دعا اقتصاديون إلى معالجة أزمة الإغلاقات المتكررة لحقول النفط الليبي وتكبيد البلاد مبالغ مالية طائلة هي في أمس الحاجة إليها.
وكانت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا قد أعلنت، اليوم الأحد، فرض حالة القوة القاهرة على حقول نفطية جنوب غرب البلاد.
وقالت المؤسسة المملوكة للدولة على موقعها الرسمي "إن إغلاق صمامات ضخ الخام من حقول الشرارة والفيل تتسبب في فقدان 330 ألف برميل في اليوم، وخسارة يومية تتجاوز 160 مليون دينار ليبي"، وأكد رئيس مجلس إدارة المؤسسة، مصطفى صنع الله، اضطرار المؤسسة لفرض حالة القوة القاهرة على النحو المعمول به في الصناعة النفطية.
وتلجأ المؤسسات والدول إلى فرض حالة القوة القاهرة لحمايتها من عواقب عدم الإيفاء بالعقود.
ويأتي هذا الحدث في وقت تشهد فيه أسعار الخام ارتفاعاً لم يسجل منذ عشر سنين، مدفوعاً بتداعيات الحرب في أوكرانيا. الأمر الذي دفع صنع الله للتساؤل عن الجهة المستفيدة من الأمر. وهذا الوضع ليس جديداً في ليبيا، فقد تكرر إغلاق حقول وموانئ وصمامات على مدار السنين التسع الأخيرة، بيد مسلحين أحياناً أو سياسيين وقبائل. والمفارقة أنه يحدث غالباً بيد حرس المنشآت النفطية. فما هو السبب الرئيسي وراء ذلك؟ وهل تتولى الدولة ذات الاقتصاد الريعي القائم على النفط معالجة مثل هذه الخروقات التي تهدد موردها الأساسي؟
ويرى الخبير الاقتصادي محسن دريجة أن الأسباب غير واضحة، وهي تأتي في الغالب لغرض الضغط على الدولة والحصول على مكاسب مادية أو سياسية، فيما تحدث إغلاقات جزئية تعود لأسباب فنية، كما حدث في شتاء هذا العام نتيجة سوء الأحوال الجوية بموانئ التصدير".
وتتم التفاهمات أحياناً بترضية الجهة الفاعلة، الأمر الذي يشجع على تكرار الفعل في بلد غير مستقرة، دافعاً إياها لمزيد من عدم الاستقرار.
وبدأ سيناريو الإقفالات بأول وأطول إغلاق وقع في موانئ الهلال النفطي منتصف 2013، على يد آمر حرس المنشآت النفطية في ذلك الوقت، إبراهيم الجظران، الذي اتهم مؤسسة النفط ببيع الخام دون عدادات والحكومة بمحاولة رشوته لفتح الموانئ، الأمر الذي فنّدته المؤسسة والحكومة. لكن الإغلاق الذي دام لسنتين متواصلتين، وتوالى بعدهما بشكل متقطع، كلّف الدولة حتى نهاية 2017 خسائر قدّرها محافظ البنك المركزي الصدّيق الكبير، في تصريحات سابقة، بـ 160 مليار دولار. ومع هذا، لم يلحق أي أذى بالفاعلين، رغم تجريمهم محلياً ودولياً، كالجظران الذي أضاف مجلس الأمن الدولي اسمه لقائمة العقوبات الدولية.
ويقول دريجة: "الإغلاق المتكرر يعني أن النفط الليبي ليس مصدراً مستقراً يمكن الاعتماد عليه. وهذا أحياناً يدفع مؤسسة النفط للبيع بأسعار مخفضة. وهو أمر غير طبيعي، خاصة في ظروف مثل التي نمر بها اليوم، فمن ناحية يعتبر تزويد العالم بالنفط أمراً حيوياً في ظروف الحرب الأوكرانية، ومن ناحية أخرى تحتاج ليبيا ثمن كل برميل لسداد الدين العام وتنمية الاحتياطيات".
وتحتل ليبيا المرتبة 21 عالمياً في احتياطيات الغاز، مع أن إنتاجها القليل يضعها في المرتبة 50، فصادرات الغاز "مع استقرارها النسبي" تظل منخفضة عموماً بسبب زيادة الطلب المحلي لتوليد الطاقة، وغياب الاستثمار في تطوير حقول الغاز الذي يغذي حالياً 8% من السوق الإيطالية.
وتملك الدولة الليبية الغنية بالنفط احتياطياً يبلغ 46 مليار برميل، نصفه متاح للإنتاج، "بحسب تصريح دريجة". والزيادة تتطلب استثماراً في الإنتاج نفسه. كما أن الاحتياطيات قد ترتفع بتوسيع عمليات الاستكشاف والعثور على حقول إضافية.
ولدى ليبيا كمية هائلة من النفط الصخري تقدر بـ 200 مليار برميل، ليست كلها قابلة للاستخلاص من الصخور والتربة. ووفقاً للتصريح "يمكن إنتاج 40 مليار برميل منها، دون إغفال ارتفاع تكلفة إنتاجها، وقلة مردودها المالي".
وتنتج ليبيا (قبل الإغلاق الحالي) 1.2 مليون برميل يومياً كان من المقرر إيصالها (في حال الاستقرار) إلى 1.45 مليون مع نهاية العام الحالي. على أمل بلوغ 2.1 مليون في غضون 4 سنوات "بحسب تصريحات سابقة لصنع الله".
وتبقى أوروبا الوجهة الأولى للنفط الليبي، وعلى رأسها ايطاليا. هذا بالإضافة لإسبانيا وفرنسا وألمانيا وهولندا، وكذلك الصين وماليزيا وغيرها. ويُرجع دريجة تغير الدول المستوردة لتذبذب الإنتاج، هذا بالإضافة لوجود بدائل أخرى في الأسواق، مثل النفط الجزائري، ولكن ارتفاع الطلب في ظروف الحرب الأوروبية يجعل البدائل قليلة ومكلفة. ومن مصلحة الجميع استقرار السوق الليبية.