سجلت أسعار المنازل في الاتحاد الأوروبي أول انخفاض سنوي لها منذ ما يقرب من عقد من الزمان، ما دفع مسؤولي السياسات النقدية إلى التحذير من امتداد موجة الهبوط إلى قطاع الإسكان، بعدما كان التراجع مقتصراً في السابق على العقارات التجارية المتأثرة بتباطؤ الاقتصاد في الكثير من الدول.
وانخفضت أسعار المنازل في الكتلة المكونة من 27 دولة في الربع الثاني بنسبة 1.1% على أساس سنوي، بينما جاء الانخفاض بنسبة أكبر في منطقة اليورو (تضم 20 دولة) بلغت 1.7% مقارنة بالربع الثاني من العام الماضي، وفق بيانات نشرها مكتب إحصاءات الاتحاد الأوروبي "يوروستات" على موقعه الإلكتروني، مساء الثلاثاء. والانخفاض المسجل في الأسعار هو الأول منذ عام 2014.
وتنتقل تداعيات رفع أسعار الفائدة إلى قطاع السكن، فبعد أن رفع البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة الأساسية بنسبة غير مسبوقة منذ العام الماضي وبعدد 10 مرات، لتصل إلى 4.5%، قامت البنوك بزيادة أسعار الفائدة على الرهن العقاري، وتشديد معايير الإقراض لوضع حد لما يقرب من عقد من الزمان من ارتفاع أسعار المساكن في المنطقة.
وكانت أسعار المنازل في الاتحاد الأوروبي قد ارتفعت بنسبة 50% في المتوسط منذ عام 2015، مدفوعة بسنوات من رخص الأموال وأسعار الفائدة السلبية، التي أدت إلى انخفاض أسعار الرهن العقاري إلى ما يقرب من الصفر في العديد من البلدان، وذلك قبل أن تبدأ في الانخفاض منذ العام الماضي.
كما اقترن انخفاض أسعار المساكن مع زيادة حادة في تكاليف مواد البناء والعمالة، الأمر الذي أدى إلى تجميد قطاع البناء في بعض البلدان، مثل ألمانيا، التي تضررت بسبب إلغاء المشاريع وإفلاس شركات التطوير العقاري.
وكانت أكبر الانخفاضات السنوية في أسعار المنازل على أساس سنوي في الربع الثاني من العام، وفق بيانات "يوروستات" بنسبة 9.9% في ألمانيا، و7.6% في الدنمارك، و6.8% في السويد، بينما جاءت أكبر الزيادات بنسبة 13.7% في كرواتيا، و10.7% في بلغاريا، و9.4% في ليتوانيا.
والانخفاض المسجل في ألمانيا هو الأكبر منذ بدء تسجيل بيانات الأسعار عام 2000، وفق مكتب الإحصاء الألماني. وكان الهبوط واضحاً بشكل خاص في المدن الكبرى في البلاد. وفي مدن مثل برلين وهامبورغ وميونخ، انخفضت أسعار الشقق بنسبة 9.8%، بينما تراجعت أسعار المنازل الفردية والعائلية بنسبة أكبر بلغت 12.6% على أساس سنوي.
وقال نائب رئيس البنك المركزي الأوروبي، لويس دي غويندوس، في مقابلة مع صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، إنه "ليس من المفاجئ تماماً" أن نرى أسعار المنازل الألمانية تنخفض بنسبة 10%.. هذا مؤشر واضح على وجود بعض المبالغة في تقييم الأصول والتي سيتم تصحيحها". وأضاف غويندوس أن العقارات التجارية ظلت "مصدر القلق الرئيسي للبنك المركزي الأوروبي فيما يتعلق بالاستقرار المالي، لكننا بحاجة أيضاً إلى الاهتمام بالعقارات السكنية" على الرغم من أنها تبدو "أكثر مرونة".
