض اتفاق سلام على الجميع ينهي الحرب في أوكرانيا. وهذا الأمر يربك الاتحاد الأوروبي الذي يقاتل إلى جانب كييف منذ فبراير 2022 وخصص مليارات اليوروهات لدعمها عسكرياً واقتصادياً.
ومع تلك التوقعات المتشائمة بشأن المشهد الاقتصادي العالمي بسبب فوز ترامب، فإن السؤال: هل ترامب نسخة 2017 هو ترامب نسخة 2025، وهل ستخضع دول العالم لابتزازاته وضغوطه وقراراته الصادمة كما جرى في ولايته الأولى " 2017-2020"؟
العالم تغير كثيراً في السنوات الأربع الماضية، فالسياسات الأميركية دفعت العديد من دول العالم إلى رفض سياسات الهيمنة الغربية، دول الخليج مثلا تقاربت بشدة مع الصين اقتصاديا وسياسيا، كما تقاربت مع روسيا عبر تحالف "أوبك+" الذي نجح في تنسيق الملفات النفطية والحيلولة دون انهيار أسعار النفط، وهناك توجه لدى العديد من دول العالم للاستغناء عن التعامل بالدولار في تسوية المعاملات التجارية واحلال العملات المحلية في عمليات التسوية.
نعم، فوز ترامب من شأنه أن يفرض واقعًا جديدًا على الاقتصاد العالمي، هو بالتأكيد في صالح الاقتصاد الأميركي ومستثمري "وول ستريت" ودافعي الضرائب ورافعي شعار "أميركا أولا"، لكنه ليس في صالح الاقتصادات المنافسة وفي المقدمة الاقتصاد الصيني الذي ربما يعيش لحظات صعبة خاصة مع الأزمات التي يواجهها.