كيف يموّل جيش الاحتلال الإسرائيلي حروبه؟

25 سبتمبر 2024
دخان يتصاعد خلال القصف الإسرائيلي على قرية الخيام، جنوب لبنان، (ربيع ضاهر/فرانس برس)
+ الخط -

بينما تقترب حرب الإبادة التي يشنها جيش الاحتلال على غزة والأراضي الفلسطينية من إتمام عامها الأول، فوجئنا بمد إسرائيل ذراعها القذرة نحو الشمال، باتجاه جنوب لبنان، في غارات دموية، تفتح جبهة جديدة للقتال، تسببت حتى مساء الاثنين في وفاة أكثر من 500 لبناني، وأصابت أكثر من 1600 آخرين، فهل تستطيع تل أبيب تحمل التكلفة المادية لتلك الحروب؟
وفقًا لمحافظ بنك إسرائيل المركزي أمير يارون، تُقدّر التكلفة الاقتصادية للحرب على غزة وحدها حتى عام 2025 بنحو 67 مليار دولار. ويتضمن هذا الرقم النفقات العسكرية والمدنية، حيث يشمل قرابة 32 مليار دولار مخصصة لاحتياجات الدفاع، بينما سيتم توجيه عشرة مليارات دولار لنواحٍ مدنية، بما في ذلك توفير المأوى لعشرات الآلاف من الإسرائيليين الذين اضطروا لمغادرة منازلهم في المناطق الجنوبية والشمالية.

وإلى جانب ذلك، تُقدّر الخسائر في الإيرادات الضريبية بنحو تسعة مليارات دولار، بينما ستتحمل إسرائيل تكاليف مباشرة أخرى تصل إلى ستة مليارات دولار نتيجة الدمار الذي ألحقته الحرب بالبنية التحتية. ومن جهة أخرى، تسببت الحرب على غزة في انكماش الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة تصل إلى 20% في الربع الأخير من عام 2023، واستمر تأثيرها في تهديد النمو الاقتصادي لعام 2024، وفقاً لتقديرات حكومية من دولة الاحتلال.
وتعتمد إسرائيل في تمويل حروبها، بما في ذلك الاعتداءات الأخيرة على غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان، على ميزانيتها العسكرية المحلية الممولة من الضرائب، ومن الدعم الخارجي الكبير القادم من الولايات المتحدة، بالإضافة إلى تطوير صناعتها الدفاعية المتقدمة.

الميزانية الحكومية

في عام 2024، خصصت إسرائيل نحو 25.9 مليار دولار من ميزانيتها للدفاع، وهو ما يمثل 14% من الإنفاق الحكومي في دولة الاحتلال. ويغطي هذا التمويل تكاليف حروب الجيش الإسرائيلي الحالية، بما في ذلك رواتب الجنود والضباط، وموظفي الحكومة، وعمليات الصيانة، والمعدات العسكرية. وخلال الحروب، يمكن أن يزداد الإنفاق الدفاعي كثيراً، فعلى سبيل المثال، في حرب غزة 2014، بلغت تكلفة العملية العسكرية وحدها 2.9 مليار دولار، وهو ما اضطر الحكومة إلى زيادة الإنفاق لتعويض النقص في المعدات وتجديد الترسانة العسكرية.
 

الدعم العسكري الخارجي من الولايات المتحدة

تلعب الولايات المتحدة دورًا كبيرًا في تمويل القدرات العسكرية الإسرائيلية. ففي عام 2016، وقعت إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما على أكبر اتفاقية مساعدات عسكرية في تاريخ الولايات المتحدة مع إسرائيل. وبموجب تلك الاتفاقية، تقدم الولايات المتحدة لإسرائيل 3.8 مليارات دولار سنويًا حتى عام 2028، ويُستخدم جزء كبير من هذا الدعم لشراء أسلحة وأنظمة دفاع متقدمة من الشركات الأميركية.

وبالإضافة إلى ذلك، في حالات الطوارئ العسكرية، تقدم الولايات المتحدة تمويلات إضافية لمساعدة إسرائيل، على النحو الذي شهدناه منذ السابع من أكتوبر من العام الماضي. وعلى سبيل المثال، وخلال الحرب على غزة في العام 2014، وافق الكونغرس على تقديم 225 مليون دولار إضافية لتمويل نظام الدفاع الصاروخي "القبة الحديدية"، الذي أثبت فعاليته في اعتراض الصواريخ التي تطلق على دولة الاحتلال.

