استمع إلى الملخص
- الردود الأوروبية متباينة، حيث تدرس الدول تأثيرات الرسوم الأمريكية على اقتصاداتها وتفكر في إجراءات ضد الإغراق، مع تباين المواقف بين دول مثل فرنسا التي تدعو لتحرك موحد وألمانيا التي تخشى من تأثيرات سلبية على علاقاتها مع الصين.
- تصاعد الحمائية والانتقام التجاري قد يؤدي إلى تقويض النمو الاقتصادي العالمي وإلحاق الضرر بالمستهلكين والشركات، مع تحذيرات من خطر حرب تجارية شاملة وتأكيد على أهمية التجارة الحرة والتعاون الدولي.
الحرب التجارية لا تزال مستمرة بين الغرب والصين وتتصدرها سياسات الرسوم الجمركية المتبادلة. فما سيناريوهات هذه الحرب حالياً؟ لقد جاء رفع الرئيس الأميركي جو بايدن هذه الرسوم على أشباه الموصلات ورافعات الموانئ والمعدات الطبية من الصين لحدود 50% وعلى السيارات الكهربائية من 25% إلى 100%، ليزيد من الضغوط على الاتحاد الأوروبي وحمله على التحرك لمكافحة إغراق الأسواق الأوروبية بالبضائع الصينية.
ويتجلى الخطر من حدوث طوفان وتشويه للسوق بشكل مصطنع على حساب الشركات الأوروبية وأهمها قطاع صناعة السيارات الكهربائية. فما مدى تأثير هذا النزاع على الصناعات الأوروبية والانتقام الصيني في ظل السياسة الأميركية المناهضة لبكين وسياسة العزلة التي تنتهجها واشنطن؟
واعتبر محللون أن واشنطن تسعى للحد من موجات الإفلاس التي تطاول شركات صناعية أميركية وفقدان الملايين لوظائفهم، فضلاً عن أن الموقف المتشدد تجاه بكين يحظى بشعبية كبيرة بين الناخبين الأميركيين، وبلاد العم سام على مسافة أشهر قليلة من انتخابات رئاسية محتدمة بين الديمقراطي جو بايدن والجمهوري دونالد ترامب، وبايدن استجاب بهذا القرار بقصد أو غير قصد لطلب ترامب.
لكن ومن زاوية مغايرة، فإن النزاع الجمركي الأميركي الصيني سيؤثر في اقتصادات أوروبا لأنه وبسبب الرسوم الجمركية العقابية المرتفعة التي تفرضها الولايات المتحدة، ستبحث الصين مثلاً عن أسواق مبيعات جديدة لسياراتها الكهربائية لأنه مع تعرفة جمركية بنسبة 100% ستعني أنه لن يكون هناك أي سيارات صينية في الولايات المتحدة، ومن ثم من المرجح أن تحاول شركات السيارات الصينية المدعومة كثيراً من الدولة بيع المزيد من سياراتها المنتجة بكميات كبيرة في أوروبا، أي تحول المصدرين الصينيين إلى أسواق الاتحاد الأوروبي التي تعاني أساساً.
وفي خضم الحرب التجارية المستعرة، أفاد معهد الاقتصاد الألماني في كولن أخيراً، أن المنتجات الصينية المنافسة موجودة بالفعل في السوق في جميع القطاعات الصناعية تقريباً، ويتم بيعها بأسعار أقل من مستويات السوق العادية، حتى إن شركة التأمين أليانز حذرت من أن ألمانيا معرضة للخطر من المنافسين الصينيين وصناعاتها تفقد قوتها أمام العديد من البضائع والسلع الصينية المستوردة، والمصدرين الصينيين باتوا أكثر نجاحاً من الألمان في السوق العالمية بينها صناعة الآلات والعدد الصناعية والمواد الكيميائية، فضلاً عن التوسع في العديد من التكنولوجيات الخضراء.
تعارض المصالح والحمائية في صلب الحرب التجارية
وأمام الحواجز التجارية الأميركية المرتفعة على السلع القادمة من الصين، والمندرجة في سياق الحرب التجارية مع الصين، كان رد فعل مفوضية الاتحاد الأوروبي حذراً. وفي هذا السياق، أفادت مصادر مطلعة "العربي الجديد"، أنه تم أخذ القرار الأميركي بعين الاعتبار في بروكسل، وتتم دراسة تداعيات ذلك على اقتصادات دول الاتحاد الأوروبي، وحتى الآن لا يزال القرار بشأن فرض رسوم عقابية أوروبية معلقاً، لكن التوقعات بأن يتم إعلان إجراءات وتدابير لإمكانية مكافحة الإغراق والدعم في الفترة القريبة المقبلة.
وحيال ذلك، قال الباحث الاقتصادي في جامعة بريمن دافيد رايشل لـ"الـعربي الجديد"، إن الزيادة الطفيفة للتعرفة الجمركية قد تكون منطقية، وسيكون لها تأثيرها على العلامات التجارية الصينية مثل "أم جي" او "بي واي دي"، إلى الموديلات الأخرى المصنعة في الصين بينها "تسلا3" و"بي أم دبليو اي إكس3" أو "داسيا سبرينغ". وليبرز، أن التوجه، بحسب ما أفيد عن مفوض التجارة في بروكسل فالديس دومبروفسكيس، أنه اقترح فرض رسوم جمركية على السيارات الكهربائية القادمة من الصين قبل العطلة الصيفية، والتي يمكن أن ترتفع من 10% ولحدود 25 أو 30%.