ويؤدي ارتفاع تكاليف المعيشة أيضاً إلى دفع الكثير من الأوروبيين إلى العزوف عن شراء المساكن، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض حاد في الطلب على القروض العقارية، وهو ما يفرض ضغوطاً تدفع أسعار العقارات إلى الانخفاض بنسب أكبر خلال الفترة المقبلة. ورغم تباطؤ معدلات التضخم في أوروبا في الأشهر الماضية، يرى نصف الأوروبيين، تقريباً، أن تكاليف المعيشة على رأس أبرز القضايا، التي تواجه بلدانهم، وفق استطلاع أجرته المفوضية الأوروبية أخيراً.
وأظهر الاستطلاع أنّ 45% من المشاركين وضعوا قضايا التضخم وارتفاع الأسعار، وغلاء المعيشة على رأس القضايا الرئيسة، متفوقة في ذلك على قضايا الوضع الاقتصادي العام والبيئة والمناخ والهجرة والصحة وحتى المخاوف المرتبطة بشأن إمدادات الطاقة، التي وضعها 12% فقط من مواطني دول الاتحاد الأوروبي المشاركين كونها قضية رئيسية، لتأتي في المرتبة السادسة.
وبحسب بيانات "يوروستات"، فإن تدهور مستويات المعيشة الأسرية يأتي في نحو نصف دول الاتحاد الأوروبي، لافتاً إلى أن متوسط الدخل المتاح بالقيمة الحقيقية انخفض بنقطتين مئويتين بين عامي 2021 و2022.
وفي ظل الضغوط المالية التي تتعرض لها الأسر، فإن شراء منزل يتراجع في ترتيب أولويات الكثير منها في ظل هذه الظروف، الأمر الذي لم يعد ينعكس على أسعار الوحدات السكنية فحسب، وإنما يمتد الأمر إلى تداعيات على أنشطة الشركات العقارية وأعمال البناء، ما يعكس مخاوف من اتساع رقعة التأثيرات لتطاول الاقتصاد العالمي. ويمثل الاتحاد الأوروبي نحو 18% من إجمالي الإنفاق الاستهلاكي العالمي.
ووفق تقرير لوكالة بلومبيرغ الأميركية، فإن كبرى الشركات المالكة للعقارات في أوروبا التي تسعى لبيع جزء من حيازاتها العقارية لخفض ديونها لم تتمكن من الحصول على مشترين، بسبب ارتفاع أسعار الفائدة والمخاوف من مستقبل السوق.
ويشير التقرير إلى أن مجموعة من الشركات الكبرى في أوروبا، ومن بينها "فونفيا" الألمانية و"لاند سكيورتي غروب بي أل سي" البريطانية وشركة "يونيبيل رودامكو" الفرنسية القابضة و"ويست فيلد" البريطانية، عرضت خططاً لبيع مجموعة من أصولها بهدف تحسين موازناتها المالية، ولكن ارتفاع التضخم والفائدة عرقلا صفقات البيع.
ويشعر المشترون في الوقت الراهن بالقلق من الدخول في التزامات مالية جديدة، خاصة عندما تكون القيم العقارية على أعتاب تراجع كبير. وفي ألمانيا أكبر اقتصاد في أوروبا، يتسم عام 2023 باضطراب لافت بالنسبة للعديد من المطورين العقاريين، حيث دفع الارتفاع الحاد في أسعار الفائدة، وارتفاع تكاليف الطاقة والبناء، سلسلة من المطورين إلى الإفلاس، وتجميد الصفقات ودفع الأسعار إلى الانخفاض، ما دفع الصناعة مؤخراً إلى مناشدة المستشار أولاف شولتز طلباً للمساعدة.
ويخشى المتخصصون في مجال العقارات أن يكون الانكماش في ألمانيا أعمق من الانهيار الذي حدث في التسعينيات، في أعقاب الاندفاع نحو العقارات في شرق ألمانيا بعد سقوط جدار برلين.
وفي بريطانيا أيضاً، التي غادرت الاتحاد الأوروبي، تراجعت أسعار المنازل خلال سبتمبر/أيلول الماضي. ووفق بيانات صادرة عن مؤسسة "نيشن وايد" للرهن العقاري، هبطت الأسعار بنسبة 5.3% على أساس سنوي وهي نفس النسبة المسجلة في أغسطس/آب، ما يمثل أكبر وتيرة تراجع سنوية منذ عام 2009.