قالت مصادر غربية إن الشركات المالية الكازاخستانية تعكف هذه الأيام على شراء ديون الحكومة الروسية بحسم كبير من المستثمرين الدوليين الذين استثمروا بكثافة في السندات الحكومية الروسية قبل غزو أوكرانيا وباتوا غير قادرين على الخروج من مأزق الدين الروسي بسبب العقوبات الغربية على المصارف والمؤسسات المالية الروسية.
وتقدر شركة " غلوبال إيكونومك داتا" الأميركية، أن الديون الروسية بلغت 434.1 مليار دولار في نهاية سبتمبر/أيلول من العام الجاري مقارنة بحجمها قبل الغزو البالغ 469.3 مليار دولار.
وفي ذات الصدد، ذكرت بيانات بنك التسويات الدولية أن البنوك الفرنسية تمتلك حوالي 4.5 مليارات دولار من السندات الحكومية الروسية، فيما يمتلك مقرضون أميركيون 3.8 مليارات دولار، ومقرضون نمساويون 3.2 مليارات دولار، ومقرضون إيطاليون 2.6 مليار دولار، وبنوك بريطانية 520 مليون دولار.
ووفق تقديرات وكالة "موديز" العالمية للتصنيف الائتماني فإن المستثمرين الأجانب يمكنهم الحصول على ما يصل إلى ثلثي قيمة السند الروسي فقط، وهو ما يعني تكبد خسائر فادحة.
وحسب وكالة بلومبيرغ، الأميركية فقد نفذت بنوك كازاخستانية في الشهور الأخيرة صفقات شراء للأوراق المالية الحكومية الروسية من مستثمرين أجانب بما في ذلك سندات الديون الفيدرالية التي أصدرتها الحكومة الروسية ويطلق عليها في أسواق المال الغربية "أو أف زد".
وحتى تتفادى الشركات الغربية الحاملة للسندات الروسية شراك العقوبات المالية الغربية المفروضة على روسيا والخسائر الكبيرة الناجمة عن ذلك فقد لجأت إلى حيلة تسجيل سندات الدين الروسية في غرفة المقاصة بكازاخستان. وكازاخستان من الدول التي لا تخضع للعقوبات الغربية ولديها علاقة قوية مع روسيا. وبالتالي تمكنت الشركات الغربية من المتاجرة في الدين الروسي على أساس أنه أداة كازاخستانية وإن كان ذلك بخسائر لم يكشف عنها بعد.
وتتيح عملية شراء السندات الروسية عبر هذه الحيلة مكاسب كبيرة للشركات الكازاخستانية، كما أنها في ذات الوقت تتيح مخرجاً للشركات الغربية التي تحمل سندات دين روسية تقدر قيمتها بمليارات الدولارات. وتمنع العقوبات الغربية على روسيا وعلى مؤسساتها المالية والبنوك والشركات الغربية الاستثمار في سوق السندات والأسهم الروسية.
وفي منتصف يونيو/حزيران الماضي قررت وزارة الخزانة الأميركية منع المستثمرين الأميركيين من شراء جميع السندات والأسهم الروسية، في إطار زيادة العقوبات ضد موسكو على خلفية غزو أوكرانيا. ووفقًا للقرار، يمكن للمستثمرين الأميركيين حالياً الاحتفاظ بالأوراق المالية الروسية أو بيعها أو نقلها.
وتستخدم هيئة سوق المال الكازاخستانية أسعار السندات في السوق الروسية كمؤشر لتحديد أسعار السندات ومعدل الحسومات وما إذا كان بإمكان الشركات تسجيل أرباح رأس المال في دفاترها. ويُذكر أن سوق المال الروسية تعافت من الخسائر الضخمة التي تكبدتها في الشهور الأولى من الغزو، وفقاً لبيانات بورصة موسكو، مما يشير إلى أن المستثمرين الكازاخستانيين لا يتوقعون خسائر من عملية المتاجرة في الديون الروسية.
وحسب بيانات بلومبيرغ، فإن العديد من البنوك الغربية تبيع سندات الدين في السوق الروسي، ولكن هيئة ٍسوق المال الكازاخستانية لم تدل ببيانات حول طبيعة الوسطاء. وقالت الهيئة، إنه لا يمكنها الكشف عن معلومات حول تسجيلات الوسطاء المحليين للسندات الروسية.
لكن خبراء يقولون إن حجم سندات "اليوروبوندز"، أي سندات الدين التي أصدرتها روسيا بالدولار وأدوات الدين الفيدرالية المسجلة التي أصدرتها وزارة الخزانة الروسية تضاعفت في السوق الكازاخستانية. وقدرت قيمتها بنحو 800 مليون دولار تقريباً حتى بداية نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي. وجاء أكبر ارتفاع في تسجيلات المبيعات في سبتمبر/أيلول الماضي عندما قفزت من 13 إلى 33 إصداراً، حسبما ذكر وسيط في المآتا لوكالة بلومبيرغ في رد عبر البريد الإلكتروني.
ويستطيع الكازاخستانيون بدون صعوبة المتاجرة في سوق الاقتراض بالروبل الروسي لأن بلادهم حافظت على علاقاتها المالية والتجارية مع موسكو، رغم أنها رفضت دعم الحرب أو الاعتراف بضم الأراضي الأوكرانية.
وعلى الرغم من الحسومات التي يمنحها المستثمرون الأجانب للوسطاء في كازاخستان فإنهم يشعرون بأنهم تخلصوا جزئياً من حمل سندات حكومية مقومة بالروبل لم تعد تدفع لهم أية فوائد خارج روسيا. ويرى محللون أن البيع يعني لهم أنه يمكنهم استعادة بعض القيمة من الديون الروسية على الأقل.
وتخلفت روسيا عن سداد سنداتها الحكومية الخارجية في نهاية يونيو الماضي بسبب العقوبات الغربية على مؤسساتها التي حظرت عليها التعامل في الدولار واستخدام قنوات الدفع للدائنين الأجانب. وقالت موسكو وقتها إن لديها المال والرغبة في تسديد السندات لحامليها بالعملة الروسية.
ويرى محللون أن الشركات الكازخستانية التي نفذت مشتريات السندات الروسية ربما ستحصل على أرباح كبيرة في ظل الأداء الاقتصادي الروسي الحالي.
ووفقاً لبيانات معهد ويلسون الأميركي للدراسات، أدى الانخفاض الحاد في الواردات وحظر الصادرات من العملات الأجنبية في روسيا واشتراط قيام المصدرين ببيع أرباحهم من العملات الأجنبية إلى ارتفاع حاد في قيمة الروبل، بينما تمكنت البنوك والشركات الروسية، عبر مساعدة الدولة، من الصمود أمام العقوبات الغربية الصارمة.
وحسب معهد ويلسون، أثبتت العقوبات المفروضة على الصادرات الروسية أنها غير فعالة على المدى القصير لأن أسعار الطاقة المرتفعة استمرت في دعم الخزينة الروسية. على الصعيد الاقتصادي، يرى معهد ويلسون الأميركي للدراسات ان الاقتصاد الروسي نجح في مواجهة الحرب والعقوبات.