وفي السياق، اعتبر الخبير الاقتصادي غونترام وولف من جامعة أرفورد دويتشلاندفونك، أن المراجعة مناسبة، لكنه حذر من رسوم ذات دوافع سياسية بحتة، وبأن ذلك قد يشكل خطراً بأن تتصاعد الحرب التجارية بعد ذلك. وليوضح، أن الجميع على علم بأن الرسوم الجمركية تدمر الرفاهية ولها تداعياتها السلبية خاصة عندما يتعلق الأمر بصناعة السيارات الألمانية في الصين. أما الوضع في الولايات المتحدة فهو مغاير، لأن عمليات التسليم الفعلية للسيارات الكهربائية الصينية إلى الولايات المتحدة كانت منخفضة إلى حد ما حتى قبل زيادة الرسوم الجمركية.
وكل ذلك مع عدم الانسجام بين الدول الأوروبية النشطة في قطاع صناعة السيارات للاتفاق على آلية بعينها، والسبب أن مصالحها مختلفة، وحيث الدافع وراء تحقيق الاتحاد الأوروبي في مكافحة الدعم الصيني كانت فرنسا، التي تعتبر أن فارقاً ببضع مئات اليورو فقط قد يحدث فرقاً في قرار الشراء لدى الفرد.
من ناحية أخرى، تعرب ألمانيا عن معارضتها لرسوم جديدة، ولا سيما أن الوضع مختلف لبرلين وقطاع صناعة السيارات الألمانية مرتبط بالصين منذ زمن بعيد وبشكل أوثق من فرنسا من حيث التجارة والإنتاج، ومن ثم إن الحرب التجارية الهجومية سيناريو مرعب للعديد من الشركات الألمانية، وعلى اعتبار أنه وفي نهاية المطاف فإن الخاسر من الحمائية هم المستهلكون والشركات، وهذا ما أكد رئيس الرابطة الفيدرالية لتجارة الجملة والتجارة الخارجية والخدمات ديرك جاندورا، وهذا ما يجعل أوروبا بين المطرقة والسندان.
وذكر تقرير لشبكة إن تي في الإخبارية، أنه سجل داخل الاتحاد الأوروبي 10 من أصل 11 قطاعاً في الصناعات التحويلة تراجعاً في حصة سوق التصدير على مدى السنوات العشرة الماضية، وبحلول العام 2025 سيصل صانعو بطاريات السيارات في الصين إلى طاقة إنتاجية يمكنها تلبية الطلب العالمي ثلاث مرات. وكانت المفوضية الأوروبية اشتكت الشهر الماضي من أن شركات مثل "بي واي دي" و"جيلي" لم تجب بشكل كاف على العديد من التساؤلات الأوروبية حول الشفافية والإعانات التي تحصل عليها وتشوه المنافسة، كما في ما يخص سلاسل التوريد، التي تسيطر عليها الدولة من المواد الخام ومصافي النفط.
وذكرت خبيرة الشؤون الاقتصادية في شركة التأمين الائتماني أليانز ياسمين غروشل مع الشبكة عينها، أنه وفي أوروبا الموطن الكلاسيكي للشركات الألمانية تكتسب الشركات الصينية حصة سوقية متزايدة.
انتقام بكين. وتفيد تقارير اقتصادية بأن الصينيين يفكرون جدياً في رد على الرسوم الأوروبية ضدها بفرض ضريبة جمركية بنسبة 25% على السيارات المستوردة ذات المحركات الكبيرة.
وفي هذا الإطار، قال هولغر غورغ من معهد كيل للاقتصاد العالمي مع "إيه أردي" الإخبارية، إنه إذا ما حدث ذلك فقد يحصل شيء تم التحذير منه منذ أسابيع، معتبراً أن مثل هذه الطلقة التحذيرية يمكن أن تتزايد خطورتها وبسرعة كبيرة، وقد تؤدي إلى حرب تجارية كبرى، في إشارة إلى خوف الشركات الألمانية من انتقام الصين ما سيلحق أضراراً بكبرى الشركات الأوروبية. وأفاد بأن على مجموعة دول السبع التي ستجتمع قريباً في إيطاليا أن تنسق فيما بينها، ووضع مقترحات حول كيفية التعامل مع الصين.
بدوره، قال الرئيس التنفيذي لشركة "بي إم دبليو" أوليفر زيبسي خلال اجتماع عام عقد قبل أيام، إن شركته ملتزمة بفتح الأسواق والتجارة الحرة، مشيراً إلى أن الحمائية لا تخدم، والرسوم تؤدي إلى رسوم جديدة والعزلة بدلاً من التعاون، علماً أن "بي إم دبليو" كانت في الفترة الأخيرة من أكبر الخاسرين المدرجين في مؤشر داكس الألماني.
كما حذر الخبير الاقتصادي كارستن برزيسكي من بنك "إي أن جي"، من اعتماد رسوم جمركية عقابية ضد الصين من الاتحاد الاوروبي لأن التكتل يعتمد على بكين أكثر من الولايات المتحدة، مبيّناً أن غالبية المواد الخام تصل إلى أوروبا من هناك، وبطبيعة الحال، فإن فرض رسوم سيقابل بمثلها من جانب جمهورية الصين الشعبية، وكل ذلك على حساب النمو الاقتصادي في أوروبا.