مصارف لبنان تستأنف إضرابها الثلاثاء حتى "تصحيح الخلل القضائي".. والدولار يحلّق من جديد

09 مارس 2023
سخط مستمر على أداء المصارف وقيودها على سحوبات المودعين (الأناضول)
+ الخط -

وكأن "جمعية مصارف لبنان" لم تعد تكترث لحال المواطنين وضرورة تيسير أمورهم في ما تبقى من خدمات تقدّمها، فقررت العودة إلى الإضراب المفتوح مجددا اعتبارا من الثلاثاء المقبل، بذريعة الاحتجاج على قرارات قضائية تطالبها بسداد أموال بعض المودعين.

ويأتي قرار الجمعية في ظل غياب كبير لأي ضغط من الجهات الناظمة، وفي طليعتها "مصرف لبنان" المركزي الذي يخضع حاكمه رياض سلامة لتحقيقات داخلية وخارجية بتهم اختلاس وتبييض أموال وتهرّب ضريبي. 

موقف الجمعية عبّرت عنه في بيان صادر عن مديرية الإعلام والعلاقات العامة التابعة لها وأشارت فيه إلى "بياناتها السابقة التي لفتت الى وجوب تصحيح الخلل في بعض القرارات القضائية التعسفية في حقها. وإزاء ما رأت فيه خطوة أولى في الاتجاه الصحيح من قبل حضرة المدعي العام التمييزي، أعربت عن إيجابيتها الحذرة آملة أن تتبعها خطوات أخرى بنفس الاتجاه، تستعيد فيها القرارات القضائية ما عرف عنها سابقا من عدالة وكفاءة وحياد ومساواة".

وذهبت الجمعية في بيانها إلى أنه "للأسف، كانت المصارف محقة في موقفها الحذر، إذ صدرت خلال الأيام القليلة الماضية قرارات قضائية تعسفية جديدة، عادت تكيل بمكيالين، فتلزم المصارف بقبول تسديد الديون العائدة لها بالعملة الأجنبية بذمة المقترضين بشيك مسحوب على مصرف لبنان أو بالليرة اللبنانية على أساس سعر صرف 1500 ليرة للدولار الواحد، فيما تلزم المصارف بتسديد أو بتحويل الودائع بالعملة الأجنبية نقدا وبنفس العملة ولصالح بعض المودعين على حساب المودعين الآخرين".

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وبحسب البيان، "لم تأخذ هذه القرارات القضائية بالاعتبار بديهيات العمل المصرفي. فللمرة الألف، إن المصارف لا تطبع العملات، فهي تأخذ أموال المودع لتقرضها إلى من يحتاج إليها، على أن يعيدها لها مع الفوائد فتعيدها المصارف بدورها إلى المودع مع فوائده، محتفظة بهامش ربح لها". 

وتابعت: "أما إذا صدر قرار قضائي ألزم المصرف بقبول وفاء الدين الممنوح من الودائع بالعملة الأجنبية، بشيك مسحوب على مصرف لبنان أو بالليرة اللبنانية على أساس سعر صرف قدره 1500 ليرة للدولار الواحد، فكيف يمكن للمصرف أن يعيد إلى المودع وديعته نقدا بالعملة الأجنبية؟ وإذا تمكن من إعادتها إلى أحدهم من مخزونه، فكيف يعيدها للآخرين؟".
 
كما رأت أن "مثل هذه القرارات القضائية التعسفية ألزمت المصارف التي كانت قد أقرضت للقطاع الخاص بتاريخ 17 /10/ 2019 حوالي الأربعين مليار دولار أميركي، أن تقبض أكثر من ثلاثين مليار دولار أميركي بموجب شيكات مسحوبة على مصرف لبنان أو بالليرة اللبنانية على أساس سعر صرف قدره 1500 ليرة للدولار الواحد. ولم تدرك القرارات القضائية أنها بذلك تقلص من فرص المودعين باستعادة ودائعهم بالعملات الأجنبية، بل وتقضي عليها".
 
وترى المصارف أنها "لم تترك وسيلة قضائية للمطالبة بتصحيح الخلل إلا وسلكتها، إنما دون جدوى. بل على العكس، فإن بعض القرارات القضائية الانتقامية زادت وزادت من خطورتها، وقد وصلت إلى حد الحجز على موجودات المصارف، ناهيك عن التدابير الجائرة في حق القيمين عليها، وكأنها تحملهم مسؤولية قراراتها غير المحقّة، بصرف النظر عن قرينة البراءة التي يجب صيانتها احتراما للحرية الفردية ولسرية التحقيق، حيث تنعكس القرارت المتهورة والمعلومات المسربة سلبا في الداخل والخارج عن المودعين بالدرجة الأولى".

وانتهى بيان الجمعية إلى أنه "إزاء ما تقدم، وحيث إن الوضع بلغ من الخطورة بمكان لم يعد يكفي معه لفت النظر والاعتراض والإنذار، بل أصبح من الضرورة الملحة أن تتحمل السلطات الرسمية من تنفيذية ونقدية وقضائية وتشريعية مسؤوليتها بإيجاد حل شامل لأزمة نظامية عبر إصدار قواعد عامة ملزمة للجميع لا تقتصر على مصارف معيّنة ولا حتى على جميع المصارف، بل تطال كل القطاع المالي وتمس أيضا المودعين، فإن جمعية مصارف لبنان تجد نفسها مكرهة إلى العودة إلى الإضراب ابتداء من صباح يوم الثلاثاء 14 مارس/آذار 2023".

