عندما يعطس مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي)، تعطس كل البنوك المركزية في العالم، بل وربما تصاب بالزكام.
وعندما يرفع الفيدرالي سعر الفائدة على الدولار أو يخفضه، فإن معظم البنوك المركزية تتخذ القرار نفسه وفي التوقيت نفسه وبالنسبة نفسها تقريباً، والآن بات من المؤكد أن الفيدرالي سيرفع الفائدة على الورقة الخضراء في منتصف العام المقبل 2022، وقد يسرع البنك من هذه الخطوة في حال استمرار موجة التضخم الحالية التي لم تشهدها الولايات المتحدة منذ أكثر من ثلاثة عقود.
وبغض النظر إن كان الرفع سيكون مرتين أو ثلاثة طوال العام، لكنه سيحصل، والإشارات والتصريحات الصادرة عن البنك الفيدرالي وكبار مسؤولية تقول إن العائد سيرتفع على الدولار خلال الشهور المقبلة، خاصة مع زيادة معدل التضخم داخل الولايات المتحدة لأعلى مستوى منذ نحو 31 عاما، ووجود توقعات باستمرار هذه الزيادة مع ارتفاعات أسعار النفط والغاز والسلع والأغذية المتوقعة، وهو ما ستكون له تأثيرات ليس فقط على الأسواق والمواطن الأميركي، ولكن على أسواق العالم كله.
سعر الفائدة سيرتفع على الدولار خلال الشهور المقبلة، مع زيادة معدل التضخم داخل الولايات المتحدة لأعلى مستوى منذ نحو 31 عام
ومن المتعارف عليه أنه عندما يرتفع التضخم في الولايات المتحدة فوق مستوى 2% تقريبًا، فإن البنك المركزي الأميركي يرفع سعر الفائدة في محاولة لتخفيض الأسعار.
لأنه من خلال رفع الفائدة يعمل الفيدرالي على سحب السيولة النقدية الفائضة من الأسواق، وزيادة جاذبية الاستثمار في الدولار وتقويته، وهو ما يقلل من زيادة أسعار السلع والخدمات ومعدلات التضخم، ويمنح المودعين عائدا يعادل معدل التضخم، وربما أكثر.
قد يسأل شخص: مالنا ومال قرارات الفيدرالي الأميركي المتعلقة بالسياسة النقدية، وما علاقتنا نحن في المنطقة برفع سعر الفائدة على الدولار، هذا شأن أميركي؟
الإجابة بسيطة، وهي أن لنا علاقة قوية بتحركات أسعار الفائدة على الدولار، فرفع السعر سيكون مفيداً لبعض الدول العربية النفطية التي تمتلك صناديق سيادية ضخمة وفوائض مالية ضخمة مستثمرة في البنوك الغربية، خاصة الأميركية.
وزيادة سعر الفائدة بنسبة 1% مثلاً ستدر مليارات الدولارات سنويا على خزائن دول الخليج مثلا التي لديها سيولة نقدية مودعة في البنوك تتجاوز 2.1 تريليون دولار، أي 2100 مليار دولار مملوكة للصناديق السيادية.
زيادة سعر الفائدة على الدولار قرار غير سار وسلبي لمعظم الدول العربية، خاصة تلك التي تقترض بكثافة من الخارج
في المقابل، فإن زيادة سعر الفائدة هو قرار غير سار وسلبي لمعظم الدول العربية، خاصة تلك التي تقترض بكثافة من الخارج، سواء عبر طرح السندات الدولية كما هو الحال في مصر والعراق والأردن وتونس والمغرب والبحرين، أو عبر قروض مباشرة يتم الحصول عليها من مؤسسات دولية.
كما أنه قرار غير سار أيضا لبعض العملات العربية التي قد تواجه ضغوطا خلال الفترة المقبلة، مع تفاقم متحورات فيروس كورونا، وتراجع الإيرادات الدولارية، وزيادة أعباء القروض الخارجية.
وبالتالي فإن خطوة الفيدرالي الأميركي المتوقعة سترفع كلفة الاقتراض الخارجي والأعباء المستحقة عليه، وتزيد كلفة الاقتراض بالنسبة للأفراد والقطاع الخاص والمؤسسات التي تحصل على قروض دولارية من البنوك الخارجية.
ومع رفع البنوك سعر الفائدة على القروض الدولارية تنخفض الاستثمارات والإنفاق الاستهلاكي للأفراد، وترتفع كلفة الإنتاج، وهنا تنكمش الأسواق وتزيد البطالة، ويسارع المدخرون نحو إيداع أموالهم في البنوك للاستفادة من سعر الفائدة العالي، وهذا أمر مضر بالاقتصادات الوطنية، خاصة إذا صاحبه هروب المستثمرين الصناعيين نحو البنوك.
ارتفاع قيمة الدولار تؤدي إلى تراجع أسعار النفط والذهب والمعادن والسلع التي ترتبط قيمتها بالدولار
كما يؤدي ارتفاع قيمة الدولار إلى تراجع أسعار النفط والذهب والمعادن والسلع التي ترتبط قيمتها بالدولار، وزيادة كلفة الاستيراد وضعف تنافسية الصادرات، وهو أمر مضر أيضا لبعض الدول العربية، خاصة تلك التي تعتمد على الخارج في تلبية احتياجات أسواقها المحلية من السلع الغذائية وقطع الغيار والمواد الوسيطة.