- في مارس 2024، ارتفعت بيتكوين مجددًا إلى 74 ألف دولار ثم هبطت بـ10%، مما أثار تساؤلات حول كون هذه التحركات تصحيحًا أو فقاعة، خصوصًا مع دخول صناديق استثمارية كبرى للسوق.
- تواجه بيتكوين تحديات تشمل التقلبات السعرية والتحديات التنظيمية، مع توقعات بمزيد من الهبوط. ومع ذلك، يعتبر استمرارها وتوسع قاعدة مستخدميها إنجازًا، رغم عدم وجود ضمانات مؤسسية.
في نهاية عام 2020 انتشرت توصيات من خبراء ماليين تشير إلى أن عملة بيتكوين الرقيمة "قادمة بقوة، ومن الخطأ الوقوف في وجهها"، وأنها ستشهد ازدهاراً كبيراً، مدفوعة بطلب يفوق المعروض في السوق، ما يجعلها استثماراً جذاباً في عام 2021، بالأخص للراغبين في المخاطرة.
وبالفعل، ارتفع سعر بيتكوين إلى نحو 69 ألف دولار، محققاً الذروة في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، لتبدأ رحلة الهبوط ملامسة القاع في نهاية عام 2022 بنسبة انخفاض قاربت الـ77%.
يرتفع السعر بنسب كبيرة وينخفض بذات الطريقة، وهو ما يثير جدلاً في الأوساط الاقتصادية مع كل رحلة صعود وهبوط، ويكفي القول إن القيمة السوقية للعملات المشفرة قد هوت من نحو 2.2 تريليون دولار في مطلع عام 2022 إلى نحو 800 مليار دولار في نهاية ذات العام.
في عام 2021 صعد السعر إلى 65 ألف دولار، وهبط بنسبة 55% وعاد ليصعد في نفس العام إلى 69 ألف دولار، ومن ثم بنسبة 74%
عاد الجدل مجدداً بعد صعود سعر بيتكوين إلى نحو 74 ألف دولار في 13 مارس 2024، في سياق رحلة مثيرة صعد خلالها بمعدل 70% خلال ثلاثة أشهر من العام الحالي، وسط تنامي الطلب على الصناديق المتداولة في البورصة الأميركية، قبل أن يعاود الهبوط بنسبة 10% ويتداول عند 63 ألف دولار. فهل هو تصحيح أم فقاعة أخرى؟
أكبر تخارج للأموال من العملة الرقمية
ازداد حماس المتداولين مع دخول صناديق استثمارية كبرى إلى سوق العملات المشفرة، مثل "بلاك روك" و"فيديليتي" و"غرايسكيل بتكوين ترست" بداية العام الحالي، واستطاعت جمع استثمارات صافية بقيمة 11.4 مليار دولار، وعدّت من بين أكثر الصناديق نجاحاً في انطلاقها وسط فئة الصناديق المتداولة في البورصة التي تتبع مؤشراً معيناً.
ونتيجة للصخب الذي رافق دخول تلك الصناديق إلى السوق، ارتفعت شهية الأفراد والمؤسسات للاستثمار، وهو ما يُعزى إليه صعود سعر بيتكوين خلال فترة قصيرة تجاوز خلالها قمة عام 2021 وحقق قمة جديدة.
لكن سرعان ما بدأت تلك المشاعر الحماسية بالتلاشي، جراء تخارج 10 صناديق تداول في البورصة تتعامل مباشرة في بيتكوين. فعلى مدار ثلاثة أيام، شهدت الأسواق أكبر تخارج للأموال منذ بداية عمل تلك الصناديق في كانون الثاني الماضي. وبلغ صافي الأموال الخارجة من تلك الصناديق حوالي 740 مليون دولار بعد تصفية العمليات الشرائية، وهو ما أدى إلى تسريع وتيرة هبوط قيمة بتكوين بنسبة 10% وإثارة مخاوف في السوق من احتمال الهبوط أكثر.
تؤكد التحليلات من بنك "جي بي مورغان" على احتمالية مواجهة العملات الرقمية مزيداً من الهبوط، خاصة مع اقتراب حدث "تنصيف بيتكوين" الذي من المتوقع أن يخفض الإمداد بالعملة ويؤثر سلباً على سعرها.
وتوقع البنك هبوط السعر إلى 42 ألف دولار في إبريل/نيسان القادم. (تنصيف بيتكوين هو حدث يحدث تقريبًا كل 4 سنوات، حيث يتنافس معدّنو العملة الرقمية لحل مسائل رياضيات معقدة والتحقق من الكتل على بلوكتشين بيتكوين).
تؤكد التحليلات من "جي بي مورغان" على احتمالية مواجهة العملات الرقمية مزيداً من الهبوط، خاصة مع اقتراب حدث "تنصيف بيتكوين"
ويشير أحد التحليلات التقنية أيضاً إلى عدم دخول ذات الزخم المالي إلى السوق كما حصل في عام 2021، وهو أحد مؤشرات ضعف القوة الدافعة لمواصلة الصعود، ففي عام 2021 كان هناك 4 آلاف محفظة تصل إلى مستوى مليون دولار يومياً، في حين وصل أعلى مستوى شهدته السنة الحالية 2024 إلى نحو 1691 محفظة بداية شهر مايو/أيار.
فيما يبدو أن العام الحالي يتخذ الكثير من المليونيرات وشركات المضاربة موقفاً متحفظاً للاستثمار في بيتكوين وضخ الأموال في السوق وعدم التأكد فيما إذا كان الصعود مستداماً أم لا، على خلاف عام 2021 عندما كانت شهية الاستثمار والمخاطرة عالية.
