أزمة صحية جديدة بدأت تطرق باب اللبنانيين تتمثل في طلب المستشفيات من المرضى شراء أدويتهم على نفقتهم الخاصة، وذلك في وقتٍ بالكاد باتت الأدوية متوفرة في الصيدليات، وتسعيرتها، إن وجدت، تفوق قدرة المواطنين، لا سيما الفئات الأكثر ضعفاً، على تحمّلها.
وقالت نقابة أصحاب المستشفيات في لبنان في بيان، الأثنين، إن "المستشفيات تتعرّض حالياً لمعضلة خطيرة تهدد صحة المرضى بشكل مباشر، إذ إن المستوردين يفرضون عليها تسديد ثمن الأدوية نقداً، رافضين الشيكات المصرفية، في الوقت الذي لا توفّر فيه المصارف الأموال النقدية اللازمة للمستشفيات، لا سيما أن مصرف لبنان لا يمدّها بالسيولة النقدية المطلوبة".
ونبّهت النقابة في بيانها إلى أن "المستشفيات باتت عاجزة في هذه الحالة عن تأمين الأدوية للمرضى الذين سوف يضطرون إلى شرائها على نفقتهم، مهما كانت الجهة الضامنة التي تغطي تكاليف استشفائهم".
وطالبت رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة بالعمل على تأمين السيولة المطلوبة فوراً، منعاً من الوقوع في المحظور، مشيرة إلى أنه "يكفي المريض ما يعانيه على كافة الصعد، ولا يجوز إغراقه في مشكلة جديدة هي أقرب إلى الكارثة الصحية".
من جانبه، قال نقيب المستشفيات الخاصة في لبنان سليمان هارون لـ"العربي الجديد" إن "المشكلات المتصلة بالمستشفيات وصحة المريض كلها إلى تزايد، سواء تلك المادية، أو التي لها علاقة بالكهرباء والمولدات الخاصة، عدا عن تلك المرتبطة بهجرة الأطباء والممرضين والتقنيين والإداريين".
وأشار هارون إلى أن "المشكلة الكبرى اليوم مرتبطة بعدم قدرة المستشفيات على الوصول إلى أموالها المحجوزة في المصارف، والأخيرة لا تؤمن لنا في المقابل المبالغ التي نحتاجها، والتي تصل إلى 200 مليار ليرة لبنانية شهرياً، عدا عن تأخر الدولة في دفع المستحقات للمستشفيات، مع العلم أن المماطلة تفقد المبالغ المالية قيمتها في ظل ارتفاع سعر صرف الدولار الكبير والانهيار المستمر لقيمة العملة الوطنية، ما يلحق بنا خسائر كبيرة".
ولفت إلى أن المريض لم يعد بمقدوره تأمين فواتير المستشفيات التي أصبحت باهظة جداً لا بل خيالية، خصوصاً بعد رفع الدعم من جانب مصرف لبنان عن المستلزمات الطبية والأدوية، حتى إنه ليس باستطاعته تحمّل شراء الأدوية، التي شهدت ارتفاعاً كبيراً في الأسعار.
وكشف هارون أن نسبة دخول المريض إلى المستشفى تقلّصت بشكل لافتٍ وخطير، إذ بينما كانت تصل نسبة الإشغال قبل الأزمة الاقتصادية عام 2019 إلى حوالي 850 ألف في السنة، باتت اليوم أقلّ بخمسين في المائة، بحيث لم تعد تتعدى الـ450 ألفاً سنوياً.
وشكا عددٌ من المرضى لـ"العربي الجديد" أن بعض المستشفيات، لا سيما التي تقع خارج بيروت، وفي القرى الجبلية، تطلب منذ فترة طويلة من المرضى تأمين أدويتهم، في وقتٍ يفترض على المستشفيات تأمينها، حتى إن هناك مستشفيات تطلب من عوائل المرضى إحضار البطانيات والأغطية للتدفئة في ظل البرد القارس، وهي تعاني من أزمة كهرباء وتقنين لساعات رغم خطورة ذلك على صحة المريض.
وقالت ابنة أحد المرضى الذي يعاني من مشكلات في القلب، لـ"العربي الجديد"، إنها نقلت والدها إلى أحد مستشفيات بيروت، بيد أن المعاملة كانت سيئة جداً، وقد طلب منها تأمين الأدوية والأغطية لتدفئته، بينما كانت الكهرباء مقطوعة ولا وسائل تدفئة، عدا عن أن الغرفة كانت تعاني من تشققات وتسريب لمياه الأمطار، وقد سارعت لنقله إلى مستشفى آخر خشية منها على صحته، خصوصاً أن وضعه كان صعباً جداً.
وأشارت الشابة إلى أن طريقة تعاطي المستشفيات باتت تجارية مع المريض وبعيدة كل البعد من الإنسانية، حتى إنها تطلب دفع قيمة من الفاتورة بشكل مسبق وبالدولار الأميركي النقدي، أو ما يساويه تبعاً لسعر الصرف اليومي في السوق السوداء، وترفض إدخاله الغرفة قبل دفع المبلغ المالي، لكنها في المقابل لا تقدم الخدمات اللازمة أو تقوم بأبسط واجباتها تجاه المريض.
قال نقيب المستشفيات الخاصة في لبنان سليمان هارون لـ"العربي الجديد" إن "المشكلات المتصلة بالمستشفيات وصحة المريض كلها إلى تزايد
وكانت وزارة الصحة قد أعلنت قبل أيام رفع الدعم أيضاً عن حليب الأطفال، الأمر الذي يزيد من معاناة المواطنين والعائلات التي لم يعد بمقدورها شراء علبة حليب لطفلها، التي بات سعرها يصل إلى مليون ليرة لبنانية، علماً أن أزمة انقطاعها لم تحلّ بعد، ولا يزال حليب الأطفال شبه مقطوع من الصيدليات.