تفقد مسؤولون لبنانيون، اليوم الثلاثاء، منصة الحفر للتنقيب عن النفط والغاز في البلوك رقم 9، في المياه الإقليمية اللبنانية، لمواكبة انطلاق العمل اللوجستي فيها، وذلك بعدما أقلّتهم إليها طوافة تابعة لشركة "توتال إنرجيز" الفرنسية.
وشارك في الجولة رئيس البرلمان نبيه بري، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ووزير الأشغال العامة والنقل علي حمية، ووزير الطاقة والمياه وليد فياض، والمدير العام لرئاسة الجمهورية أنطوان شقير، الذي يحضر في ظلّ الشغور في سدّة الرئاسة الأولى، ورئيس هيئة إدارة قطاع البترول وسام الذهبي، ووفد من شركة توتال إنرجيز الفرنسية.
وأعلنت شركة "توتال إنرجيز" وشركاؤها "إيني" و"قطر للطاقة"، في بيانٍ، إطلاق أنشطة الاستكشاف في الرقعة رقم 9 في لبنان، مشيرة إلى أنه جرى اليوم عرض الاستعدادات اللازمة لحفر البئر الاستكشافية، والذي من المقرّر أن يبدأ خلال الأيام المقبلة.
وقال المدير العام للشركة الفرنسية في لبنان، رومان دو لامارتينيير، إنه "بعد الترسيم السلمي للحدود البحرية، التزمت توتال إنرجيز مع شريكيها إيني وقطر للطاقة بحفر بئر استكشافية في الرقعة رقم 9 في أقرب وقت ممكن في العام 2023".
وأضاف: "يسعدنا أن نعلن أن عمليّات الحفر ستبدأ خلال أيام قليلة، بفضل التزام فرق توتال ودعم السلطات اللبنانيّة وشريكينا"، لافتاً، إلى أن "البئر الاستكشافيّة ستسمح لنا بتقييم الموارد الهيدروكربونيّة، وإمكانات الإنتاج في هذه المنطقة".
ترحيب وتوقعات
وبحسب البيان، فإن الشركة الفرنسية هي المشغّل للرقعة رقم 9 في المياه اللبنانية مع حصّة 35%، إلى جانب شريكيها "إيني" الإيطالية، 35%، و"قطر للطاقة" 30%.
وقال ميقاتي: "في هذه المناسبة المهمة التي يشهدها لبنان، فإننا نتطلّع بأمل بأن تحمل الأيام المقبلة بوادر خيرٍ تساعد البلد على معالجة الأزمات الكثيرة التي يعاني منها".
قام رئيسا مجلس النواب نبيه بري والحكومة #نجيب_ميقاتي بجولة اليوم على منصة الحفر للتنقيب عن النفط والغاز في البلوك الرقم 9 في المياه الاقليمية اللبنانية لمواكبة انطلاق العمل اللوجستي.
— رئاسة مجلس الوزراء 🇱🇧 (@grandserail) August 22, 2023
وشارك في الجولة وزير الاشغال العامة والنقل علي حمية، وزير الطاقة والمياه وليد فياض، المدير العام… pic.twitter.com/Fcu3nWMfnQ
وأضاف: "ما تحقق حتى الآن هو إنجازٌ يُسجَّل للوطن والشعب اللبناني الصابر على محنه، ونأمل أن يتعاون الجميع في المرحلة المقبلة للنهوض ببلدنا، ووقف التدهور الذي نشهده على الصعد كافة"، معتبراً أنه "يومٌ للوطن وصفحة مضيئة في التاريخ".
من جانبه، قال رئيس البرلمان نبيه بري: "في هذه العتمة، يأتي يوم فرح عملت له سنوات طوالا إلى أن كان اتفاق الإطار الذي أعلنته من عين التين (مقرّ رئاسة البرلمان) في بيروت بتاريخ الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2020".
وأضاف بري: "أتوجّه إلى الباري عز وجلّ بأن لا ينقضي بضعة شهور إلّا ويمن على لبنان بدفق من كرمه، مما يشكل بداية لإزاحة الأزمة الاقتصادية التي يعيشها لبنان وشعبه، وكذلك بتوافق اللبنانيين على انتخاب رئيس يقوم بدوره كبداية لحلٍّ سياسيٍّ نتخبّط به".
وفي 16 أغسطس/آب الجاري، وصلت باخرة التنقيب عن النفط والغاز "Transocean Barents"، إلى الرقعة رقم 9، وتقع على بعد حوالي 120 كلم من بيروت في المياه اللبنانية، وقد حطّت بالتزامن طائرة هليكوبتر، التي تديرها شركة "غولف هليكوبترز"، في مطار بيروت، خُصِّصت لنقل فريق العمل إلى منصة الحفر، بعدما تعاقدت معها الشركة الفرنسية.
وأطلق وزير الأشغال الذي ينتمي سياسياً إلى "حزب الله"، على خط الملاحة الجوي للهليكوبتر بين مطار بيروت ومنصة الحفر والتنقيب، اسم "خط قانا 96"، وذلك تخليداً لـ"شهداء مجزرة قانا"، عام 1996، كتاريخ مفصلي بالنسبة إلى قواعد الاشتباك مع العدو الإسرائيلي، التي أرست دعائم النصر في لبنان، وأسست لمرحلة تعافيه، وفق تعبيره.
