تذهب مديرة صندوق الدولي، كريستالينا غورغييفا، إلى أن التعافي من الصدمات التي شهدتها السنوات القليلة الماضية لا يزال مستمراً، لكنه تعاف بطيء وغير متوازن، معتبرة أن الضرر الأكبر يقع على البلدان منخفضة الدخل، في سياق متسم باتساع فجوة التباعد في حجم الثروات الاقتصادية.
مديرة صندوق النقد الدولي، التي كانت تتحدث مساء أمس الخميس بأبيدجان في ساحل العاج، في ندوة حضرها رئيس البلاد الحسن واتارا، كشفت عن أن التوقعات التي ستصدرها المؤسسة المالية الدولية الأسبوع المقبل سيتضح منها أن الوتيرة الحالية للنمو العالمي ضعيفة للغاية.
وأوضحت غورغييفا، في كلمة لها تحت عنوان "بناء الجسور نحو نمو قوي في المستقبل"، قبل أربعة أيام من انعقاد الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في مراكش بالمغرب، أن تلك التوقعات سجلت تراجعاً كبيراً عن متوسطها البالغ 3.8% خلال العقدين السابقين على الجائحة، مؤكدة أن توقعات النمو تشهد المزيد من الانخفاض مستقبلاً على المدى المتوسط.
غير أنها ترى أن هناك فروقاً صارخة في ديناميكيات النمو، فالزخم القادم من الولايات المتحدة يتزايد، وتبرز نقاط مضيئة في الهند واقتصادات صاعدة، غير أن التباطؤ يسمم معظم الاقتصادات المتقدمة، التي تأتي في مقدمتها الصين.
واعتبرت غورغييفا أن التشرذم الاقتصادي ينذر بمزيد من التراجع في آفاق النمو، لا سيما في الاقتصادات الصاعدة والنامية، بما في ذلك في أفريقيا.
ويفضي ذلك، في نظرها، إلى اتساع فجوة التباعد في حجم الثروات الاقتصادية بين مختلف مجموعات البلدان وداخلها، وهو واقع ترده جزئياً إلى ما سمته "الآثار الاقتصادية الغائرة".
وتحيل على تقديرات صندوق النقد الدولي، الذي اعتبر أن خسائر الناتج العالمي التراكمية إثر الصدمات المتتالية منذ عام 2020 تصل إلى 3.7 تريليونات دولار أميركي حتى عام 2023، غير أنها تلاحظ أن الخسائر تتوزع على نحو غير متكافئ عبر البلدان، موضحة أن الناتج لم يعد إلى مسار ما قبل الجائحة سوى في الولايات المتحدة الأميركية دون غيرها من الاقتصادات الكبرى.
ولاحظت أنه يقع على البلدان منخفضة الدخل الضرر الأكبر على الإطلاق، بسبب قدرتها المحدودة للغاية على وقاية اقتصاداتها ودعم أكثر الفئات ضعفاً.
وردت التباعد بين البلدان إلى الفروق في الحيز المتاح أمام السياسات والأساسيات الاقتصادية الكلية، ومدى الاعتماد على واردات الوقود والغذاء، ونصيب السلع مقابل نصيب الخدمات في الاقتصاد، ودور التجارة، وزخم الإصلاحات، وتأثير الحرب في أوكرانيا على التضخم.
وأضافت: "تلك عوامل مؤثرة على اختيار السياسات في البلدان وأدائها الاقتصادي"، مشددة على أن ذلك يؤدي بدوره إلى مزيد من الاختلافات بين توجهات البلدان.
وفي تناولها للتعاطي مع هذه الوضعية، تعتبر كريستالينا غورغييفا أن الفوز في الحرب على التضخم يقتضي الاستمرار في رفع أسعار الفائدة لفترة أطول، موصية بتجنب تيسير السياسات قبل الأوان، في ظل خطر تجدد النوبات التضخمية. وأشارت إلى أن العالم يواجه مخاطر جسيمة على جانب المالية العامة، معتبرة أنه بغية التأهب لصدمات الغد وتنفيذ الاستثمارات الحيوية، يتعين على البلدان إعادة بناء الحيز اللازم في ميزانياتها لضمان حرية التصرف.
ويعني ذلك، في نظرها، تشديد سياسة المالية العامة التي من شأنها أن تدعم السياسة النقدية أيضاً، حيثما لا تزال الضغوط التضخمية قوية، مؤكدة أن مكامن الخطر كثيرة، وأن الصدمات التي عرفها العالم في الأعوام الأخيرة أفضت إلي زيادة أعباء الدين في العديد من البلدان، بما في ذلك في أفريقيا.
وسجلت أن ذلك أدى إلى تقلص أو نفاد الحيز المالي المتبقي، إلى جانب تزايد تكلفة خدمة الدين، ليضع العديد من الحكومات أمام قرارات صعبة، ما يعني في تصورها تحديد أولويات الإنفاق، وإعلان خطط مالية عامة واضحة على المدى المتوسط لبناء المصداقية وخفض مستويات الدين.
وأوصت غورغييفا بضرورة إرساء الأسس اللازمة لنمو مستدام يحتوي الجميع، من خلال إصلاحات تحولية، وبناء مؤسسات عامة قوية.