استمع إلى الملخص
- **تأثير فوز ترامب المحتمل على النزاع**: فوز ترامب سيزيد من حدة النزاع التجاري والتقني، حيث يميل إلى السياسة الانعزالية ويقيس العلاقات من منظور الكلفة والعائد الاقتصادي، مما قد يؤدي إلى نزاعات مع أوروبا وجنوب شرقي آسيا ودول شرق أوسطية.
- **استراتيجية الولايات المتحدة لمحاصرة التقدم التقني الصيني**: تشمل حرمان الصين من التقنيات المتقدمة، منع شركات التقنية الصينية من جمع تمويلات في السوق الأميركية، وحرمان الصين وهونغ كونغ من خطوط الكابلات البحرية، التي تعد العمود الفقري للإنترنت العالمي.
القاسم المشترك بين المرشحَين للانتخابات الأميركية المقبلة، جو بايدن ودونالد ترامب، هو محاصرة الصين تقنيا وتجاريا، حيث واصل بايدن حرب التقنية على بكين التي بدأها ترامب في بداية فترة رئاسته الأولى، وأعلن بايدن عن فرض رسوم جمركية ضخمة على السيارات الكهربائية الصينية وبطاريات الليثيوم ورقائق الحاسوب والخلايا الشمسية. وبالتالي، عمل على تصعيد الحرب التجارية مع الصين التي بدأها ترامب.
وتدخل في هذه الحرب تايوان التي تعدّ واحدة من أهم قلاع أشباه الموصلات والشرائح المتقدمة في العالم، ولذلك تتمسك بها بكين ضمن سياسة "الصين الواحدة"، وتسعى واشنطن إلى حماية استقلاليتها كدولة منفصلة عن الصين. وحتى الآن ترجح استفتاءات الرأي فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية المقبلة في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني. وبالتالي، يثار السؤال: كيف ستتعامل بكين مع احتمال فوز ترامب؟ وما هي المحاور المتوقعة في الحرب التقنية؟
وفق محللين، من المؤكد أن صعود دونالد ترامب للسلطة في واشنطن سيصبّ الزيت على نار النزاع الشرس بين العملاقين في التجارة والتقنية، الذي يتسم بالأبعاد المتشبعة وشديدة التعقيد والحساسية. وهو نزاع بين قوة صاعدة تبحث عن دور عالمي وإعادة صياغة النظام العالمي متعدد الأقطاب وهي الصين، وبين الولايات المتحدة التي تهيمن على الترتيبات العالمية الحالية وترغب في المحافظة على النظام العالمي وموقع القوة العظمى فيه.
وفي الوقت الذي تفضل فيه بكين التعامل مع ترامب أكثر من تعاملها مع بايدن، لأنها تعلم أن الأخير يستطيع تجميع القوى الغربية في حربه التجارية والتقنية مع الصين، يميل ترامب للسياسة الانعزالية وقياس العلاقات الاستراتيجية مع الحلفاء والشركاء من منظور الكلفة والعائد الاقتصادي.
وفق محللين، من المؤكد أن صعود دونالد ترامب للسلطة في واشنطن سيصبّ الزيت على نار النزاع الشرس بين العملاقين في التجارة والتقنية
في هذا الصدد، يقول الخبير بمركز دراسات الاقتصاد والتنمية والعلاقات الخارجية الصيني يوان صن، في تحليل بمركز بروكغنز الأميركي، إن سياسة المواجهة التي ينوي ترامب تطبيقها مع الحلفاء تصب في مصلحة بكين.
ويرى الخبير صن في تحليله المنشور في 31 مايو/أيار الماضي بمعهد بروكغنز، أن رئاسة ترامب الثانية في حال حدوثها ستقوّض بشكل خطير مصداقية الولايات المتحدة وتحالفاتها وشراكاتها على مستوى العالم. ومن المتوقع، وفق برنامج ترامب الانتخابي، أن يدخل في نزاعات تجارية ودفاعية مع أوروبا وجنوب شرقي آسيا ودول شرق أوسطية، حيث يطالب هذه الدول بدفع ثمن الحماية العسكرية التي توفرها لها الولايات المتحدة.
وتعمل الولايات المتحدة حتى الآن على محاصرة التقدم التقني الصيني عبر ثلاثة محاور رئيسية، وهي: حرمانها من التقنيات المتقدمة في الشرائح الإلكترونية وتقنيات الذكاء الاصطناعي، عبر منع الشركات الأميركية من تصدير هذه التقنيات إلى الصين.
والمحور الثاني هو حرمان شركات التقنية الصينية من جمع تمويلات في السوق الأميركية عبر تسجيلها للتداول في سوق وول ستريت المالي، وحث شركات التقنية الأميركية التي لديها مصانع في الصين على مغادرتها إلى دول صديقة للولايات المتحدة، مثل الهند وفيتنام وكوريا الجنوبية.
أما المحور الثالث فهو ربما حرمان الصين وهونغ كونغ من خطوط الكابلات البحرية. وكانت الحكومة الأميركية قد حذرت شركات الاتصالات الأميركية الكبرى المستثمرة في هذه الخطوط من احتمال تعرّضها للتجسس الصيني، وفق تقرير بصحيفة وول ستريت جورنال.