وطالبت الجمعية "باتخاذ التدابير القانونية السريعة لوضع حد لهذا الخلل في اعتماد معايير متناقضة في إصدار بعض الأحكام التي تستنزف ما بقي من أموال تعود لجميع المودعين وليس لبعضهم على حساب الآخرين، ولمعالجة هذه الأزمة بشكل عقلاني وعادل ونهائي، تتحمل فيه الدولة بصورة خاصة مسؤوليتها في هذا المجال".

وفي 27 فبراير/شباط الماضي، فتحت المصارف اللبنانية أبوابها، بعد إقفال جزئي استمرّ منذ 7 فبراير، وذلك بناءً على تعهّد حصلت عليه من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بحلّ أزمتها في تصحيح الخلل في المرفق العام القضائي، وذلك بعدما أقدم ميقاتي ومن خلفه وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي، على اتخاذ إجراءات بحق النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون، بعد ادعائها على عددٍ من المصارف، بجرائم تبييض الأموال.

وكانت جمعية المصارف قررت يوم الجمعة الماضي تمديد تعليق إضرابها حتى تاريخ 10 مارس، بعدما تلقفت بـ"إيجابية حذرة"، وفق تعبيرها، القرارين الصادرين عن النيابة العامة التمييزية في 28 فبراير الماضي، آملة استكمالها بالتدابير العملية لمعالجة الخلل نهائياً في عمل المرفق العام القضائي.

وفي 28 فبراير الماضي، وجّه النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات كتاباً إلى النيابة العام الاستئنافية في جبل لبنان، طلب فيه وقف الإجراءات التحقيقية والاستقصائية موقتاً إلى حين البت في القضايا المثارة في حق النيابة العامة الاستئنافية.

كما، أصدر القاضي عويدات تعميماً إلى جميع النيابات العامة في كل المحافظات اللبنانية، بما فيها النيابة العامة المالية ومفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية، طلب بموجبه الامتناع عن طلب أي معلومة مصرفية لا تتعلق بالدعاوى العائدة لجرائم الفساد ومكافحة تبييض الأموال.

وتأتي هذه التطورات في وقتٍ أعلن فيه الأمين العام لجمعية المصارف في لبنان فادي خلف ألا سيولة لدى المصارف اللبنانية، في خطوة وضعت في إطار استمرار حجز ودائع الناس، وتهرب البنوك من مسؤولياتها تجاه المودعين.

تجدر الإشارة إلى أن قاضي الأمور المستعجلة في بيروت، هالة نجا، أصدرت في 6 مارس قراراً بإلزام بنك "لبنان والمهجر" بإعادة فتح حساب إحدى المودعات لديه، التي لجأت إلى "رابطة المودعين"، والذي كان أقفله في نهاية العام 2020 عنوةً من دون طلبها، وحوّل قيمة الحساب الدولاري إلى شيك مصرفي مسحوب على مصرف لبنان.

الدولار يحلق في السوق السوداء اللبنانية مجدداً

وتبقى الأنظار متوجهة إلى مسار الدولار، الذي سجل ارتفاعاً كبيراً لأكثر من 88 ألف ليرة، منذ لحظة إعلان المصارف السير بإقفال جديد، والذي يوضَع من قبل جمعيات روابط المودعين، في إطار الضغط الذي تمارسه للتهرب من مسؤولياتها تجاه المودعين والنأي بنفسها عن المساءلة والمحاسبة. 

وسريعاً، انعكس الارتفاع الكبير في سعر صرف الدولار على أسعار المحروقات التي شهدت زيادة للمرة الثانية اليوم، بحيث ارتفع سعر صفيحة البنزين 95 أوكتان 54000 ليرة، و98 أوكتان 55000 ليرة، والمازوت 51000 ليرة والغاز 37000 ليرة.

وأصبحت الأسعار على الشكل الآتي: بنزين 95 أوكتان 1538000 ليرة، بنزين 98 أوكتان 1575000 ليرة، المازوت 1467000 ليرة، والغاز 1043000 ليرة.

كذلك، ينعكس التحليق الكبير في سعر صرف الدولار تلقائياً على أسعار السلع والمواد الغذائية التي باتت تسعر بالدولار، وتحتسب وفق سعر الصرف في السوق السوداء، والذي يختلف بين سوبرماركت وأخرى، وغالباً يكون أعلى من ذلك الذي تسجله التطبيقات الإلكترونية الخاصة بسعر الصرف بذريعة تبدل الأسعار السريع.

وشهد سعر صرف الدولار في السوق السوداء اليوم تقلبات كثيرة على خطّ 80 إلى 85 ألف ليرة لبنانية، قبل أن يستقرّ ظهراً على خطّ 82 ألف ليرة، وذلك في وقتٍ انتشرت أنباء تفيد بتوقف العديد من المصارف عن تنفيذ عمليات "صيرفة" التابعة للمصرف المركزي.