بدأ المحققون الأوروبيون تحقيقاتهم في بيروت اليوم الاثنين، حول الجرائم المالية المتصلة بتبييض الأموال واختلاس امال العام والتهرب الضريبي والتحويلات الخارجية بالدرجة الأولى والمرتبطة بحاكم "مصرف لبنان" المركزي رياض سلامة وشركاء له ومقرّبين منه.
وقال مصدرٌ قانونيٌّ متابع للملف لـ"العربي الجديد"، إن "التحقيق الأوروبي يشارك فيه محققون من ألمانيا وفرنسا ولوكسمبورغ، ومن التسريبات القضائية التي انتشرت في دوائر قصر العدل، أن اليوم الأول، لحظ الاستماع إلى النائب السابق لحاكم البنك المركزي، سعد العنداري بصفة شاهد في القاعة العامة لمحكمة التمييز، وذلك بحضور قاضيين منتدبين في إطار المعاونة القضائية اللبنانية، هما عماد قبلان وميرنا كلاس، كما حضر مترجمون لبنانيون، عمدوا إلى ترجمة أجوبة العنداري التي القاها باللغة العربية".
وأشار المصدر إلى أن "أجواء التحقيق بدت إيجابية، وسط حرص لبناني على إتمام التحضيرات والتجهيزات الكاملة لتسهيل مهام المحققين الأوروبيين خصوصاً على صعيد تشغيل الكهرباء في مشهدٍ استثنائي بالنسبة إلى المحامين والقضاة الذين يعملون معظم الوقت بلا كهرباء، وقد تم توجيه أسئلة كثيرة لأكثر من ساعتين إلى العنداري تمحورت بالدرجة الأولى حول التحويلات المالية إلى الخارج عبر الشركة التي يملكها سلامة وشقيقه رجا".
وشغل العنداري منصب النائب الثاني لحاكم البنك المركزي بين 2009 و2019، ونائب المدير العام لبنك "بيروت والبلاد العربية" بين 2001 و2009، وترأس الخزينة في "البنك العربي – لبنان"، وكان مدير معهد العلوم المالية والمصرفية التابع للجامعة الأميركية في بيروت بين 1992 و1998.
وأضاف المصدر: "لم يحضر الشاهد الثاني، العضو السابق في هيئة الرقابة على المصارف خليل قاصاف، بعد تقديمه معذرة طبية على أن يتم الاستماع إليه في وقتٍ لاحقٍ، ومن المرتقب استكمال التحقيقات يوم غدٍ الثلاثاء أبرزها مع مدير بنك الموارد الوزير السابق مروان خير الدين، بصفة شاهد، لتتكرر الجلسات تباعاً في الأيام المقبلة لتطاول أكثر من 10 شخصيات مصرفية ومالية سيتم الاستماع إليها بصفة شهودٍ، من نواب حاكم مصرف لبنان السابقين، وكبار المصرفيين".
وقال المرصد الأوروبي لدعم النزاهة في لبنان إن "التحقيقات الأوروبية في ملف اختلاس وتبييض الأموال المتهم به حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وشركاء له انطلقت اليوم بالتعاون مع القضاء اللبناني في قصر العدل في بيروت".
وأشار إلى أن "القاضية الفرنسية أود بوروسي التي تتولى التحقيقات بالملف في فرنسا تنضم إلى الوفد الأوروبي"، داعياً إلى "التعاون مع القضاء الأوروبي وصولاً إلى تحقيق العدالة في جريمة سرقة أموال اللبنانيين".
وقال المرصد في بيان إنه "تزامناً مع التحقيقات تظهر ممارسات مريبة يقوم بها مجلس القضاء الأعلى عبر لجوئه إلى التضييق على قضاة لبنانيين بقصد تطويعهم أو التخلص منهم، وهم فعلياً يقومون بعملهم وفي ملف سلامة بالذات"، سائلاً "ما غاية هذه الخطوة؟".
كما دعا المرصد "القضاة الشرفاء إلى عدم الخضوع لهذا الترهيب"، مشيراً إلى أن قدوم الأوروبيين للتحقيق جاء بعد تأكد الخارج أن العرقلة في ملف سلامة داخلية.
ويشير المرصد إلى أن "النظام القضائي في لبنان يفتقد إلى الاستقلالية والحياد، وقد قام منذ أكثر من ثلاثين عاماً بحماية العديد من السياسيين والمصرفيين ورجال الأعمال، وذلك بفضل تواطؤ بعض القضاة اللبنانيين الذين يستفيدون أيضاً من النظام القائم".
ويعتبر أن "استمرار التحقيقات من قبل القضاة الأوروبيين هو وسيلة لزعزعة النظام القانوني في لبنان، ونظام الإفلات من العقاب السائد في البلد، وسيكون له تأثير في جعل الجميع يفهمون أنه لا يوجد أحد محصَّن من العقاب، وسيجعل كل اللبنانيين يدركون أن النظام القضائي اللبناني يجب أن يتم إصلاحه".
وأكد القاضي غسان عويدات في تصريحات صحافية أن حاكم مصرف لبنان ليس ضمن اللائحة الاسمية للوفد الأوروبي على صعيد المرحلة الراهنة، بيد أنه أبقى الباب مفتوحاً على إمكانية طلب الوفد لاحقاً التحقيق معه، سيما من الجانب الألماني.
وفي مارس/آذار 2022، أعلنت وحدة التعاون القضائي الأوروبية "يوروجاست" أن فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ جمدت اصولاً لبنانية بقيمة 120 مليون يورو وصادرت عقارات في إطار تحقيق يستهدف حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة وأربعة مقربين اليه، في قضايا تبييض أموال واختلاس أموال عامة من عام 2002 إلى سنة 2021.
ويواجه سلامة شكاوى كثيرة ضده سواء في لبنان أو بالخارج سيما في الدول الأوروبية، بيد أن القرارات أو الطلبات التي تصدر محلياً لا تنفذ، بينما يرفض الحاكم المستمرّ في مهامه بشكل طبيعي، الامتثال أمام القضاء اللبناني، وينفي كل التهم الموجهة اليه، ملوحاً لوجود استهداف سياسي ضده، سيما مع اقتراب انتهاء ولايته في مايو/أيار 2023، وذلك بعد ما يقارب ثلاثين عاماً في موقع الحاكمية.