لبنان عالق بين أنقاض الحرب... و30 مليار دولار تكلفة إعادة الإعمار

11 نوفمبر 2024
رجل يتفقد حجم الدمار في مصنع استهدفته غارة إسرائيلية (أنور عمرو/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الأزمات الإنسانية والاقتصادية: العدوان الإسرائيلي أدى إلى نزوح أكثر من مليون ومائتي ألف شخص في لبنان، مما زاد الضغط على الخدمات الأساسية، مع خسائر اقتصادية تتجاوز 20 مليار دولار.

- تدمير البنية التحتية: تعرضت قطاعات حيوية لأضرار جسيمة، بما في ذلك المؤسسات الصحية والتعليمية، مع توقف 8 مستشفيات عن العمل، وتقدر تكلفة إعادة الإعمار بـ30 مليار دولار.

- التحديات السياسية والتمويلية: يواجه لبنان صعوبات في جذب التمويل الخارجي بسبب تصنيفه على اللائحة الرمادية، مما يتطلب التزامًا بشروط الشفافية ومحاربة الفساد لاستعادة ثقة المجتمع الدولي.

في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على لبنان وتفاقم الأزمات الإنسانية والاقتصادية، تتزايد التحديات المرتبطة بعمليات الإعمار وإعادة بناء ما دُمّر من منشآت سكنية وتجارية. وقد أشارت الأمم المتحدة إلى أن أوضاع النازحين في لبنان باتت "مزرية"، مطالبة بتوسيع الخدمات لتلبية احتياجاتهم المتزايدة، في حين أن أعداد النازحين تتجاوز مليوناً ومائتي ألف شخص، ومن المتوقع أن تتفاقم مع استمرار العدوان.
وتقدّر الخسائر الحالية للاقتصاد اللبناني بأكثر من 20 مليار دولار، وفقًا لوزير الاقتصاد أمين سلام، الذي أوضح أن إعادة الإعمار قد تتطلب ما بين 20 و30 مليار دولار، بينما تتكبد قطاعات حيوية خسائر جسيمة، منها مؤسسات صحية وتعليمية دُمرت بالكامل، فيما خطة الطوارئ تحتاج إلى 250 مليون دولار شهرياً.

تدمير واسع في مختلف القطاعات

يقول عضو مجموعة العمل المستقل من أجل لبنان (غير حكومية)، الخبير الاقتصادي كنج حمادة، في حديث خاص لـ "العربي الجديد"، إنه لا يمكن تحديد أرقام نهائية لحجم الأضرار الناتجة عن الحرب الحالية نظراً لاستمرارها. إلا أنه يقدر الخسائر وفقاً لمعلومات أولية بحوالي 20 مليار دولار.

ويشير إلى "صعوبة تقدير الأضرار لكل قطاع على حدة، فعلى سبيل المثال، توقف حوالي 8 مستشفيات عن العمل في الجنوب، لكن لا يُعرف حتى الآن إن كانت تعطلت نتيجة القصف أو بسبب عدم القدرة على الوصول إليها. كما أن القطاع التعليمي يعاني من أضرار بالغة".

ويوضح حمادة أن الدمار في البنية التحتية الرسمية حتى اللحظة لم يصل إلى مستويات حرب 2006، إذ لم تتضرر الجسور أو القطاع الكهربائي أو المرافق الرئيسية كمطار بيروت، وهذا يُعدّ إيجابياً إلى حد ما، نظراً لأن تكاليف إصلاح هذه المنشآت مرتفعة وتستغرق وقتاً طويلاً، لكنه يشير أيضاً إلى أن الضرر كان أشد وقعاً على المؤسسات الصغيرة والقطاعات الإنتاجية والتجارية التي تخلق فرص عمل كثيرة، على عكس ما كان عليه الوضع في عام 2006، إذ لم يتضرر حينها مثل هذا العدد الكبير من المؤسسات والمساكن.

