دبّ النشاط مجدداً في شركات النفط الصخري الأميركي على خلفية طفرة أسعار الخام الأخيرة التي وصلت إلى أعلى مستوياتها في 3 سنوات، وتوقعات وصول سعر البرميل إلى 100 دولار حسب مؤسسات مالية دولية منها بنك "غولدمان ساكس" الاستثماري الأميركي.
وشهدت أسعار النفط الخام زخماً تصاعدياً خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول 2021، متجاوزة حاجز 80 دولاراً للبرميل للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات.
وكان هذا الارتفاع مدعوماً بتزايد الطلب في ظل سير الاقتصاد نحو التعافي على قدم وساق. وبالإضافة إلى ذلك، أدى الارتفاع القياسي لأسعار الغاز في عدة مناطق على مستوى العالم ونقص إمدادات الفحم إلى قيام شركات توليد الكهرباء بالتحول إلى الوقود القائم على النفط الخام لتوليد الطاقة الكهربائية، ما أسهم في تعزيز الطلب على النفط.
مع عودة سعر خام غربي تكساس لأكثر من 82 دولاراً للبرميل للمرة الأولى 2014، تستعد شركات النفط الصخري لزيادة الإنتاج من جديد في أكبر أحواض النفط الأميركية
وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يوم الأربعاء، إن سعر النفط قد يصل إلى 100 دولار للبرميل، مضيفاً أن موسكو وشركاءها في مجموعة "أوبك بلس" للدول المنتجة تسعى لتحقيق الاستقرار في السوق العالمية.
ومع عودة سعر خام غربي تكساس الأميركي لأكثر من 82 دولاراً للبرميل للمرة الأولى منذ عام 2014، تستعد شركات إنتاج النفط الصخري لزيادة الإنتاج من جديد في أكبر أحواض النفط الأميركية، أملاً في الاستفادة من انتعاشة الأسعار بعد مأساة انهيارها العام الماضي التي سبّبت إفلاس العديد من الشركات، وإيقاف الإنتاج لفترات ممتدة، فيما لم يفلس منها، إلا أن شركات التشغيل الخاصة، لا الشركات المتداولة في البورصة، هي التي تقود ثورة الإنتاج النفطي الصخري هذه المرة.
وعلى الرغم من التباطؤ المتوقع للاقتصاد الصيني، المستورد الأكبر للذهب الأسود، بفعل أزمة مديونية مطور العقارات "إيفرغراند" صاحب النشاط الأهم في الاقتصاد الصيني، كما متحورات الفيروس الآخذة في الانتشار، لم تتأثر موجة ارتفاع أسعار النفط إلا قليلاً، في إشارة إلى قوتها وطول المدى المتوقع استمرارها فيه.
ومع الارتفاعات الأخيرة لأسعار النفط، اتسعت الفجوة بين مكاسب سعر النفط الخام ونظيرتها لسعر النحاس لأكبر مستوياتها منذ عام 2002، كما وصلت لأعلى مستوياتها في 10 سنوات مع مؤشر سلة من المواد الخام، الأمر الذي أعاد التوقعات بإحياء صناعة النفط الصخري التي اقتربت العام الماضي من إسدال الستار على نشاطها في الولايات المتحدة.
ووصل إنتاج النفط الصخري بالولايات المتحدة إلى ذروته عند 13 مليون برميل يومياً في مارس/ آذار 2020، قبل أن ينخفض إلى 11.2 مليون برميل يومياً في مايو/ أيار من ذات العام.
"وول ستريت جورنال" تنتقد بايدن بسبب لجوئه إلى شركات النفط الصخري ودعوته لها بزيادة الإنتاج للحد من ارتفاع أسعار النفط، بعد أن كان يتهمها بتدمير الكوكب الذي نعيش فيه
والأسبوع الماضي، انتقد مجلس التحرير في مقال بجريدة "وول ستريت جورنال" الرئيس الأميركي جوزيف بايدن بسبب لجوئه إلى شركات النفط الصخري الأميركية ودعوته لها بزيادة الإنتاج للحد من ارتفاع أسعار النفط، بعد أن كان يتهمها العام الماضي بتدمير الكوكب الذي نعيش فيه.