مسار التنقيب
يأتي ذلك بعد تسوية لبنان نزاعه البحري مع إسرائيل قبل نحو عشرة أشهر، لتتجه الأنظار، إلى نتائج الأعمال، المتوقع أن تظهر خلال شهرين إلى ثلاثة أشهر، وسط تفاؤل سياسي من وجود حقل نفطي، وتخوّف شعبي من إهدار الطبقة السياسية ثروة البلاد النفطية.
ووقعت الحكومة اللبنانية عام 2018 عقوداً مع تحالف شركة "توتال" و"إيني" الإيطالية، و"نوفاتيك" الروسية، للتنقيب عن النفط في الرقعتين 4 و9، وذلك قبل أن تنسحب الأخيرة بفعل عقوبات أميركية وأوروبية على قطاع الطاقة الروسي، وتنضم إلى الكونسورتيوم، "قطر للطاقة" في 29 يناير/كانون الثاني عام 2023.
وتبيّن نتيجة أعمال حفر الآباء الاستكشافية أن الرقعة 4 جافّة، وتوقفت الأعمال فيها، في حين لم يبدأ الحفر في الرقعة 9 نتيجة النزاع الذي كان قائماً، وهناك دراسات ثنائية وثلاثية الأبعاد أجريت قبل أكثر من عشر سنوات، تظهر احتمال وجود غاز في البلوك رقم 8 و9.
وفي 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، وقّع لبنان وإسرائيل بوساطة أميركية، اتفاق ترسيم الحدود البحرية، وقد قبل الطرف اللبناني، بالخط 23 بدلاً من الخط 29 بعد مفاوضات طويلة وصعبة، علماً أنّ الخط 29 كان يتيح للبنان الحصول على قسم من حقل كاريش الذي سبق أن بدأت إسرائيل الضخ التجريبي للغاز فيه. وبموجب الاتفاق، فإنّ حصول لبنان على حقل قانا، لا يضمن له القدرة على استخراج الغاز منه بلا أي قيود، باعتبار أنّ الاستخراج يخضع لموافقة إسرائيل.
ويعاني لبنان من شغور رئاسي منذ 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مع انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، في ظلّ الصراع السياسي الحادّ على موقع الرئاسة الأولى، وانعدام التوافق على مرشح رئاسي، وذلك في وقتٍ يتمسك حزب الله وفريقه السياسي، بمرشحه للرئاسة، رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية، بينما يرفض الفريق المعارض له تأييده، وقد أيّد ترشيح وزير المال السابق، والمسؤول في صندوق النقد الدولي، جهاد أزعور، لكنه منفتح على أسماء أخرى، تكون قادرة على القيام بالإصلاحات السياسية والاقتصادية المطلوبة.
وينتظر لبنان في سبتمبر/ أيلول المقبل، عودة الموفد الرئاسي الفرنسي، جان إيف لودريان، للمرة الثالثة إلى بيروت، من دون أن يعوّل إيجاباً على نتائجها في التوصل إلى اتفاق لانتخاب رئيس، خصوصاً مع استمرار الخلاف السياسي، وبعد الرسالة التي بعثها لودريان إلى مجموعة من النواب ورؤساء الكتل البرلمانية تضمنت أسئلة حول مواصفات وأولويات الرئيس، اعتبرها فرقاء لبنانيون أنها تمسّ سيادة لبنان، وتخالف أبسط الأصول الدبلوماسية، وتشبه ورقة الامتحان.
في المقابل، يترقب الخارج، ولا سيما صندوق النقد الدولي والجهات المانحة، التطورات على الساحة اللبنانية، والتي دخلت على خطّها اللجنة الخماسية، المؤلفة من دول قطر، والمملكة العربية السعودية، وفرنسا، مصر، والولايات المتحدة الأميركية، لمساعدة القوى السياسية لإيجاد حلّ للملف الرئاسي، وسط تلويح بعقوبات قد تطاول معرقلي انتخاب الرئيس، والعملية السياسية في لبنان.
ولا تزال كل المساعدات النقدية من الخارج للبنان متوقفة، بانتظار استئناف المؤسسات الدستورية الناقصة الصلاحيات حالياً، عملها، وإتمام الاستحقاقات السياسية، وبدء ورشة الإصلاحات الاقتصادية، التي رغم الانهيار الكبير، لم تقدم السلطات اللبنانية على القيام بخطوات جدية متكاملة في مسارها منذ بدء الأزمة أواخر عام 2019 وحتى اليوم، أما بعض الإجراءات التي صبّت ضمن شروط صندوق النقد الدولي، والتي جرى تنفيذها بشكل "مشوّه"، فقد بقيت في خانة "الترقيع" من دون خطة شاملة، أدت في نهاية المطاف إلى مفاقمة أزمة اللبنانيين، وضرب قدرتهم الشرائية.