يلفت حمادة إلى أنه "حتى الآن لم يتم حصر الأضرار بشكل دقيق، ولا تتوافر أي أرقام دقيقة حول حجم الخسائر. فالجنوب شهد تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الماضية، إذ أُنشئت مؤسسات تجارية وزراعية وصناعية، كما ازدهرت السياحة والنمو الاقتصادي في تلك المناطق، لكن هذه الحركة تضررت بشدة نتيجة الحرب، ما يصعب من إعادة إحيائها، في ظل عدم وضوح ظروف عودة السكان إلى مناطقهم المتضررة".
ويشير حمادة إلى أن تكلفة إعادة الإعمار ستكون مرتفعة، خاصة أن بعض القرى قد دُمّرت بالكامل على الصعيدين السكني والإنتاجي، فقد تراجعت بعض المناطق إلى الوراء نحو 15 عاما من ناحية النمو الاقتصادي. وتعدّ إعادة إعمار المنازل مرحلة أولى، بينما تعدّ إعادة تحريك الاقتصاد المحلي مرحلة أخرى، ولا يمكن تحديد تكلفة إعادة الإعمار بدقة، نظراً لغياب الأرقام الرسمية حول الحركة الاقتصادية في المناطق المتضررة قبل الحرب.
في ما يتعلق بتمويل الإعمار، يوضح حمادة أن التمويل سيأتي من مصادر متنوعة، ولكل مصدر شروطه وآلياته. على سبيل المثال، قد يقدم البنك الدولي قروضاً أو هبات لإعادة إعمار المرفأ، لكنه لا يقدم عادةً تمويلاً لإعادة بناء الوحدات السكنية. وأشار إلى أن الدعم الغربي قد يواجه عراقيل سياسية، إذ يمتنع بعض الممولين من الدول الغربية، مثل ألمانيا والولايات المتحدة، عن تمويل مشاريع في الجنوب خشية من ارتباطها بحزب الله، إلا إذا قُدمت تنازلات سياسية تتيح لهم التمويل بشروط معينة.
ويضيف حمادة أن "إيران وحزب الله أعادا إعمار جزء كبير من المناطق الجنوبية بعد حرب 2006، إذ كانت مساهمة إيران تبلغ حوالي 80% من التمويل والبقية من المغتربين الشيعة". ويؤكد أن النازحين سيواجهون تحديات كبيرة في حال تأخر عمليات إعادة الإعمار، إذ إنهم فقدوا كل ما يملكون من مساكن وأعمال تجارية، ولا يمكن الاعتماد على التمويل البديل، لأنه يغطي جزءا بسيطا من الاحتياجات الأساسية، لافتاً إلى أن عودة الحياة إلى طبيعتها قد تكون صعبة لكنها ليست مستحيلة.
وتعاني الدولة اللبنانية من ضغوط سياسية متزايدة، خاصة في ظل تصنيفها على اللائحة الرمادية، ما يقلل من قدرتها على استقطاب التمويل الخارجي من دون التزامها بشروط صارمة تتعلق بالشفافية ومحاربة الفساد.

تحديات سياسية وتمويلية

ومع تصنيف لبنان على اللائحة الرمادية، تبدو قدرته على استقطاب التمويل الخارجي محدودة إذا لم يلتزم بشروط صارمة تتعلق بالشفافية ومحاربة الفساد.
وفي هذا الإطار، تفيد رئيسة معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي، ونائبة رئيس لجنة الأمم المتحدة للخدمة العامة، لمياء المبيض بساط، بأن التفكير في "مرحلة ما بعد انتهاء العدوان" في لبنان اليوم يبدو أمراً صعباً بسبب ضغط المستجدات والمآسي اليومية. لكن غياب أي نقاش حول خطة "ما بعد الحرب" على المستويات المحلية والاقليمية والدولية هو أمر يقلق الخبراء والمتخصصين، لأن تمويل إعادة الإعمار بعد الحرب يحتاج لخطة مسبقة.

