استمع إلى الملخص
- تشمل الإجراءات الأخرى خفض الدعم على السلع الأساسية وزيادة أسعار البنزين، السولار، الغاز المنزلي، المواصلات العامة، الرسوم والضرائب، والأدوية بنسب تتراوح بين 25% و50%.
- الحكومة تعهدت بتسريع بيع أصول الدولة وتقليص تدخلها في سوق الصرف، مما يعكس التزامها تجاه صندوق النقد الدولي ويثير قلقًا بشأن الأثر الاجتماعي لهذه الإجراءات على الشرائح الأكثر فقرًا.
خلال فترة زيارة بعثة صندوق النقد الدولي القاهرة، والتي بدأت قبل أيام قليلة وحتى منتصف الشهر المقبل، اتخذت الحكومة المصرية خطوات جريئة حتى تنتزع رضا وموافقة البعثة على بنود المرحلة الثالثة من اتفاق القرض الأخير والبالغة قيمته ثمانية مليارات دولار، وهو ما يمهد الطريق أمام إفراج الصندوق عن شريحة جديدة من القرض المتفق عليه. ومن أبرز تلك الخطوات وأخطرها قرار الحكومة يوم الأربعاء، زيادة سعر رغيف الخبز من 5 قروش إلى 20 قرشًا اعتبارًا من الأسبوع المقبل بزيادة 300% مرة واحدة، وهي الخطوة الأولى من نوعها منذ نحو 30 سنة وتمس الشريحة الكبرى من عموم المصريين.
صحيح أن الحكومات المتعاقبة على حكم مصر ومنذ 10 سنوات دأبت على إجراء زيادات غير مباشرة على سعر رغيف الخبز عبر إنقاص وزنه بصورة متكررة، لكنها لم تقدم على زيادة السعر مباشرة وبهذه النسبة القياسية. وفي رأيي فإن قرار الزيادة الذي مهدت له السلطات بالحديث المكثف والمبالغ فيه عن تكلفة إنتاج الخبز يعني أن الصندوق يضغط بشدة لتنفيذ هذه الخطوة كأحد الالتزامات التي قطعتها الحكومة على نفسها مقابل تمرير المراجعة الثالثة لقرض الصندوق وصرف الشريحة الجديدة.
ومن المتوقع ألا تغادر بعثة صندوق النقد الدولي القاهرة إلا وقد حققت عدة انتصارات أخرى من وجهة نظرها منها إعلان الحكومة عن خفض الدعم المقدم لسلع أساسية ترتبط بالفقراء، وهو ما يعني زيادة أسعارها بما فيها السلع الغذائية والتموينية، وإجراء زيادات جديدة في أسعار سلع وخدمات حيوية مثل البنزين والسولار والغاز المنزلي والمواصلات العامة والرسوم والضرائب، وأن يتم إجراء زيادة على أسعار الأدوية بنسب قد تتراوح بين 25% و50%.
والمؤكد أن بعثة صندوق النقد لن تغادر العاصمة المصرية قبل إعلان الحكومة عن موعد الزيادة الجديدة في سعر مشتقات الوقود، رغم الاستقرار الحالي في أسعار النفط في الأسواق الدولية، علما بأن تلك الزيادة التي تخص سلعة جماهيرية قد تتم الشهر المقبل، وهي الزيادة الثانية هذا العام حيث تم رفع أسعار البنزين بنسبة 8 - 10% والسولار بنسبة 21.2% في شهر مارس الماضي بقرار من لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية الحكومية.
كما سيتم أيضا زيادة سعر الكهرباء، الشهر المقبل، مع تزويد بعثة الصندوق بخطة رفع الدعم عن السلعة بالكامل خلال أربع سنوات وبيعها حسب الأسعار العالمية بغض النظر عن القدرة الشرائية المتهاوية للمواطن ودخله ووضعه المالي المزري. علما بأن وزارة الكهرباء استهلت هذا العام برفع الأسعار بنسب تراوحت بين 16-26%.
البعثة لن تغادر العاصمة المصرية قبل إعلان الحكومة عن موعد الزيادة الجديدة في سعر مشتقات الوقود
أما الجائزة الكبرى لبعثة صندوق النقد فستكون من نصيب شركات النفط والغاز العالمية والتي وعدت الحكومة بسداد ربع المستحقات المتأخرة لتلك الشركات الأسبوع المقبل، وقد وجه رئيس الوزراء مصطفى مدبولي وزيري البترول والمالية بالبدء في سداد 20-25% من تلك المستحقات. كما تقول المعلومات أيضا إنه من المتوقع أن يضخ البنك المركزي المصري نحو 6 مليارات دولار من عائدات صفقة رأس الحكمة في البنوك، لتوفير النقد الأجنبي اللازم لسداد المستحقات المتأخرة للشركاء الأجانب، والبدء في إتاحة المخصصات الدولارية اللازمة لاستيراد السلع غير الأساسية وتسهيل الإفراج عن البضائع بالموانئ.
هذا عن الخطوات التي التزمت بها الحكومة تجاه بعثة صندوق النقد ضمن التزامات أخرى منها الإسراع في بيع أصول الدولة من بنوك وشركات وأراضي، وعدم التدخل الإداري في سوق الصرف، وترك سعر الدولار يتحرك طبقا لقوى العرض والطلب، وتقليص تواجد المؤسسات السيادية في المشهد الاقتصادي لصالح القطاع الخاص.
أما بالنسبة للاتفاقات والتعهدات والالتزامات التي تتم بين الطرفين من وراء الستار، فالمصريون لا يعلمون عنها شيئا لأنهم لا يستشارون أصلا في الأمور المتعلقة بوضعهم المعيشي وميزانية وثروات بلدهم، لأنه لا رأي لهم من وجهة نظر السلطات الحاكمة.
ببساطة الحكومة والصندوق يعملان معا وبتنسيق عال ضد فقراء مصر، ولصالح الأثرياء والمستثمرين الأجانب سواء أصحاب الأموال الساخنة أو شركات إنتاج الغاز والنفط والبنوك والقطاع المالي والاستثماري. فعلى المستوى الأول فإن مصر فتحت أسواقها مرة أخرى أمام الأموال الساخنة لتغترف المليارات من ميزانية تعاني من عجز قاتل، وفي الثانية فإن الصندوق ألزم الحكومة بإعطاء أولوية لسداد مستحقات المستثمرين الأجانب سواء شركات نفط وغاز أو غيرها.