صناعات الدفاع الإسرائيلية

تمتلك إسرائيل واحدة من أكثر الصناعات الدفاعية تقدمًا في العالم، في شركات مثل إلبيت سيستمز ورفائيل التي تنتج مجموعة واسعة من الأسلحة، ومنها الطائرات بدون طيار، وأنظمة الدفاع الصاروخي، والتي تقوم ببيعها للعديد من الدول. وفي عام 2022، صدرت إسرائيل ما قيمته 11.3 مليار دولار من المعدات العسكرية، مما يجعلها واحدة من أكبر مصدري الأسلحة في العالم. وتستخدم إسرائيل جزءًا من هذه الإيرادات لتعزيز قدراتها الدفاعية وتحديث أنظمتها العسكرية.
 

إصدار السندات الحكومية

وعند اشتعال الأمور، ومع توحش تحركات جيش الاحتلال في الأراضي المحتلة، وضد الجهات الداعمة للمقاومة الفلسطينية، تلجأ الحكومة الإسرائيلية إلى إصدار سندات حكومية لتأمين التمويل اللازم. ويُقدر أن إسرائيل أصدرت سندات بقيمة 5.7 مليارات دولار خلال حربها على غزة في 2014 لتمويل العمليات العسكرية. وفي أوائل عام 2024، جمعت حكومة الاحتلال ثمانية مليارات دولار من خلال إصدار سندات متعددة الآجال في الأسواق الدولية، حيث تم استخدام الأموال التي جمعت لسد عجز الموازنة، بما في ذلك الدفاع والنفقات العامة، وسط ضغوط مالية متزايدة ناتجة عن استمرار الحرب كل هذه الفترة.
 

التبرعات والدعم من الشتات اليهودي إلى الاحتلال

وتلعب الجاليات اليهودية في الولايات المتحدة وأوروبا دورًا مهمًا في دعم إسرائيل ماليًا، خاصة خلال فترات اشتعال النزاعات. وتشير التقديرات إلى أن التبرعات من الشتات اليهودي تصل إلى 1.5 مليار دولار سنويًا، تستخدم في دعم المشاريع التنموية والعسكرية في البلاد. ‏ويلاحظ أن هذا الدعم لا يقتصر فقط على التبرعات المالية، بل يشمل أيضًا تبرعات عينية، مثل المعدات الطبية والإمدادات اللازمة للجيش والمجتمعات المتضررة.
 

التكنولوجيا والتعاون الاستخباري

وتعتمد إسرائيل على تفوقها التكنولوجي والتنسيق الاستخباري مع الدول الكبرى، خاصة الولايات المتحدة، لتقليل تكاليف الحروب.

ويساعد التعاون الاستخباري بين إسرائيل وحلفائها على توقع التهديدات وتوجيه الضربات بشكل أكثر فعالية، مما يقلل من التكاليف العسكرية المباشرة.
‏تعتمد إسرائيل بشكل كبير على الدعم الأميركي في جوانب متعددة، بما في ذلك المساعدات العسكرية، والاقتصادية، والدبلوماسية، والاستخبارية. وتعد الولايات المتحدة الحليف الأهم لإسرائيل، الذي يسعى دائمًا لضمان تفوقها الاستراتيجي، منذ تأسيسها في المنطقة. هذا التحالف القوي يجعل من الصعب توقع إفلاس إسرائيل طالما استمر هذا الدعم الأميركي، حتى في حال تعرض ‏دولة الاحتلال لأزمات اقتصادية، حيث تمثل المساعدات، كما التعاون المستمر مع الولايات المتحدة، شبكة أمان اقتصادية وسياسية تحافظ على استقرار الدولة العبرية.
‏ولكن المشكلة ليست في استمرار المساندة الاقتصادية الأميركية لدولة الاحتلال، ‏وإنما في حقيقة أن الدول العربية يمكنها توفير دعم مادي مماثل للفلسطينيين وللقضية الفلسطينية، ‏إلا أن هذا الأمر للأسف بعيد كل البعد عن واقعنا هذه الأيام، ولا يمكن رؤيته إلا في أحلامنا.

المساهمون