تضيف أن مواقف الدول المعنية بالحرب القائمة في المنطقة أو بوضع لبنان غير واضحة، ولا خطط أوّلية لمساعدة لبنان في الخروج من هذه الحرب المدمرة. وتشير بساط إلى أنه "حتى اليوم، لا وثيقة تكون بمثابة خريطة طريق، تستند إلى تقييم أوّلي للأضرار، وتضع الأولويّات لمرحلة ما بعد انتهاء العمليات العسكرية، وعلى الصعد المختلفة: البنى التحتيّة، الاتصالات، إسكان العائدين، تنظيف الأراضي من المخلّفات، المساندة الاجتماعية، وغيرها".

"فما الذي سيحدث عندما تتوقف العمليات العسكرية؟ هل المؤسسات لديها تصوّر واضح للتحرّك؟ هل استعدّت كي لا يبقى الأهالي في العراء أو خارج بيوتهم لمدّة طويلة؟ هل المعدّات موجودة؟ هل التمويل العام مخصّص على الأقل للأشهر الثلاثة الأولى؟ ما هي أدوات التمويل المتاحة للقطاع الخاص؟ ما هي الإجراءات الضريبية الخاصة الواجب اعتمادها؟ لقد رأينا ما حصل في سورية والعراق، فعندما تغيب الخطط الواضحة تكون مرحلة الما بعد أصعب وأطول، ويتحمّل وزرها الاقتصاد والمجتمع، خاصة الفقراء والمعدمين" بحسب بساط.

أما بالنسبة للمساعدات، تشير إلى أن بعض الأطراف أبدت "نية المساعدة" وأعلنت التزامها تخصيص موارد ماليّة محددة بأرقام، لكننا نعرف من تجارب سابقة أنّ الإعلان عن تخصيص الاعتمادات لا يعني بالضرورة صرفها.
وتوضح الخبيرة الاقتصادية أنّه في سياق الحرب على غزّة سمعنا وقرأنا عن خطط استعماريّة وخارطة طريق شاملة معدة مسبقاً لما بعد الحرب.

أما بالنسبة للبنان، لا شيء في الأفق غير التدمير ومسح القرى. "ومن الواضح أن ما يتم التركيز عليه حالياً هو الشق السياسي وإعادة ما يسمى بـ"التوازن السياسي" في لبنان، من دون أي حديث عن إعادة بناء مستقبل لبنان أو تنفيذ إصلاحات أساسية، وللأسف تبقى الأمور في هذا الصدد "مجهولات".
وفي ما يتعلق بمؤتمر باريس، تقول إنّه مبادرة جيّدة ومشكورة تصبّ في إطار الدعم الدائم للبنان واللبنانيين من قبل الحكومة الفرنسيّة.

لكن من لديه تجربة سابقة يعلم أن الالتزامات في المؤتمرات تتطلب مساراً طويلاً من المتابعة حتى تدخل المقرّرات حيز التنفيذ. وتذكر أنّه رغم الإعلان عن الأرقام ووعود بمساعدات من الولايات المتحدة بقيمة 300 مليون دولار، ومن الإمارات بقيمة 100 مليون دولار، ومن فرنسا بقيمة 100 مليون دولار وغيرها، إلا أن آليات الصرف وتوزيع المساعدات لم يعلن عنها حتى الآن، علما أنّه تم الحديث عن إمكانية صرفها من خلال منظمات الأمم المتحدة أو عبر منظمات غير حكومية مرتبطة بالدول المانحة.
وتشدد على أهمية ضمان الشفافية في تخصيص وصرف الأموال، وتذكر أن منظمة الشفافية الدولية أصدرت بياناً حول هذا الموضوع، مشيرة إلى وجود معايير دولية للإفصاح عن المعلومات المتعلقة بالمساعدات الدولية، وضرورة الاستناد اليها لضمان الثقة وتعزيزها.