ووفق الخبير بمركز دراسات الاقتصاد العالمي والتنمية والسياسة الخارجية الصيني يوان صن، لم يتخذ الصينيون قرارهم بعد بشأن النتيجة النهائية لكيفية تأثير رئاسة ترامب الثانية على الصين، ولكنهم يرون أن سياسته الخاصة بـ"أميركا أولاً" و"أميركا العظيمة" والتعرفة الجمركية على الواردات، ستخلق مجموعة من النزاعات بين حلفاء واشنطن، خاصة أوروبا ودول جنوب شرقي آسيا، وربما يمنح ذلك بكين التحرك بسهولة في الفضاء الجيوسياسي العالمي، خاصة في المنظمات الدولية، مثل منظمة التجارة العالمية وتوسيع نفوذها الاقتصادي والتجاري وتدويل عملتها اليوان.
على الصعيد التقني البحت، يرى تحليل بمجلة الإيكونومست في 25 إبريل/نيسان الماضي، أن المرحلة التالية من حروب التكنولوجيا بين بكين وواشنطن ستدور في ساحتين رئيسيتين، وهما: الأولى صناعة الرقائق، التي تخلق البنية التحتية لمعالجة المعلومات في العالم، بما في ذلك تلك التي تدرب وتدير برامج الذكاء الاصطناعي. وترى واشنطن أن أي درجة من السيطرة الصينية على إنتاج الرقائق أمر لا يطاق ويجب منعه. والآخر هو التكنولوجيا الخضراء، حيث إن مكوناتها قد تصبح العمود الفقري للاقتصاد العالمي برمته. وبالنسبة للصين، فإن قوة شركاتها في هذه الساحة ليست مجرد نتيجة طبيعية لعقدين من السياسة الصناعية المركزة، بل إنها تأكيد لدورها المهم كزعيم عالمي.
أما العامل الثالث فهو حرب الكابلات البحرية، التي تصدرت عناوين الأخبار في وقت سابق من هذا العام، بعد قطع أربعة من أصل 15 كابلاً بحرياً بالغ الأهمية في البحر الأحمر، بسبب هجمات شنها الحوثيون على السفن الإسرائيلية والأميركية والبريطانية. وتسيطر شركات التقنية الأميركية الكبرى، مثل غوغل وأمازون ومايكروسوفت، على هذه الكابلات البحرية التي توجد منها المئات المدفونة تحت الماء ويبلغ طولها حوالي 1.4 مليون كيلومتر، وفقاً لمنظمة "تيلي جيو ميتري" الأميركية لأبحاث سوق الاتصالات.
وتراوح هذه الكابلات البحرية بين القصيرة، مثل الكابل الذي يبلغ طوله 131 كيلومترا ويربط أيرلندا بالمملكة المتحدة، على سبيل المثال، والطويل الذي يمتد لآلاف الكيلومترات، مثل كابل بوابة آسيا أميركا الذي يبلغ طوله 20 ألف كيلومتر.
ووفق تقرير بقناة "سي أن بي سي"، من المتوقع أن يزداد عدد الكابلات البحرية في السنوات المقبلة، وهو ما يعكس الطلب المتزايد على حركة البيانات بسبب انتشار بث الفيديو والخدمات السحابية. وتعد الكابلات البحرية العمود الفقري للإنترنت العالمي، حيث تحمل 99% من حركة البيانات العابرة للقارات في العالم.
وقال آندي شامباني، كبير مسؤولي التكنولوجيا في البريد الإلكتروني، لقناة "سي أن بي سي"، في تقرير أمس الأربعاء: "إذا قمت بإرسال بريد إلكتروني أو رسالة نصية أو محادثة فيديو مع شخص ما في قارة أخرى، فإنك تحتاج إلى الكابل البحري، وربما لا يعرف الكثيرون ذلك". ويرى شامباني أن تركيب الكابلات البحرية أمر معقد حقًا. وعندما تكون هناك مشكلة في أحد الكابلات البحرية، فإن إصلاحه يعد مهمة معقدة.
ووفق تقرير بصحيفة "وول ستريت جورنال"، نقلاً عن مصادر لم تسمها في وزارة الخارجية الأميركية العام الماضي، فإن المسؤولين الأميركيين حذروا بشكل خاص شركات التكنولوجيا الأميركية، بما في ذلك غوغل وميتا ومايكروسوفت، من أن الكابلات البحرية في منطقة المحيط الهادئ قد تكون عرضة للتجسس من قبل سفن الإصلاح الصينية.
وفي مارس/آذار 2023، ذكر تقرير لرويترز أن لجنة "تيم تيليكوم"، وهي لجنة أميركية مشتركة بين الوكالات، كانت تعمل على منع أي كابل بحري من ربط الأراضي الأميركية مباشرة بالبر الرئيسي للصين أو هونغ كونغ، بسبب مخاوف بشأن التجسس الصيني.