من جانب آخر، ازدادت نسبية البيوع لخيارات بيتكوين التي تنتهي صلاحيتها في 29 مايو، وهو ما أدى إلى ارتفاع نسبة البيع على الشراء، ما يشير إلى توقعات بهبوط سعرها، حيث تتركز أسعار هذه العقود بين 45 إلى 50 ألف دولار.
هل تشبه فقاعة 2021؟
نمت سوق العملات الرقمية على فقاعات عديدة حصلت خلال العقد الماضي، ففي عام 2011 بلغ سعر بيتكوين 8 دولارات، ووصل في عام 2017 إلى 20 ألف دولار، وانخفض بنسبة 85% إلى 3250 دولارا، وصعد في عام 2019 إلى 13600، قبل أن يعاود الهبوط بنسبة 72% إلى 3900 دولار.
وفي عام 2021 صعد السعر إلى 65 ألف دولار، وهبط بنسبة 55% وعاد ليصعد في نفس العام إلى 69 ألف دولار، ومن ثم بنسبة 74% إلى 15600 دولار، ومن هذا السعر بدأت رحلة الصعود لتلامس خلال شهر آذار 2024 نحو 74 ألف دولار، أي ارتفاع بنسبة 374%، وانعكس السعر هابطاً بنسبة 10%، ليثير المخاوف بانفجار الفقاعة!
في حال صحّت التوقعات بانخفاضه إلى حدود 45 ألف دولار سيكون بيتكوين حقق هبوطاً بواقع 48% من قمة آذار، ليُعتبر هذا الهبوط بمثابة "انفجار فقاعة" بالنسبة لبعض المحللين، في حين ينظر إليه آخرون على أنه تصحيح طبيعي قبل الصعود مجدداً.
يتميز 2024 بتحديات تتعلق بارتفاع معدلات التضخم، والذي وُضع تحت السيطرة مع رفع معدلات الفائدة إلى مستويات قاربت الـ5.5%
عند المقارنة بين الظروف الاقتصادية في عام 2021 وعام 2024، نلحظ تباينات مهمة في القوة الدافعة التي أدت إلى صعود بيتكوين. وخلال عام 2021 كانت الحزم التحفيزية الأميركية، بقيمة تقارب 5 تريليونات دولار والموجهة لمعالجة آثار جائحة كورونا، الدافع الرئيسي للصعود الكبير في الأسواق.
ساهمت هذه الإجراءات في إثارة مخاوف المستثمرين حول إمكانية ارتفاع التضخم، ما دفع الأفراد إلى التحوط عبر الاستثمار في بيتكوين بعد الترويج الكبير الذي حظي به في ذلك العام، مع دخول مليارديرات ورؤوس أموال كبيرة إلى السوق عزز من عمليات المضاربة بشكل كبير.
في المقابل، يتميز عام 2024 بتحديات تتعلق بارتفاع معدلات التضخم، والذي وُضع تحت السيطرة مع رفع معدلات الفائدة إلى مستويات قاربت الـ5.5%، ومن ثم هناك الانتعاش في أسواق الأسهم الأميركية، ما يشير إلى عدم تخارج الأموال من الأسهم.
في ظل التباين الاقتصادي بين الفترتين، يبقى السؤال: هل يمكن اعتبار الارتفاع الأخير في قيم بيتكوين أشبه بفقاعة قد تنفجر في المستقبل؟
عادة ما تعرّف الفقاعة في الأسواق المالية بأنها تقييم مبالغ فيه لأصل أو ورقة مالية بشكل يفوق قيمتها الحقيقية، وذلك نتيجة للتفاؤل المفرط، والطلب المتزايد، والسيولة النقدية العالية التي تفضي إلى زيادة المضاربات.
وفي سياق العملات الرقمية، يضاف إلى هذه العوامل، الإيمان السائد بأن أسعارها ستواصل الارتفاع بلا حدود، نظراً لعرضها المحدود والدعاية الإعلامية عبر شبكات التواصل الاجتماعي التي تعزز الطلب وتجذب المزيد من المستثمرين.
لا شك أن الارتفاع بنسبة 190% خلال عام 2023 يعد ارتفاعاً كبيراً ومبالغاً فيه ضمن معايير الأسواق المالية، ولا شك أيضاً أن ارتفاعاً على مدار ثلاثة أشهر ابتداءً من العام الحالي بنسبة 80% يعد ارتفاعاً مبالغاً فيه أيضاً، وكلاهما فقاعة، ستنفجر في أي لحظة.
الارتفاع بنسبة 190% خلال 2023 يعد ارتفاعاً كبيراً ومبالغاً فيه، ولا شك أيضاً أن ارتفاعاً على مدار ثلاثة أشهر ابتداءً من 2024 بنسبة 80% يعد ارتفاعاً مبالغاً فيه أيضاً
ومع ذلك ورغم كل التقلبات في قيمة بيتكوين، يرى البعض أن استمراريتها فوق الصفر وحفاظها على وجودها وتوسيع قاعدة مستخدميها يعتبران إنجازاً للقطاع الرقمي بأكمله، على الرغم من عدم وجود ضمانات مؤسسية أو قواعد تنظيمية صريحة. حيث تجاوز بيتكوين العديد من التحديات التنظيمية والقانونية، ولا يزال ينافس العملة الورقية على كل ما فيه من ملاحظات.
بقي أن أشير إلى أن لكل سوق مالي خصائصه وطبيعته، ومع الارتفاعات المتكررة في سوق العملات الرقمية أعتقد أنه علينا أن ننحت مصطلحات تقنية جديدة تتناسب مع الارتفاع والهبوط الحاد تعبّر عن خواص هذه السوق، وأن التقلبات الحالية ما هي إلا جزء لا يتجزأ من نموذج نمو بيتكوين على المدى الطويل، فربما "من الخطأ الوقوف في وجهها" كما ذكر أحد المحللين.