وأظهرت نتائج أعمال الربع الثالث لأكبر البنوك الأميركية التي أُعلِنَت الأسبوع الماضي تحقيق أرباح فاقت التوقعات، مع اقتراب معدلات الإقراض من مستويات ما قبل ظهور الفيروس نهاية عام 2019، وهو ما يعني أن تلك البنوك ستكون مستعدة لفتح أبوابها لشركات النفط الصخري، شديدة الحاجة إلى الاقتراض، لمقابلة الطلب القوي المتوقع على إنتاجها في غرب تكساس وجنوب شرق نيو مكسيكو.
ومع استقرار أحواض إنتاج النفط الصخري الرئيسية الأخرى في الولايات المتحدة أو انخفاضها، من غير المحتمل أن يؤدي النمو المرتفع في حوض برميان إلى إغضاب أعضاء منظمة أوبك بالتسبب في انهيار جديد في الأسعار، على النحو الذي شهدناه العام الماضي. ويقول راؤول لوبلانك، محلل الأسواق في HIS Markit Ltd: "إنه مكسب لشركات إنتاج النفط الصخري الخاصة، دون أن يكون خسارة لأسواق النفط العالمية"، موضحاً أن النقطة الأساسية هي أن "نمو الشركات الخاصة لن يفسد احتفال الأسواق بارتفاع الأسعار".
وفيما يرى بعض المحللين التوازن الحالي في سوق إنتاج النفط ضعيفاً، ويمكن أن يتغير بسرعة إذا استمرت أسعار النفط في الارتفاع، ومع زيادة الطلب على النفط خلال الفترة الحالية، خاصة مع الحاجة الشديدة لإمداد أوروبا وآسيا المتعطشتين للوقود، تتراجع الضغوط التنافسية بين الموردين، وتتلاشى احتمالات انهيار الأسعار التي يخشاها الأميركيون حالياً أكثر من المنتجين الآخرين.
وكان نمو إنتاج الولايات المتحدة قوياً للغاية خلال العقد الماضي، الأمر الذي مكنها من الاستحواذ على حصة سوقية كبيرة من "أوبك" وحلفائها، ليضطر التكتل وقتها إلى الانخراط في حروب سعرية شاملة خلال عامي 2014 و2020، وصلت بسعر النفط إلى أرقام سلبية (المنتج يدفع لمن يشتري) في بعض اللحظات، بينما استقرت لفترات غير قصيرة عند مستوى 20 دولاراً للبرميل.
ورغم الظروف الحالية الداعمة لتوسع شركات إنتاج النفط الصخري، لا يبدو أن تلك الشركات ستتحلى بالقدر نفسه من الجرأة الذي كانت عليه العام الماضي، بعد الكم الهائل من الإفلاسات والخسائر التي حدثت في عام 2020
وتشير توقعات رايستاد إنرجي Rystad Energy، مركز أبحاث الطاقة النرويجي المستقل، إلى زيادة الإنتاج من حوض بيرميان، أكبر الأحواض الأميركية، ليصل إلى أعلى مستوياته قبل الوباء عند 4.9 ملايين برميل يومياً قبل نهاية الشهر الحالي، مع استمرار الارتفاع بشكل مطرد خلال العام التالي 2022. ولدى حوض بيرميان مزايا تنافسية واضحة مقارنة بأحواض الولايات المتحدة الأخرى بسبب انخفاض نقطة التعادل التي تتحول بعدها العمليات للربحية، بالإضافة إلى معدلات الإنتاجية العالية.
