استمع إلى الملخص
- انهيار الائتلاف الحاكم في ألمانيا بعد فوز ترامب يعكس التوترات الداخلية والخلافات حول معالجة تدهور الاقتصاد وعجز الموازنة، مع تراجع الأنشطة الاقتصادية وتضرر الصناعات كثيفة الطاقة.
- تواجه ألمانيا زيادة في حالات الإفلاس، حيث أشهرت 11 ألف شركة إفلاسها في النصف الأول من 2024، مع استمرار الركود وتراجع مبيعات الشركات الكبرى، بينما تتخبط الحكومة في معالجة الأزمات.
تعيش ألمانيا هذه الأيام أوجاعا صعبة وأزمات سياسية واقتصادية حادة. أوجاع قد تقوّض صلاحيات نموذج اقتصاد السوق الاجتماعي الذي تبنّته حكوماتها المتلاحقة وكان مثالا يحتذى به في العديد من دول العالم، خاصة أنه حقق معجزات اقتصادية عديدة وطفرات صناعية أهّلت اقتصاد ألمانيا لقيادة الاتحاد الأوروبي ومواجهة الكيانات المتنافسة وتحمّل أعباء الدول المتعثرة به، كما حدث مع اليونان وقبرص في سنوات سابقة.
من المؤكد أن فوز دونالد ترامب يزيد أوجاع اقتصاد ألمانيا الذي بات يعاني من مشاكل الإفلاس والركود والتضخم وإعادة الهيكلة، فقد تعهّد بفرض رسوم جمركية ما بين 10% و20% على الصادرات الأجنبية القادمة من أوروبا وغيرها و60% على السلع الصينية، وهو ما يعني خسارة صادرات الاتحاد الأوروبي نحو 150 مليار يورو سنويا.
ومن المؤكد أن ما تشهده ألمانيا، الدولة الأهم في منطقة اليورو والداعم القوي للاتحاد، هو أقرب إلى "تسونامي" سياسي واقتصادي قد يقوض واحدا من أقوى الاقتصادات العالمية؛ حيث يصنف اقتصاد ألمانيا ثالث أقوى اقتصاد في العالم، بقيمة بلغت 4.46 تريليونات دولار، ومعدل نمو 6.3% في عام 2023.
ويوم الأربعاء، انهار الائتلاف الحاكم في برلين بعد ساعات من فوز ترامب، كما جاء الانهيار بعد سنوات من التوترات داخل الحكومة، والتي بلغت ذروتها في الأيام الأخيرة، بسبب الخلافات الشديدة حول كيفية وقف تهاوي أنشطة الاقتصاد وعجز الموازنة المزمن، وسد فجوة مالية بمليارات من اليورو، والتأخر في ضخ حزم مالية لإنعاش أكبر اقتصاد في أوروبا، والذي يتجه نحو عامه الثاني من الانكماش بسبب ارتدادات حرب أوكرانيا وأزمة الوقود والتضخم وغيرها.
وسبقت الانهيار مباشرة إقالة المستشار الألماني أولاف شولتز وزير المالية كريستيان ليندنر، وانسحابات من الحكومة بعد شهور من الخلاف التي خرجت للعلن بشأن التوجه الاقتصادي للحكومة، خاصة فيما يتعلق ببنود الدين العام وعجز الموازنة.
انهيار الائتلاف الحكومي جاء في وقت حرج بالنسبة لاقتصاد ألمانيا حيث إن ترامب يستعد لتوجيه ضربة اقتصادية موجعة للاقتصاد الأوروبي عبر فرض رسوم جمركية، وهو ما يضعف قدرة منطقة اليورو على اتخاذ موقف موحد بشأن الإجراءات الانتقامية الأميركية، وكذا المواقف الأخرى؛ سواء في أوكرانيا وحلف الناتو أو الأزمات الاقتصادية وغيرها من الملفات المزمنة.
كما جاء في الوقت الذي تشهد فيه الأنشطة الاقتصادية في ألمانيا حالة من التراجع شبه الجماعي، فوفق بيانات اليوم الخميس، تراجعت الصادرات والإنتاج الصناعي بشكل أكبر من المتوقع خلال سبتمبر/أيلول الماضي، وتضررت بشدة الصناعات كثيفة الطاقة، مثل السيارات والكيميائيات والصناعات المعدنية وصناعة الورق.
من المؤكد أن ما تشهده ألمانيا، الدولة الأهم في منطقة اليورو والداعم القوي للاتحاد، هو أقرب إلى "تسونامي" سياسي واقتصادي
الأخبار السلبية الأخرى عن اقتصاد ألمانيا أكثر من أن تُحصى، فهناك 11 ألف شركة أشهرت إفلاسها في النصف الأول من عام 2024، وفق مكتب الإحصاء الاتحادي، كما تم تسجيل زيادة في قضايا إشهار الإفلاس أمام المحاكم بنسبة 10.7%. وتفاقمت أزمة ديون الشركات المفلسة المستحقة؛ حيث بلغت 32.4 مليار يورو، مقابل 13.9 مليار يورو في النصف الأول من العام السابق. وتسارع معدل التضخم في ألمانيا خلال شهر أكتوبر، متجاوزا المستوى المستهدف من قبل البنك المركزي الأوروبي.
وللعام الثاني على التوالي، ومنذ أكثر من 20 عاما، يعاني الاقتصاد الألماني من ركود أدى إلى تراجع مخيف في مبيعات الشركات الكبرى، ومنها فولكسفاغن. وتعتزم شركات عالمية مثل شركة التبغ الأميركية العملاقة فيليب موريس إغلاق مصنعيها في برلين ودريسدن.
وما زاد الطين بلة تخبّط حكومة التحالف في حسم المشاكل التي يعاني منها الاقتصاد في السنوات الأخيرة في وقت مبكر، والتردد في اتخاذ خطوات جريئة وسريعة ومناسبة، بدون الاستفادة من تجارب حكومات المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي سارعت لإنقاذ الدول الأوروبية المتعثرة، وتخصيص حزم مالية بقيمة تزيد على 500 مليار دولار لدعم الشركات والبنوك التي واجهت مخاطر الانهيار خلال الأزمات التي عاصرتها، ومنها أزمتا العام 2008 وجائحة كورونا.
من المبكر القفز إلى نتيجة تقول إن ألمانيا دخلت في مرحلة تعثّر مالي واقتصادي مزمن من الصعب الخروج منه، فقد نجحت في فترات سابقة في التغلب على أزمات أعنف منها، منها أزمات الطاقة وقفزات أسعار النفط عقب حرب أكتوبر 1973، والأزمة المالية العنيفة في العام 2008، وقبلها تعثر دول في منطقة اليورو، لكن أزمة هذه المرة تأتي في الوقت الذي يتبرص فيه ترامب بدول القارة، في محاولة منه لإضعاف أوروبا اقتصاديا لصالح الاقتصاد الأميركي. كما تأتي في ظل مخاطر جيوسياسية في مناطق عدة منها الشرق الأوسط وأوكرانيا وقلاقل اقتصادية عدة.