تقديرات الأضرار ليست نهائية

من جانب ثانٍ، صرّحت الخبيرة الاقتصادية فيوليت بلعة، أن تقديرات الأضرار، المقدرة بين 15 و20 مليار دولار، ليست نهائية، إذ يعتمد حجم الخسائر على مدة الحرب، فكلما استمرت الحرب لأكثر من ستة أشهر، قد تتضاعف الخسائر بالمليارات.

وذكرت أن هذه الأرقام تقريبية، نظراً لصعوبة إجراء مسح للأضرار أو تحديد الخسائر في ظل القصف المستمر، مشيرة إلى أن الأضرار التي لحقت بالناتج المحلي تفوق التقديرات الحالية من الجهات المحلية والدولية. وتضيف أن لبنان عاجز كلياً عن تمويل عملية إعادة الإعمار، سواء في منطقة معينة أو في كل المناطق المتضررة من العدوان الإسرائيلي، وتعدّ عملية إزالة الركام مكلفة جداً، ناهيك عن تكاليف إعادة البناء التي تصبح أعلى عند مراعاة معايير معينة لتعزيز البناء.

وتشير بلعة إلى أن "الوضع المالي والاقتصادي والاجتماعي في لبنان المتأزمة بدأ منذ عام 2019، ولم يكن لدى لبنان خطة للتعافي بسبب الخلافات السياسية. لذلك، بات لبنان مضطراً للتعاون مع المنظمات الدولية التي قد تساعد في عملية إعادة الإعمار، علماً أن مؤتمر باريس أسهم في الحصول على وعود بمليار دولار"، مشيرة إلى أن هذه المليارات مقسّمة بين مساعدات للجيش والنازحين، مما يفرض على الحكومة اللبنانية إطلاق حملات لجمع التمويل لإعادة إعمار لبنان. وتؤكد ضرورة القيام بجولات على الدول العربية والغربية، وأهمية دور وزير الخارجية في فتح قنوات اتصال مع المغتربين اللبنانيين للمساعدة.
وتتابع بلعة أن انتخاب رئيس جمهورية يعدّ ضرورياً ليمثل صوت لبنان في ملف إعادة الإعمار بعد وقف إطلاق النار، وأكدت أن العقوبات المفروضة على حزب الله وبعض مؤيديه، ودخول لبنان على اللائحة الرمادية، جعلته تحت الرقابة أكثر، مما يعني أن الجهات المانحة ستراقب كيفية صرف الأموال وتحديد الجهات المستفيدة منها، إذ لا توجد ثقة في الطبقة السياسية اللبنانية.

وتوضح أنه يجب العمل بخطى ثابتة لاستعادة ثقة المجتمع العربي والدولي، لأن لبنان لا يستطيع الخروج من أزماته من دون مساعدات خارجية مبنية على الثقة والشفافية في الإنفاق الداخلي، إذ يتعين العمل على الإصلاح من الجذور ووضع خطة للخروج من الأزمات، فلبنان يواجه أزمتين كبيرتين هما النزوح وإعادة الإعمار، وهاتان الأزمتان تشكلان عبئاً كبيراً على الاقتصاد.
وترى أنه لا خيار للبنان سوى القبول بشروط المجتمع الدولي للخروج من أزماته، لأن عدم القيام بذلك يعني البقاء على شفير الهاوية، وبيّنت أنه لا خطة إنقاذ ولا رؤية لتجاوز الأزمات، إذ يتم التعامل مع الأزمات بعد وقوعها فقط، ونحن أمام عام على الأقل لحل أزمة إعادة الإعمار وإعادة النازحين إلى مناطقهم، إضافة إلى الضغوط السكانية في مناطق معينة، مما قد يؤدي إلى مشكلات اجتماعية وأمنية.

المساهمون