وفي أحدث تقاريره لتحليل سوق النفط الصخري الأميركية، قال مركز الأبحاث إنه على الرغم من ارتفاع الأسعار الذي يخلقه احتمال عدم قدرة العرض على مقابلة الطلب الحالي، فإن "العرض الأميركي سيزداد بشكل هامشي هذا الصيف، ولن يكون قريباً من سد الفجوة التي قد يخلقها تقاعس "أوبك+" عن العمل. وإذا اتبع مشغلو النفط الصخري في الولايات المتحدة إشارة السعر وقرروا زيادة الإنتاج، فسيستغرق الأمر تسعة أشهر على الأقل لملاحظة زيادة ذات قيمة في المعروض".
وأكد التقرير أن زيادة الإنتاج تنطوي على مخاطر كبيرة بسبب التقلبات التي تحيط بالطلب على النفط ومسارات الأسعار.
ورغم الظروف الحالية الداعمة لتوسع شركات إنتاج النفط الصخري، لا يبدو أن تلك الشركات ستتحلى بالقدر نفسه من الجرأة الذي كانت عليه العام الماضي، بعد الكم الهائل من الإفلاسات والخسائر التي حدثت في عام 2020.
وفي حوار على محطة بلومبيرغ للأنباء، أشار سكوت شيفيلد، الرئيس التنفيذي لشركة بايونير ناتشرال ريسورسز Pioneer Natural Resources ومقرها ولاية تكساس الأميركية، إلى أن منتجي النفط الصخري في أميركا قد لا يتجهون إلى تمويل عمليات حفر جديدة لزيادة الإنتاج، وأنهم سيستخدمون ما لديهم من سيولة نقدية وافرة حالياً في تعويض المساهمين.
ويقول شيفيلد إن "على الشركات أن تنضبط، بغضّ النظر عن وصول السعر إلى 75 دولاراً، 80 دولاراً، أو 100 دولار لخام برنت"، مؤكداً أن "جميع" المساهمين الذين تحدث إليهم توعدوا الشركات التي تسعى للتوسع من جديد بعقاب شديد. وتنتج بايونير حالياً ما يقرب من 360 ألف برميل من النفط يومياً، تضعها في مقدمة الشركات المنتجة من حوض برميان، وتسبق بها بعض البلدان الصغيرة في تكتل أوبك.
وتوقعت رايستاد إنرجي أن تستحوذ الشركات الخاصة على نصف الزيادة في الإنتاج المتوقعة خلال عام 2022، وهو ما بدأت علاماته في الظهور بالفعل.
ووفقاً لوكالة بلومبيرغ، ومباشرةً بعد شركة بايونير ناتشرال ريسورسز، التي تعد أكبر شركات إنتاج النفط الصخري حالياً بـ 24 منصة حفر ويجري تداول أسهمها بالبورصة، تأتي شركة موبورن Mewbourne الخاصة بـ 17 منصة، التي أسسها ضابط الجيش السابق كورتيس موبورن عام 1965، متقدمة على شركتي إكسون موبيل وشيفرون، عملاقي إنتاج النفط.
أما شركة إنديفور Endeavor Energy Resources، المملوكة للملياردير الثمانيني أوتري ستيفنس، وشركة كراون Crown Quest Operations المملوكة للملياردير تيم دان، الداعم الشهير للحزب الجمهوري، فتعملان معاً على تشغيل أربع عشرة منصة.
ولا يعد توسع شركات النفط الصخري الخاصة السبب الوحيد لارتفاع نصيبها من الإنتاج الأميركي، حيث تترد الشركات ذات الملكية العامة، أو التي يجري تداول أسهمها في البورصة، في استئناف إنفاقها الرأسمالي في الصناعة ضعيفة العوائد وشديدة المخاطرة، بعد عقد كامل من الاستثمار، انتهي بكارثة العام الماضي.
وتهتم تلك الشركات في الوقت الحالي بسداد الديون وتحويل الأرباح إلى المساهمين من خلال توزيعات الأرباح، كما عمليات إعادة شراء الأسهم، بدلاً من الاستثمار في آبار جديدة.