تلوح في أسواق تونس بوادر أزمة تزود بالوقود، حيث تشكو المحطات من نقص الكميات مقابل ارتفاع كبير في الطلب المدفوع بكثافة الحركة في فصل الصيف.
وفي المقابل، تنكر السلطات الرسمية وجود نقص في الكميات مبررة اضطراب التزويد بارتفاع الاستهلاك وتزايد الطلب على المحروقات.
وقالت وزارة الصناعة والمناجم والطاقة في بيان لها، الأسبوع الماضي، إنّ "مختلف المواد البترولية متوفرة في جميع محطات الوقود بكافة تراب الجمهورية، وإن عملية التزود متواصلة بنسقها العادي والاضطرابات المسجلة نتجت عن ارتفاع الاستهلاك وتزايد الطلب على المحروقات".
وعلى العكس، تؤكد شهادات لمواطنين جمعتها "العربي الجديد" أنهم وجدوا صعوبة في التزود بالبنزين في أكثر من مناسبة نتيجة عدم توفره في المحطات، ما يضطرهم إلى قطع مسافات إضافية للبحث عنها.
كذلك، قال أصحاب السيارات إن عدداً من محطات الخدمات يشترط تزويد الحرفاء بكميات محدودة بغاية الاستجابة لأكبر قدر ممكن من الطلبات، ما يدفعهم إلى التوجه نحو السوق الموازية رغم مخاطر البنزين المهرب على سلامة العربات.
وأكد وكيل محطة خدمات، فتحي العربي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الطلبيات التي نستلمها من الشركات المزودة أصبحت تتأخر، ما يسبب انقطاعات في التزويد تتواصل لبضع ساعات يقابلها طلب مكثف من الحرفاء على البنزين السولار.
وأضاف وكيل محطة الخدمات: "لا تعلمنا الشركات المزودة بحقيقة الوضع إذا كانت هناك أزمة تزود أولا، غير أن نقص الكميات أمر ثابت". وأفاد في سياق متصل أن البديل عن السوق المنظمة غالباً ما يكون من منتجات البنزين المهرّب التي تمر عبر المنافذ الحدودية لتونس من الجزائر وليبيا.
وأكد بيان صدر الجمعة الماضي عن مكتب منفذ رأس أجدير الحدودي، التابع لجهاز المباحث الجنائية، إحباط عملية تهريب كميات ضخمة من الوقود عبر المنفذ كانت في طريقها إلى تونس.
وقال جهاز المباحث الجنائية، في بيان له عبر صفحته على "فيسبوك"، إن العملية كانت وراءها شبكة تهريب منظمة، وتلقى أعضاء وحدة التحري وجمع المعلومات بالمكتب، في وقت سابق، معلومات من مصادر مؤكدة تفيد باستعداد هذه الشبكة لتنفيذ عملية تهريب البنزين داخل شاحنات من البضائع المتجهة إلى دولة تونس على ظهر شاحنات النقل المملوكة لأفراد. وكشف عن العثور على 23 شاحنة معبأة بكميات كبيرة تفوق 80 ألف ليتر، كانت مُعدة للتهريب عبر منفذ رأس أجدير الحدودي.
وفي وقت سابق، حذر الخبير الاقتصادي محسن حسن في تصريح لـ"العربي الجديد" من تأثير الأزمة المالية على قدرة البلاد على توفير احتياطي المواد الأساسية، ولا سيما منها الطاقة والغذاء. وقال حسن إنّ "أزمة المالية العمومية ستكون لها ارتدادات على قدرة المؤسسات التي تؤمن المشتريات العمومية على مواصلة تعهداتها".
وتؤمن تونس حاجيات المحروقات عبر الشركة التونسية لصناعة وتكرير النفط التي تتولى مهام تزويد السوق بالمواد البترولية بتكريرها وتوزيعها، وتبلغ طاقة التكرير القصوى لديها 1.8 مليون طن في السنة، إذ تقوم بتوريد ثلثي الكميات المكررة، أما الثلث المتبقي، فهو بترول محلي خام تتزود به من الشركة التونسية للأنشطة البترولية.
والشهر الماضي، قالت المديرة العامة للشركة التونسية لصناعة التكرير فاختة المحواشي إنّ باخرتين محملتين بالبترول رستا في ميناء بنزرت نهاية يونيو/ حزيران، والبلاد لا تواجه إشكالات في هذا الصدد، وتتسلم طلبياتها من المصافي في البحر المتوسط، وفق العقود الموقعة التي تمتد إلى أكتوبر/ تشرين الأول 2022 ومن دون تخلف أو تأخير أي طلبية.
وإزاء عجز الموازنة وعدم قدرة صندوق الدعم على تحمّل تكلفة إضافية، تعتمد السلطات التونسية على آلية التعديل الآلي للسعر عبر زيادات شهرية في ثمن المحروقات، بمعدل زيادة تقدر بـ3 بالمائة شهريا، وسط ترجيحات بأن تستمر الزيادة لتسعة أشهر.
وتعتمد تونس لتغطية حاجياتها النفطية على التوريد بنسبة تناهز 60 في المائة، أغلبها من المواد النفطية المكررة التي يجرى اقتنائها من دول مختلفة بناء على مناقصات دولية، بينما تتحمل الدولة كلفة التعويض بين الكلفة الحقيقية والسعر عند المضخة في محطات البيع.
تؤمن تونس حاجيات المحروقات عبر الشركة التونسية لصناعة وتكرير النفط التي تتولى مهام تزويد السوق بالمواد البترولية بتكريرها وتوزيعها
أكدت وزيرة الصناعة والطاقة التونسية نائلة القنجي، مؤخراً، ضرورة مضيّ الحكومة في رفع أسعار الطاقة، مشيرة إلى تصاعد احتياجات تونس لتمويل استيراد الطاقة إلى 3.2 مليارات دولار خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري فقط بسبب ارتفاع الأسعار في السوق العالمية، بينما كانت تقديراتها في قانون المالية (الموازنة العامة) تبلغ 1.6 مليار دولار للعام بأكمله.
وقالت القنجي، في تصريحات صحافية، إنّ تونس تواجه "عجزاً هيكلياً في ميزان الطاقة"، مشيرة إلى ضرورة مواصلة برنامج تعديل أسعار الطاقة، خاصة في ظل تضاعف دعم الطاقة حوالي ثلاث مرات من 2.9 مليار دينار (935 مليون دولار) إلى 8 مليارات دينار (2.5 مليار دولار).
وتشير بيانات صادرة عن معهد الإحصاء الحكومي إلى أنّ العجز التجاري لقطاع الطاقة بلغ 4.2 مليارات دينار، ما يمثل 36% من إجمالي العجز التجاري للبلاد بنهاية النصف الأول من العام الجاري، مقابل 2.2 مليار دينار في نفس الفترة من العام الماضي.